«أنابيب» صوت يصدره محمد بكل قوته ليدوى فى المنطقة التى يتجول فيها، علّ أحدا يسد رمقه بشراء أنبوبة أو أنبوبتين، ليجد ما يساعده على قضاء قوت يومه. يلقبونه ب«السريح» أو البائع المتجول، بالرغم من مؤهله العالى، الذى يحمله، ولكنه لا يلقى بالا إلا لبيع كل الأنابيب التى معه، ليجد ما يقدمه لأسرته فى نهاية اليوم. «8 أو 10 جنيهات حسب المنطقة التى أكون فيها» هذا هو ما يتقاضاه محمد على الأنبوبة الواحدة، وهو لا يملك سوى عجلة متهالكة لا تقوى على حمل أكثر من 4 أسطوانات غاز. محمد السيد، 35 عاما، يقطن مع أسرته الصغيرة المكونة من 4 أفراد فى أرض عزيز عزت بإمبابة، سمع عن مشروع كوبونات الدعم الذى ستقره وزارة التضامن الاجتماعى بحلول العام المقبل، وكان رأيه «المشروع ده هيوقف حال ناس كتير عايزه تاكل عيش». فوفقا للدراسة التى أعدتها اللجنة المشكلة من وزارات المالية والتضامن الاجتماعى والبترول والتنمية الإدارية والتنمية المحلية، سيحصل المواطن على أسطوانات البوتاجاز عن طريق كوبونات سنوية، عددها نحو 18 كوبونا، وبموجب ذلك المشروع، ستضطر الأسر، التى يزيد احتياجها على ال18 كوبونا فى السنة لشراء ما تحتاجه من أسطوانات بالسعر الحر، إلا أن بعض المسئولين فى وزارة التضامن رفضوا ذكر اسمهم أكدوا أن سعر الأنبوبة فى تلك الحالة لن يزيد على 10 جنيهات. ولذلك أثار ذلك المشروع حالة من الغضب والقلق لدى أصحاب المستودعات والباعة الجائلين، الذى يرون أنه سيؤدى إلى قطع أرزاق كثير من البيوت. أسامة إبراهيم، صاحب مستودع فى منطقة الصف، يقول إنه فى الوقت الذى تطالب فيه الدولة أصحاب مستودعات البوتاجاز ببيع الأنبوبة بجنيهين ونصف، تصل تكلفة الأسطوانة حتى وصولها إلى المستودع ما يقرب من ثلاثة جنيهات و52 قرشا. ويرجع بيع الأسطوانة بأكثر من السعر المقرر لها إلى ما يتحمله صاحب المستودع من تكاليف فى نقل الأنابيب وإصلاح التالف منها وغيره. ويوضح أسامة أن المصاريف الشاملة فى النقلة الواحدة للسيارة المحملة بالأنابيب تصل إلى 144.46 جنيه شهريا، مع العلم أن المستودع الواحد تتراوح عدد نقلاته ما بين 18 إلى 22 نقلة شهريا، مضيفا أن هناك مصاريف أخرى لتوفير سيارة للعاملين بالمستودع وترخيص تلك السيارة، ومصاريف إصلاحها ومخالفاتها بالإضافة إلى الضرائب وأجور المحاسبين والتأمينات الاجتماعية على صاحب المستودع وإكراميات العمال وتكهين الأنابيب التالفة (تحويلها إلى خردة)، وإصلاح الأنابيب التى من الممكن إعادة استخدامها. ويشير إلى تحمله لمبلغ 190 جنيها هى مجموع أجرة السائق فى النقلة بالإضافة إلى أجرة عمال التحميل، وملئ السيارة بالجاز، وذلك غير مبلغ 723 جنيها هى قيمة نقل 300 أنبوبة من الشركة الموردة لأنابيب الغاز إلى المستودع. «ثلاثة جنيهات و52 قرشا هى تكلفة الأنبوبة حتى دخولها إلى المستودع» هذا ما يؤكده صاحب المستودع موضحا أن مجموع نقل 300 أنبوبة والمصاريف الشاملة وثمن النقلة الواحدة هو 1057.26جنيه، وذلك دون إضافة ما يعادل عشرة قروش ناتجة عن بعض المبالغ، التى تصرف على المخالفات التموينية والمخالفات المرورية لسيارات نقل الإسطوانات إلى تكلفة الأنبوبة الواحدة ليصبح سعرها 3.62 جنيه. وتساءل محسن عبدالرازق، صاحب مستودع فى الجيزة «كيف تطالبنى الدولة ببيع الأنبوبة ب2.5 جنيه إذا كانت تكلفتها الحقيقية 3.52 جنيه؟»، وأضاف: «إذا قمت ببيع الأنبوبة بأكثر من السعر المقرر لها تقوم مباحث التموين بتحرير محضر ضدى»، متسائلا: «كيف يتهم أصحاب المستودعات إذا باستغلال الدعم؟». ويرى أيمن محمود، صاحب مستودع أنابيب فى مركز العياط، أن متوسط استهلاك المواطنين الذين يعيشون فى القرى والمراكز نحو 1.5 أو أنبوبتين للخبز فقط، بالإضافة إلى أنبوبة أخرى يستخدمها كسخان للمياه، وأنبوبة أخرى للطهى (بوتاجاز)، وفى ضوء ذلك، يعتبر أيمن أن 18 كوبونا فى السنة للأسرة أمر غير مجد، لأن بعض الأسر لن تتمكن فى الوقت ذاته من شراء المزيد من الأسطوانات بالسعر الحر، مما سيترتب عليه من وجهة نظره سعى المواطن الفقير لمحاولة الاستفادة من تلك الكوبونات