سور برلين، الذى تحل اليوم ذكرى انهياره ال20، لم يكن مجرد جدار يشطر بلدا واحدا إلى نصفين، ولكنه جدار فصل بين معسكرين مختلفين تماما: شرق العالم الذى اعتنق الاشتراكية وغربه الذى آمن بالرأسمالية.. وكما دارت حروب بين المعسكرين فى جميع المجالات كان للسينما نصيب أيضا متمثلة فى الآلة الدعائية للغرب ضد الشرق الشيوعى.. فخرجت أفلام عديدة تناولت كيف كانت الحياة على جانبى هذا الجدار ودارت معظم تلك الأفلام حول القهر، الذى يتعرض له الألمان فى الشرق والذى كان يدفعهم للهروب من جحيم الشرق إلى جنة الغرب. عديدة هى الأفلام التى دارت فى فلك الهروب من جحيم الشرق إلى جنة الغرب بشكل مباشر، وفى مقدمتها «الجاسوس الذى أتى من الصقيع» المأخوذ عن رواية بنفس الاسم لجون لوكاريه وإخراج مايكل ريت عام 1965، وقام ببطولته ريتشارد برتون، ويروى الفيلم رحلة فرار لجاسوس من ألمانياالشرقية للجانب الغربى من الجدار وما تحمله تلك الرحلة من إسقاطات على معاناة سكان ألمانياالشرقية من النظام الحاكم آنذاك، وقد منع الفيلم من العرض فى مصر حينها حفاظا على العلاقات القوية بين القاهرة والاتحاد السوفييتى. ومن بين تلك الأفلام أيضا يأتى «عبور ليلى»، وهو مأخوذ عن قصة حقيقية من إخراج ديلبرت مان وبطولة جون هارت وأنتجته ديزنى عام 1982 ويحكى عن محاولة أسرتين للهروب من ألمانياالشرقية للغربية داخل منطاد صنعوه بأنفسهم.. وبعد محاولة فاشلة يكررون المحاولة مرة أخرى فيتعطل المنطاد فى الجو فى المرة الثانية ويسقط، ولكن يسقط بهم فى ألمانياالغربية لتنجح محاولة الهروب بالفعل ويتحقق الأمل لهم بالهروب من قهر الشيوعية. وهناك أيضا فيلم «الهروب من ألمانياالشرقية».. وأنتج عام 1962 من إخراج روبرت سيودماك وبطولة دون موراى ويحكى قصة هروب 29 شخصا من ألمانياالشرقية إلى الغربية عن طريق حفر نفق من منزل أحدهم القريب من الصور.. ويرصد الفيلم معاناتهم وخوفهم من السلطات والجيران الفضوليين. أما فيلم «النفق» فيحكى قصة مشابهة تتناول واقعة هروب جماعى عبر نفق من إنتاج 2001. وكذلك هناك أفلام ألمانية عديدة تناولت القضية سواء على مستوى السينما التسجيلية أو الروائية، واتسمت فى أغلبها بطابع رومانسى.. مثلا نجد فيلم wrestler من إنتاج عام 1985 ويحكى عن قصة حبيبين فرق بينهم السور فتقرر الفتاة الهروب لحبيبها لألمانياالغربية. وهناك أيضا فيلم «الحبيب جدار برلين» أو BELOVED BERLIN» WALL»، ويحكى أيضا عن قصة حب بين فتاة من ألمانياالغربية وأحد حراس السور من ألمانياالشرقية. وبعيدا عن تلك الرؤية الرومانسية لم تبتعد الرؤية السياسية لألمانيا عن رؤية هوليوود للأمر فقدمت عام 2006 فيلم «حياة الآخرين»، والذى حصل على أوسكار 2007 لأفضل فيلم أجنبى، ورشح أيضا للجولدن جلوب وحصل على عدة جوائز ألمانية ويحكى عن سيطرة النظام البوليسى على الحياة آنذاك.. وكان