أنا ابنة من بنات الإخوان وإن شئت أن تقول سيدة من نسائهم نبت وأزهرت وأثمرت فى حدائق الجماعة زهاء خمسة وعشرين عاما، تنسمت فيها عطر الحب، و اغترفت فيها من نهر الإخاء... أنبت لحمى منها إدامة المودة وشنف سمعى فيها لحن الثقة وصوت الوفاء... غردت لها ترانيم الثبات بقيثارة الطاعة ووتر العمل فى شجن الايثار... تذوقت ثمار الإخلاص، ولمست شجرة التجرد، علوت فى سمائها وحلقت مع طيورها تسبقنا قيادة واحدة وينتظمنا صف الأخوة. عايشت وعاينت كبار الإخوان فى محافظتى... أكلت.. شربت.. لعبت.. ضحكت.. بكيت.. نمت.. صحوت.. خطبت.. تزوجت.. فى بيوتهم وبين أبنائهم. ربيت أبنائى فى أحواض أسماكهم وتغذوا على خبزهم، خبز الإيمان والفهم، وتعلموا كيف أن الأسماك المتآلفة لا يأكل بعضها بعضا. والخلافات بينها تنتهى عند السطح كفقاقيع الهواء لا يلحظها أحد. تأدب أطفالى فى مدارس الإخوان، وتعلموا (سامحك الله) لمن يؤذيهم، وأحبوا من اختلف معهم فى الرأى مادام الهدف واحدا.... عندما كبروا رأيت فيهم أحلامى: جيل جديد يحمل الراية خلفا لمن سبقوا... فى حضن الإخوان رأيت الخلافات تذوب همسا وتختفى عناقا. أذكر ذات مرة رأيت الدموع فى عيون أختين رائدتين من أخواتى، فسألت إحداهما وكانت أقرب إلى سنى عن سبب بكائها فلم تنبس ببنت شفة إلا قولها: ادعى لى كثيرا فى تهجدك ليلا... فالتفت إلى الأخرى وكانت مسئولتى فلم تزد على دعائها لأختها بكل خير وأخذت توصينى بمرافقتها الأخرى لأمسح دمعها... وإلى الآن بعد عشر سنوات لم أعرف ماذا كان. حسبت أنى فى جنة، نزع ما فى صدور قاطنيها من غل البشرية... إخوانا.. على سرر متقابلين. عشت هذه الأحلام سنوات طوال.. حتى أصبح على يوم شمس نهاره كليله، لا تعرف له أولا ولا آخرا، ممتدا كالسديم... يتبارى فيه قيادات الجماعة فى الحديث إلى وسائل الإعلام، وتركوا الحديث والنجوى إلى القاعدة الحائرة لا تعرف مايدور بين قيادييها سوى ما تقرأه من تصريحات متضاربة. ياللهول.. كل هذه الخلافات بينهم.. لم تنته كفقاعات الهواء، بل صارت أمواجا تعصف بزورق الجماعة المتهادى. عن أى لائحة يتحدثون ويتشبثون وكأنها لائحة لم نر فيها عشرات الاستثناءات قبل ذلك؟ وهل يستحق الأمر كل ما حدث؟ وإذا ما نصحهم مرجعيتهم وفخر دعوتهم وعالم الأمة ومجددها الشيخ القرضاوى سلّوا سيوفهم عليه وطعنوا فى إدراكه وزايدوا على من يزنهم علما، لأن فهمهم واجتهادهم صواب مطلق لا ينطق عن الهوى. (لا تختلفوا فتختلف قلوبكم) كانت ومازالت وصية حبببى محمد (صلى الله عليه وسلم) التى تركها أعمامى فى القيادة وراء ظهورهم ووضعوا أمامهم عدسات المصورين وأقلام الصحفيين وما صرنا نعرف من السبب؟ هل نحن؟ أم الإعلام؟ أم ..........؟ تعلمنا أنه حين يقل العمل يكثر الكلام... وحين تلمع أضواء الكاميرات تخفت أنوار الإخلاص والتجرد والإيثار. أليس واضحا لكل صاحب بصيرة أن القافلة تتعثر؟ أليس جليا لنا أن الركب يتأخر بينما يتقدم الآخرون؟ أليس أحرى بنا أن نسمع من ينصحنا ويشير علينا حبا لنا وإشفاقا على حالنا المتردى؟ هل صار كل ناقد لنا ولو من علمائنا وأبنائنا هو متربص بنا وكاره لنا ؟؟؟ يا الله لم أعد أحتمل. كنت فى القطار، والناس جميعا يقرأون أخبار الإخوان.. الدستور، المصرى اليوم، الشروق، الأخبار، الأهرام، الفجر، وياللهول مرة أخرى... كل الناس قرأوا التضارب فى الأقوال الذى أكد عندهم فكرة الصراع على المناصب.. كل يدعى فهما للائحة دون الآخرين... والله أعلم بالنوايا. هذا الخلاف والجماعة محظورة.. كل التناقض القولى والفعلى والجماعة لا تعمل بالعلانية... فماذا ستفعل بنا إذا عملت... هل ننتظر نسخة جديدة من حزب الوفد أو الغد؟؟؟ والكارثة الأخرى أن تحجب المعلومات عنا، عن الصف بدعوى أنه أمر لا يعنينا وعندما يتم إخبارنا نسمع روايات محزنة ليتنا لم نسمعها تتحدث أن المرشد حاول تخطى المؤسسية ولكن إخوانه أوقفوه ........! هل هذا رد الجميل أيها الرفاق لمن جدد الدعوة وانتقل بها إلى العالم كله وجعلها محور اهتمام الدنيا، لعمرى أين الشفافية التى تتغنون بها، أين ذهبت ألحانكم عن الحرية وحق الفرد فى المعرفة واحترام الرموز والقيادة؟ يصفعنى على وجهى كلام أقرأه لأحد رموزنا الشرعية وهو يقول إننا نخاف من المرأة ولذلك لن ندخلها أبدا مكتب الإرشاد ولن تشارك أبدا فى قيادة الجماعة.. أهذا اجتهاده أم أنه قرار جماعى يرى المرأة غير صالحة لتحمل المسئولية والمشاركة فى التفكير واتخاذ القرارات؟ ليست الأيام واحدة... وليس رجال اليوم كرجال الأمس ولا الصبح كالمساء. فيما مضى.. كان الأستاذ عمر التلمسانى رحمه الله ينتهز فرصة وفاة أحد الإخوان لينشر اسم الجماعة فى نعيه بجريدة الأهرام الرسمية حتى لا ينسى الناس اسم الإخوان.. أبشر يا سيدى، فها هم أبناؤك يشهرون اسم جماعتهم بالصوت والصورة ولكن وهم يتناحرون وتتضارب أقوالهم ويفرحون خصوم الدعوة فيهم. أبشر يا سيدى... كتبوا النعى... فى الصفحة الأولى لا الأخيرة. لا أسامحكم ولن يسامحكم أبنائى فقد شوهتم معانى جميلة وقيما عليا عشت أزرعها فيهم طيلة عمرى، قد تكون نيتكم هى الحفاظ على الدعوة والصف ولكن هناك حرصا يقتل وحبا يدمر، أسأل الله السلامة لجماعتنا، عفا الله عن الجميع.