وبيعها، وبالتالى حدوث تجارة سوداء. وقال: «إن جميع مدن مصر بها خدمة الغاز الطبيعى، وبالتالى فالمستفيدون من دعم أنابيب البوتاجاز هم القاطنون فيها، فى حين أن قاطنى القرى لا يملكون الغاز الطبيعى ولا يصل إليهم دعم الأنابيب»، مطالبا بتوجيه الدعم للقرى والمراكز، خاصة مع زيادة استهلاك المواطنين للبوتاجاز فى هذه المناطق لعدة أسباب، منها الاعتماد على أنابيب البوتاجاز فى «الخبيز» المنزلى لسوء جودة الخبز المدعم فى الأفران البلدية. يأتى ذلك فى الوقت الذى لم تحسم فيه الحكومة بعد إمكانية حصول المطاعم الشعبية على كوبونات الدعم وإلغاء دعم بوتاجاز الفنادق والمطاعم الفاخرة. وعلّق على المشروع مدير أحد المطاعم الشعبية الشهيرة رفض ذكر اسمه قائلا: «الأمر لن يختلف كثيرا فى حال قررت الحكومة رفع الدعم لأننا نشترى الأنبوبة الآن بالسعر الحر»، حيث إن السعر المقرر لبيعها من المستودع 5.30 جنيه، بينما يشتريها صاحب المطعم فعليا بما لا يقل عن 15 جنيها من الباعة الجائلين، مضيفا: «أى ارتفاع فى أسعار الغاز أو الكهرباء يصحبه ارتفاع فى أسعار المنتجات». «زباينى من الموظفين والعمال وأسعارى فى متناول الجميع، فكيف أرفع الأسعار؟» هذا ما قاله كريم محمد، موظف فى إدارة أحد المطاعم الشعبية فى منطقة الجيزة بعد سماعه عن إمكانية إلغاء دعم البوتاجاز عن المطاعم. كريم سيضطر لاستخدام الغاز الطبيعى إذا ما ألغت الحكومة دعم البوتاجاز، وذلك حتى لا يضطر لرفع الأسعار على فئة يرى أنها لن تتمكن شراء وجبة فطورها بأكثر من جنيه. وإذا ما توجهنا لربات البيوت سنرى أن اعتراضهن على المشروع الجديد هو بخصوص تحديد الدولة لعدد الكوبونات وقصرها على 18 كوبونا فى السنة. «باجيب الأنبوبة على رأسى عشان أوفر 6 جنيهات» هذا ما قالته أمينة على، ربة منزل تقطن فى حى بولاق، فهى تفضل توفير ذلك المبلغ البسيط لأسرتها التى تستهلك نحو 3 أنابيب شهريا، بدلا من دفع 10 جنيهات للبائع المتجول، وتقوم بجلب الإسطوانة من المستودع نظير 4 جنيهات، رغم أنها تحملها فوق رأسها لمسافة لا تقل عن كيلومتر. لذلك تقول: «المفروض الحكومة قبل ما تطبق المشروع ده تشوف حل مناسب لكل الناس، التى لن تستطيع شراء ما ستحتاجه فوق ال18 كوبونا بالسعر الحر». وبالنسبة ل ليلى الشافعى، مدرّسة، من مدينة طنطا، فأسرتها مكونة من 8 أفراد وتحتاج نحو 6 أنابيب فى الشهر، «العيش لوحده بيحتاج أنبوبتين» هذا ما تقوله مؤكدة أن 18 كوبون فى السنة غير كافٍ على الإطلاق، متسائلة: «لماذا يحددون عدد الكوبونات، ولا يتركون الباب مفتوحا أمام الناس لشراء أى عدد؟». أما خبراء وأساتذة الاقتصاد فأجمعوا على أهمية دراسة الدولة لمشروع كوبونات الدعم بشكل متأن قبل تطبيقه، مقترحين العمل به لفترة تجريبية. وقالت ضحى عبدالحميد، أستاذ الاقتصاد التمويلى بجامعة القاهرة، «إذا ما أقرت الحكومة رفع الدعم عن المطاعم الشعبية لتقوم بشراء أسطوانات الغاز بالسعر الحر فذلك يعنى أن «ساندوتش» الفول أو الطعمية ذا الجنيه، سيقفز إلى 5 جنيهات»، وأضافت: «لابد من دراسة مشروع الكوبونات بشكل منطقى قبل تنفيذه، وذلك للتوصل إلى الأسر محدودة الدخل والمستحقة بالفعل للدعم» واقترحت تنفيذ ذلك المشروع لفترة تجريبية فى الألف القرية الأكثر فقرا، معتبرة أنها أفضل نموذج للتأكد من مدى نجاح المشروع. وفيما يتعلق بإمكانية نشوء ما يمكن تسميته «تجارة الكوبونات فى السوق السوداء» قالت عبدالحميد: «بإمكان الحكومة التغلب على ذلك من خلال إصدار الكوبون بناء على الرقم القومى، وبالتالى سيكون من غير المنطقى أن يضيع المواطن حقه فيها». فى حين قالت د.عالية المهدى، عضو أمانة السياسات وعضو اللجنة الاقتصادية بالحزب الوطنى وعميدة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، إن الحكم النهائى لتقييم مشروع كوبونات البوتاجاز هو آلية التنفيذ، بحيث تكون المراكز التى سيجلب منها المواطنون تلك الكوبونات معروفة ومتوافرة والشروط كلها مواتية، ولكنها أكدت فى الوقت ذاته «أن الغرض من المشروع واضح، وهو توصيل الأنبوبة بسعر رخيص للأسرة الفقيرة».