السبب الأكبر للإشادة بالفيلم فى ألمانيا على حسب كثير من النقاد الألمان أنه المرة الأولى التى يعالج فيها فيلم ألمانى تلك الفترة بشكل موضوعى جدا بعيدا عن كثيرا من القوالب الكوميدية الهزلية التى قدمت قبل ذلك. كوميديا الجدار ومن ضمن أفلام الكوميديا التى قدمتها المانيا يأتى «وداعا لينين»، والذى قدم قصة امرأة عملت تحت النظام الشيوعى فى ألمانياالشرقية وأصيبت بغيبوبة أفاقت منها بعد الوحدة فأخفى عنها أولادها الأمر، وصاروا يأتون لها بمنتجات قديمة سوفييتية، ويسمعونها تسجيلات عسكرية كما فى السابق حتى لا تصاب بالصدمة. وأيضا هناك فيلم أمريكى بعنوان «123»، ويحكى قصة موظف بمصنع كوكاكولا سيفقد عمله إذا لم يستطع حماية ابنه رئيسه من الزواج بشيوعى من ألمانياالشرقية. وبعيدا عن تلك الكوميديا وفى ذروة الحرب البارده بين الشرق والغرب وفى عام 1966 نجد أيضا الفيلم الشهير لهيتشكوك «الستار الممزق»، ويتناول قصة عميل مزدوج بين المعسكرين الشرقى والغربى.. ويقول الناقد مصطفى درويش عن هذا الفيلم إن الغرب استغل جيدا سلبيات المعسكر الشرقى، وأبرزها فى العديد من الأفلام على رأسها هذا الفيلم، والذى جاء اسمه من عبارة لتشرشل عندما قال فيها «إن السوفييت صنعوا حولهم ستارا حديديا مع العالم» فصنع هيتشكوك «الستار الممزق». وأضاف: الفيلم أظهر الشرقيين مجرمين وقتله ويحمل بالفعل بعض الصدق، ولكنه كثيرا من التهويل أيضا فى نفس الوقت، وذلك يرجع إلى شىء آخر شديد الأهمية وهو أن الرقابة السوفييتية وقفت ضد نفسها كثيرا، فمثلا صنع المخرج ميخائيل كالاتوزوف فيلما إنتاج مشترك مع كوبا بعنوان «أنا كوبا عام 1964» وعندما حاولوا عرضه فى روسيا إبان عهد بريجينيف تم منعه تماما بسبب لقطة طويلة مدتها عشر دقائق تظهر فندق غاية فى الفخامة ونساء جميلات ورجال يحتسون أجود أنواع الخمور تتبعها لقطة لعشوائيات وفقر مدقع يعيش فيه كثيرا من الناس فخشى النظام أن يؤثر ذلك على مشاعر الشعب.! ولكن الناقد محمود قاسم يرى أن اهتمام السينما الغربية بقضية الجدار بعد انهياره لا يذكر بالمقارنة بها قبل السقوط، وكانت السينما الغربية تتخذ من ذلك السور مدخلا لانتقاد الشيوعية وظلمها وقهرها للشعوب، مدللا على ذلك أيضا بقضية الكتاب المنشقين الذين هربوا من روسيا إلى الغرب واهتموا بانتقاد الأنظمة الحاكمة فى بلادهم فاهتم بهم الغرب جدا وكرمهم حتى انهار الاتحاد السوفييتى وجدار برلين فألقى الغرب هؤلاء الكتاب إلى الظل ولم يهتم بهم إطلاقا وكأن دورهم انتهى. وقال: «هناك أيضا العديد من الأفلام التى صنعت إبان الحرب الباردة واتخذت من الانقسام الألمانى مدخلا أيضا لانتقاد شديد للنظام الحاكم للمعسكر الشرقى مثل «the man between» من إخراج كارول ريد، ويحكى عن فتاة تزور ألمانيا بعد الحرب فتتورط مع منظمة لتهريب وخطف الأشخاص من ألمانياالغربية.