قبل أن تعلن إسرائيل رفضها لاقتراح فلاديمير بوتين عقد مؤتمر دولي في الخريف القادم بهدف التوصل إلي تسوية شرق أوسطية بادرت أمريكا وأعلنت رفضها للمقترح الذي طرحه الرئيس الروسي في مستهل جولته في المنطقة التي بدأها بالقاهرة الأربعاء الماضي والتي زار بعدها كلاً من إسرائيل والأراضي الفلسطينية.. استبعدت "رايس" الاقتراح باعتباره خارج نطاق عملية السلام الراهنة أي أنه خارج نطاق الخدمة ولا يحق لروسيا أن تدخل علي الخط لأن العملية برمتها محتكرة من قبل أمريكا. أمريكا هي المايسترو... لقد حرصت إسرائيل منذ البداية علي تنحية روسيا والاتحاد الأوروبي بعيداً عن عملية السلام، ورأت أن أمريكا هي المؤهلة فقط للتعامل مع هذه القضية، أما لماذا أمريكا فأمر مفهوم فإدارة بوش نسقت الأوضاع مع إسرائيل بصورة تدعم كل رؤاها وتتمشي مع مخططاتها في تصفية القضية الفلسطينية، ومن ثم تحاول أمريكا إعطاء انطباع زائف اليوم مفاده أن شارون هو رجل السلام في المنطقة والدليل سعيه إلي الانسحاب من غزة، وعليه يجب تشجيعه لتنفيذ خطته بفك الارتباط في غزة والانسحاب من أربع مستوطنات معزولة في الضفة. دور مهمش... إن ما أكدته وزيرة الخارجية الأمريكية مؤخراً يعني أن تستمر روسيا سجينة لدورها في اللجنة الرباعية وهي اللجنة التي صادقت علي المقترح الأمريكي المسمي بخريطة الطريق والتي تضم معها كلاً من الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة إلي جانب أمريكا، وهو دور مهمش ولا فاعلية له لاسيما وأن أمريكا هي التي تفرض ما تريد من رؤي علي الأطراف الثلاثة، وبالتالي لا ينتظر أن تقدم اللجنة الرباعية جديداً عندما تجتمع في موسكو في الثامن من الشهر الحالي، ذلك ان ما تريده أمريكا وإسرائيل من وراء طرح خريطة الطريق هو إضاعة الوقت وتمييع القضية واستخدامها كوسيلة لاجبار السلطة الفلسطينية علي استخدام القبضة الحديدية للقضاء علي البنية التحتية للفصائل الفلسطينية وجز رقبة المقاومة ونزع سلاحها والزعم بأن هذا سيكون بمثابة بداية تفتح الطريق أمام تحركات من جانب إسرائيل، وبالطبع لن تحرك إسرائيل ساكناً ولن تقدم أي شيء في المقابل إذ إن أقصي ما ستنفذه هو الانسحاب من غزة دون أن ترفع سيادتها عن الميناء والجو والمعابر!! من الرابح..؟ بالطبع ستكون إسرائيل هي الرابحة وفق السيناريو المشترك بينها وبين أمريكا من خلال تكثيف الاستيطان في الضفة التي مازالت تطلق عليها يهودا والسامرة وتتشبث بها كإرث توراتي، وما من شك في أن شارون قد ضمن بوعد بوش له في الرابع عشر من ابريل من العام الماضي احتفاظ إسرائيل بالتجمعات الاستيطانية لتكون تحت سيادتها وهو الوعد الذي أعاد إحياءه من جديد في لقائه في مزرعته بتكساس في الحادي عشر من الشهر الماضي. لقد عاد شارون من لقائه ببوش أكثر شراسة لتتعمد إسرائيل انتهاك التهدئة بقتل الفلسطينيين واعتقالهم واجتياح مدنهم وهدم منازلهم، أي أنها استخدمت التهدئة لمزيد من المذابح ومصادرة الأراضي الفلسطينية في عمليات التوسع الاستيطاني اليومي وبناء جدار الفصل العنصري! معادلة الواقع اليوم.. لهذا ما كان لإسرائيل أن تقبل بأية مبادرة تطرحها روسيا تتعلق بما يسمي عملية السلام في المنطقة، فهذه حكر علي أمريكا ولا تستطيع روسيا حالياً الاضطلاع بالدور الذي كان للاتحاد السوفيتي في الماضي، نعم.. الزمن اختلف والمعادلة تغيرت كلية مع اضمحلال النفوذ الروسي لاسيما بعد أن أصبح حلف الناتو يدق أبواب روسيا اليوم، وبعد أن احتلت أمريكا أفغانستان وباتت قريبة من منابع الطاقة الآسيوية وبعد أن سيطرت علي العراق الغني بالبترول، مجمل القول إن عملية السلام انحصرت في أن تكون شأناً أمريكياً خالصاً. روسيا المحاصرة.. لن يكون بوسع "بوتين" تطبيق مبادرته بعقد مؤتمر دولي بينما أمريكا وإسرائيل تقفان بالمرصاد له وتؤكدان أن لا دور لروسيا في أية عملية سياسية بالمنطقة، لقد تغير الظرف الزمني ولم تعد روسيا اليوم هي الاتحاد السوفيتي الذي كان يمارس نفوذه دون خشية من غضب أمريكا وإسرائيل، أما اليوم فلقد وجدت روسيا نفسها محاصرة بالضغوط ومطلوباً منها توضيح كل خطوة تقدم عليها ولا أدل علي ذلك من أن بوتين ذهب إلي إسرائيل لطمأنتها تجاه صواريخ روسيا لسوريا وتجاه تعاون روسيا مع إيران نووياً! زمن خريطة الطريق.. في زمن خريطة الطريق لن يتحقق شيء علي صعيد القضية الفلسطينية ولن يكون في وسع "بوتين" أن يطبق مبادرته بعقد مؤتمر دولي بينما أمريكا تقف بالمرصاد لبلاده، ولا غرابة فلقد تراجعت روسيا كثيراً وتراجع نفوذها وباتت اليوم أشبه ما تكون بدولة تتلقي إملاءات أمريكا التي تدعوها إلي ضرورة تطبيق الإصلاح في الداخل.. وأقصي ما نستطيع فعله هو أن تعقب قائلة: الإصلاح ينبع من الداخل ولا يفرض من الخارج..!