منذ أربع سنوات طرح الرئيس الروسى آنذاك فلاديمير بوتين خطته الطموحة الهادفة إلى إعادة تأسيس دور روسيا كلاعب مهم فى الشرق الأوسط، عندما أعلن أن موسكو يمكنها رعاية مؤتمر للسلام، تدعى إليه جميع أطراف الصراع، للتوصل إلى تسوية للصراع العربى الإسرائيلى. ومنذ ذلك الحين لم يسقط اقتراح بوتين، على الرغم من تركه منصبه الرئاسى وتوليه رئاسة الوزراء. ولكن عدم قدرة روسيا على عقد المؤتمر ألقت الضوء على الصعوبات التى تكتنف طموح موسكو إعادة الدور العالمى الذى كان يلعبه الاتحاد السوفييتى السابق. لكن خلال الأسبوع الماضى عندما زار وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف مصر، قال إن الكرملين مازال يرغب فى عقد المؤتمر، الذى لم يقترب من التحقق على أرض الواقع. ويثير المسئولون الروس القضية بانتظام خلال اللقاءات الدبلوماسية، بل إنهم ذهبوا بعيدا فى العام الماضى، عندما أعلنوا عن جدول أعمال محتمل للمؤتمر. ويشير محللون إلى أن عدم تخليهم عن الفكرة يدل على أنها تحمل دلالة رمزية كبيرة للدبلوماسية الروسية. تقول أرينا زفياجليسكايا من معهد دراسات الاستشراق فى العاصمة الروسية «عبر مقترحها للمساعدة على حل الصراع، فإن روسيا ستخلق هالة حول قدرتها الدبلوماسية». غيرت موسكو دورها فى الشرق الأوسط، فخلال الحقبة السوفييتية وقفت إلى جانب العرب، لكن الآن تسعى لرسم صورة الوسيط المحايد. ففى الوقت الذى لم تتخلى موسكو عن حلفائها العرب، بنت جسور قوية مع إسرائيل، وذلك جزئيا بسبب الكتلة الضخمة من المهاجرين الروس من جمهوريات الاتحاد السوفييتى السابقة، والذى تبلغ نسبتهم ما بين 15 و20 فى المائة من عدد السكان. كما عقد وزير الخارجية الإسرائيلى أفيجدور ليبرمان، المهاجر من جمهورية مولدوفيا السوفييتية السابقة، محادثات متكررة مع الدبلوماسية الروسية، إضافة إلى زيارته لروسيا هذا العام. وقال بوتين للوزير الإسرائيلى «هذا ما يوحدنا مع إسرائيل أكثر من أى دولة فى العالم»، فى إشارة إلى الكتلة الروسية المهاجرة فى إسرائيل. زاد حجم التجارة البينية، وأصبحت إسرائيل وجهة مفضلة للسياح الروس. وخلال العام الماضى أسقطت الدولتين شرط التأشيرة لدخول السائحين لكل منهما. وفى الوقت نفسه، تعد روسيا هى العضو الوحيد فى اللجنة الرباعية التى تضم إلى جانبها كل من الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبى والأمم المتحدة، التى لها علاقات مع حركة حماس. ففى حين تدرج الولاياتالمتحدة حماس فى قائمة الجماعات الإرهابية، تقول روسيا إنه من الضرورى وجود قناة مع الحركة التى تسيطر على قطاع غزة. وفى المقابل، استمرت إسرائيل فى حث روسيا على عدم الاتصال بحماس، لكن بعض الدبلوماسيين الإسرائيليين عبروا عن أملهم فى أن يسهم التواصل الروسى فى تليين موقف حماس نحو مزيد من الاعتدال. وفى معرض ضغطه لعقد مؤتمر موسكو يبدو الكريملين فى تنافس مع البيت الأبيض. لكنه بدا واضحا فشل روسيا فى هذا التنافس، فعندما قررت إدارة الرئيس الأمريكى السابق جورج بوش الابن عقد مؤتمرا للسلام فى المنطقة، انعقد مؤتمر أنابوليس فى العام 2007 فى سرعة نسبية. وعلق يفجينى ستانوفسكى مدير معهد الشرق الأوسط فى موسكو «يريد الروس التأكيد على استقلاليتهم، وإظهار أنه ليس الأمريكيون وحدهم من يستطيع التحرك فى الشرق الأوسط، فهم يرون أنفسهم مهمين فى المنطقة». وفى لقاءاتهم فى موسكو، ظهر أن الإسرائيليين والفلسطينيين منقسمين بين توجهين مختلفين تماما، حيث لم يتحمس الإسرائيليون لمحادثات مكثفة مع الفلسطينيين، لكنهم لم يرفضوا المؤتمر مباشرة، وكأنهم لا يريدون الإساءة للروس. تقول آنا أزارى السفيرة الإسرائيلية المنتهية ولايتها فى روسيا «عندما تنهار المحادثات مجددا ويبدو أننا دخلنا فى طريق مسدود، سنعتقد حينها أن مؤتمر موسكو مجدٍ». كان الفلسطينيون أكثر إيجابية، حيث قال المندوب الفلسطينى فايد مصطفى «من المهم أن نظهر جهودنا من أجل السلام أمام المجتمع الدولى». قد تجد القيادة الروسية نفسها فى موقف حرج فى حال استمر تأجيل الموعد انعقاد المؤتمر. يقول ألكسندر سلطانوف المبعوث الروسى الخاص للشرق الأوسط «عندما تتوقف عملية السلام، فإن هذا يعطينى مؤشرا على الآثار الوخيمة التى تعقب ذلك»، وأضاف «لكن عقد لقاء دولى كبير ودون نتائج، لن يكون بلا قيمة فقط، بل سيكون له نتائج عكسية».