لم يفكر الدكتور إلهامى مرتين فى ملاحقة ومحاسبة المسئولين عن العاهة المستديمة التى لحقت بأخيه الذى يعانى من تأخر ذهنى. الطبيب، الذى يقطن فى سموحة بالإسكندرية وطالما قرأ وسمع عن حوادث تعذيب، لم يكن يتوقع أن يصيب هذا الأذى أخاه فى يوم من الأيام ولم يكن يتلفت أو يتوقف كثيرا عند هذه الأحداث. إلا أنه أصر على المطالبة بحق شقيقه رجائى ثأرا له، وهو ما شعر بتحققه حين نطق القاضى بالحكم بالسجن خمس سنوات للعقيد أكرم سليمان، الذى ضرب شقيقه وأحدث به إصابات عديدة. يروى الدكتور إلهامى منير قصة خروج أخيه رجائى واختفائه ثم اكتشافه مصابا بعد تعذيبه، ويقول «رجائى عمره، 47 عاما، يعيش معى فى منزلى وأنا المسئول عنه، ولم يكن لديه متعة سوى الخروج وحده من حين إلى آخر يتمشى من المنزل إلى البحر ويعود بعدها بقليل». فى يوم 21 يوليو 2008 خرج رجائى للتمشية واتجه فعلا للبحر بمفرده، إلا أنه مرت الساعات ولم يعد إلى المنزل. فى اليوم التالى لاختفاء رجائى ذهب الدكتور إلهامى للبحث عنه فى المستشفيات وأثناء فحصه لدفتر الدخول بالمستشفى الأميرى بالإسكندرية وجد خانة مكتوب بها مواطن دون الإشارة لاسمه فشك أنه رجائى. توجه إلهامى إلى قسم المخ والأعصاب وتأكد أن شقيقه هو الشخص المصاب بنزيف فى المخ وأجريت له عملية جراحية «تربنة» لاستئصال التجمع الدموى من المخ. يتابع إلهامى ويقول «صعدت إلى غرفة العناية المركزة فوجدت اثنين من العساكر يقفون على باب الغرفة وسألتهم عن سبب تواجدهم فأجابوا أنهم حماية وقالوا إن رجائى وقع على الأرض فى الشارع وهو ما أدى لإصابته». بعد الاطمئنان على شقيقه ذهب إلهامى يوم 23 يوليو 2008 لمديرية الأمن لمقابلة العقيد أشرف وهناك تعرف إلى العقيد أكرم سليمان، وأوضحا له أن السبب فى القبض على رجائى ضبطه مع فتاة فى وضع مخل فى الطريق العام، وقد حاول الهروب فسقط على رأسه. ويقول إلهامى «مرتين خلال هذه المقابلة يمسك العقيد أشرف المصحف ويقسم والله ما عملنا إلا ما يرضى الله مع أخوك». تشكك إلهامى أكثر فى تعرض شقيقه للإصابة بالتعذيب وتوجه للمستشفى التى يعالج فيها وسأله عما حدث له، يقول إلهامى «رجائى كان خائفا وبعدما طمأنته أجاب أنهم ضربوه وبدأ فى وصف الضابط أكرم سليمان الذى قام بالضرب». تقدم إلهامى ببلاغ للنائب العام وعرض رجائى على الطب الشرعى الذى أكد أن الإصابة أدت إلى عاهة مستديمة فى المخ بنسبة 50% وعاهة مستديمة فى الذراع بنسبة 15%. كان وقع الحادث على رجائى صادما وهو ما جعله يستغرق أيام فى تذكر اسم الضابط الذى ضربه إلى أن تذكر عبارة «يا أكرم بيه هيموت فى إيدك»، هذه العبارة التى سمعها من المخبرين قبل أن يغشى عليه من الضرب. محمد عبدالعزيز، المحامى بمركز النديم لعلاج وتأهيل ضحايا العنف، أوضح أن الحادثة التى مر بها رجائى بها مفارقات عديدة، مؤكدا أنها المرة الأولى التى يتعرض فيها شخص من ذوى الاحتياجات الخاصة للتعذيب، كما أنها المرة الأولى التى يصدر فيها حكم قضائى ضد ضابط شرطة برتبة عقيد، موضحا أن حالات التعذيب غالبا ما تحدث من جانب رتب أقل. المفارقة الثالثة أن هذه الفترة أكبر مدة حبس حتى الآن فى قضية تعذيب، بالإضافة إلى الحبس فرض الحكم عشرة آلاف جنيه على سبيل التعويض يدفعها كل من وزير الداخلية بصفته والمتهم أكرم سليمان. وحذر عبدالعزيز من مماطلة وزارة الداخلية فى تنفيذ حكم السجن على العقيد أكرم سليمان وقال إنه منذ صدور الحكم وحتى الآن فإن العقيد أكرم فى مستشفى الشرطة بحجة إصابته بصدمة عصبية، وأكد أنه حتى فى حالة صدقه واحتياجه للعلاج فلابد من إيداعه بالمستشفيات التابعة لمصلحة السجون وليست مستشفيات الشرطة طالبا التعامل معه كمذنب. تصر العديد من منظمات حقوق الإنسان على وصف التعذيب فى مصر بالمنهجى الذى يتم بشكل روتينى ويومى فى الأقسام ومراكز الاحتجاز. ورصدت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان وقوع 167 حالة وفاة نتيجة التعذيب، و460 حالة تعذيب خلال الفترة من عام 2000 حتى عام 2009، حسب تقرير «متى تتوقف جريمة التعذيب فى مصر؟»، الذى قال إن الفترة من 2008 وحتى فبراير 2009 شهدت وحدها 46 حالة تعذيب، إلا أن المراقبين المعنيين بحقوق الإنسان يرجحون أن الرقم الحقيقى قد يكون أعلى بكثير مما تمكنت منظمات حقوق الإنسان من رصده. وأوضح المجلس القومى لحقوق الإنسان فى تقريره الخامس الذى يعرض لحالة حقوق الإنسان خلال عام 2008 عدد حالات التعذيب التى تلقتها وحدة الشكاوى بالمجلس، وبلغت حالات التعذيب وسوء المعاملة فى السجون عشر شكاوى. تؤكد تقارير منظمات حقوق الإنسان والمجلس القومى لحقوق الإنسان أيضا أن هناك عوارا تشريعيا وفر بيئة مناسبة لانتشار ظاهرة التعذيب، فالتقارير الحقوقية تطالب بتعديل المادة 126 من قانون العقوبات حتى يتمكن الضحايا الذين تعرضوا للتعذيب على يد موظفين عموميين، حتى لو لم يكن بقصد إجبارهم على الاعتراف، من مقاضاة جلاديهم. ويشير تقرير المنظمة المصرية لحقوق الإنسان لبعض المواد القانونية التى تفرض نوعا من الحصانة على الموظفين العموميين، حين تعفيهم من العقوبة إذا ثبت عدم معرفتهم بتجريم الفعل الذى اقترفوه.