هيمنت الصكوك الإسلامية لشركة نخيل فى دبى مرة أخرى على عناوين الصحف. وكانت هذه الصكوك احتلت العناوين الرئيسية للصحف عند إصدارها قبل ثلاث سنوات. ويرجع السبب فى تصاعد الاهتمام بصكوك نخيل حاليا إلى أن مشاكل المديونية الخاصة بدبى تهدد الشركة بعدم القدرة على سداد الصكوك. وفى الوقت الذى يعكف فيه المحامون على دراسة الغرامات المدرجة فى عقود الصكوك، فإن القضية برمتها تلقى بظلال من الشك حول التمويل الإسلامى، خاصة بالنسبة للمستثمرين الغربيين الذين مازالوا يرون فى هذا الأصل طريقة لتنويع واستغلال الثروات فى منطقة الشرق الأوسط. وتتمثل المشكلة الكبرى فى عدم وضوح هوية دائنى نخيل وهى جزء من شركة دبى ورلد القابضة الذين سوف يعانون من الخسارة حال حدوث أى هيكلة للصكوك التى تقدر قيمتها ب3.5 مليار دولار. وترجع خطورة هذا الأمر إلى أن الخسائر قد تكون كبيرة فقد كان الصك يجرى تداوله عند سعر 50 سنتا تقريبا، وهو ما يقل كثيرا عن ال109 سنتات التى تمثل سعر الاسترداد الذى كان من المفترض أن يُدفع للمستثمرين هذا الشهر. كما أن هناك قلقا إزاء اثنين من الصكوك المستحقة الأخرى، تقدر قيمتهما ب1.75 مليار دولار. ويعتقد بعض المحللين أن البنوك المحلية سوف تحمى جميع حملة السندات، بينما يرى آخرون أن أبوظبى الإمارة الأغنى بين الإمارات العربية المتحدة تريد إنقاذ حملة السندات الأجانب أولا، لأنها تحرص على إنقاذ سمعة البلاد. وقد أبدت آر بى سى كابيتال ماركتس ملاحظات متشائمة، حيث قالت إن الدائنين «تقريبا ليست لديهم أرضية قانونية ثابتة يقفون عليها» من أجل تعظيم قيم الاسترداد. غير أنه يجب أن يحرص المسئولون فى دبى على عدم الضرب بعرض الحائط بمصالح المقرضين لأن دبى مستحق عليها 12.5 مليار دولار ديون يجب إعادة تمويلها العام القادم. ومن المرجح أن تمثل هذه مشكلة كبرى بالنظر إلى أن المديرين فى الشركة الأم دبى ورلد ظلوا يؤكدون حتى آخر لحظة أنهم قادرون على الوفاء بالتزامات الدين المستحقة عليهم. ويقول المحللون إنه حتى إذا تعاملت دبى مع إعادة الهيكلة باهتمام، فإنها لن تستطيع تحفيز السوق عن طريق اجتذاب ديون جديدة بسبب تراجع مصداقيتها. غير أن مشكلة دبى ليست بالضرورة مشكلة سوق الصكوك أو التمويل الإسلامى بشكل عام. ذلك أن ماليزيا التى تمتلك مع دول الشرق الأوسط أكبر قطاع تمويلى متوافق مع الشريعة الإسلامية فى العالم ليس مرجحا أن تتأثر، خاصة فى ظل الدلائل التى تشير إلى أن الأسواق الصاعدة خارج منطقة الشرق الأوسط تتميز بالمرونة. فقد شهدت الصين على سبيل المثال، حيث توجد إمكانات كبرى للتمويل الإسلامى، تدفقا فى سوق السندات بعد أزمة ديون دبى، لأن المستثمرين اعتبروا هذا البلد ملاذا آمنا. وفى ماليزيا، تتميز الأسواق بالعمق الكافى لامتصاص الصدمات. ويقول أحد كبار المحامين الإسلاميين: «لدينا الكثير من الصفقات فى الأفق. وتعتمد المؤسسات فى ماليزيا بشكل كبير على التمويل الإسلامى لتمويل نفسها. ولن يؤثر ما يحدث فى دبى على هذه المؤسسات. ولا تتعلق هذه المشكلة بالتمويل الإسلامى. بل هى مشكلة تخص الخليج». ويؤكد العديد من المحللين أن القلق المتعلق بصكوك النخيل لا يتعلق بصلاحية أم عدم صلاحية التمويل الإسلامى، بل إنه يخص مصداقية دبي. ويقول نيجيل راندل المحلل الاستراتيجى فى آر بى سى كابيتال ماركتس إن «الهلع بشأن ما يحدث فى دبى قد تسبب فى مشكلات بالنسبة للبلدان المثقلة بأعباء ديون كبيرة. ولا تتعلق المسألة بما إذا كان هذا البلد أو ذاك سوق صاعدة أو سوق متقدمة. ويضيف أن «ذلك هو السبب فى ظهور حالات التذبذب الكبرى فى بعض الدول الصناعية، كاليونان وأيرلندا، التى لديها أعباء ديون مرتفعة». وحتى من ينتقدون بحدة التمويل الإسلامى يقرون بأن الأزمة الحالية هى أزمة تخص دبى. وكانت الحلبة المثارة بين الباحثين عندما جرى إصدار هذه الصكوك قبل سبع سنوات حول ماهية التعاملات المتوافقة مع الشريعة ومشكلات السيولة فى سوق الصكوك مصدر قلق كبير للمستثمرين. لكن هذه القضايا لم يعد تثير القلق نفسه اليوم. ونظرا لأن الإمارات العربية المتحدة تسهم بجزء صغير من الاستثمارات فى العالم، فإن ما حدث فى دبى يقدم لمحة من الأزمة، أكثر من أن إثارته لأزمة كبيرة فى القطاع التقليدى أو الإسلامى. ووفقا لمؤشر إم إس سى آى، تسهم الشركات الإماراتية ب0.1% فقط من رسملة السوق العالمى. وحتى بين دول الخليج الست، تمثل الشركات الإماراتية 10% من رسملة السوق. كما أن مشكلة ديون دبى لم تنعكس فى أى من مناطق الخليج الأخرى. ويختلف الأمر عما كان عليه الأمر خلال الأزمة الآسيوية عام 1997 عندما كانت العديد من الاقتصاديات الآسيوية تعتمد بشكل مفرط على تدفقات رأس المال الأجنبى. وعندما انهارت تايلاند، انهارت الدول الآسيوية الأخرى بفعل تأثير الدومينو. غير أنه إنه مادامت خطط إعادة هيكلة الأنواع الثلاثة من صكوك النخيل غير واضحة، فسوف تظل تلوح فى الأفق حالة من القلق إزاء الصكوك والتمويل الإسلامى بشكل عام. ويقول أحد كبار المصرفيين إن «الأسابيع القليلة المقبلة سوف تمثل اختبارا مهما للسوق. لكنها سوف تساعد فى جعل السوق أكثر قوة حينما يرى المستثمرون أن هذه السوق يمكنها الصمود أمام العواصف».