فى سياق الاحتفال بالذكرى التسعين لثورة 1919 نشرت الصفحة موضوعين عن عبدالرحمن بك فهمى سكرتير عام الوفد المصرى، وقد ورد للصفحة هذا التعليق من الدكتور صلاح عبدالرحمن فهمى يحاول أن يلقى فيه مزيدا من الضوء على تاريخ رجل أعطى لمصر الكثير ولم يلق ما يستحق من احتفاء به وبدوره، بل لقى جحودا وإنكارا، ومع اقتراب ذكرى عيد الجهاد الوطنى الذى كان البداية الحقيقية للثورة ننشر هذا الرد الشهادة على حلقات. حاولت الصحيفة فى عددها رقم 50 (22/3/2009) وكما هى سياستها، تصحيح بعض المسارات التى استقرت فى أذهان المؤرخين والناس على غير حقيقتها عن ثورة مصر 1919، وهو عمل وطنى مطلوب وفيه إنصاف تشكرون عليه. والملاحظ أن كثيرا من إن لم يكن معظم الباحثين فى تلك الثورة استندوا، ويستندون، فى كتاباتهم عنها إلى جهود سابقة لمؤرخين وباحثين، بعضها لم يكن مدروسا بعناية كافية أو كان متحيزا وظالما، وبعضها كان هامشيا وغير دقيق، دون تمحيصها فجاءت نتائج أبحاثهم بلا جديد مهم وبلا إيضاح وثائقى للغموض الذى يكتف جوانب تلك الثورة والنادر من تلك الأبحاث رجع إلى وثائق بعد مناقشتها مع مجاهدين وباحثين مصريين وعرب عايشوا جانبا من هذه الثورة وأجانب (من السودان وبريطانيا وأمريكا). والنادر أيضا من ربط بين مذكرات ساسة وقادة ووقائع وأحداث متناثرة فتعمق بدرجة أكبر فى جذور وخبايا تلك الثورة وأحداثها، وهذا ما دعا كثيرا من الكتاب منهم الأستاذ محمد سليمان سفير السودان فى مصر فى السبعينيات من القرن الماضى إلى إعادة دراسة وكتابة، بل وتصحيح مسار، تاريخنا وتلك الثورة وهى دعوة عادلة وكريمة ولازمة لكنها لم تلق استجابة فعلية. وفى هذا العدد المذكور عرضت «الشروق» مقالتين متجاورتين (ص12) كتب الأولى الأستاذ عبدالرازق عيسى «عبدالرحمن فهمى القائد الحقيقى لثورة 1919» والثانية (مجهولة الكاتب) «الرجل الذى قاد سعد الثورة من خلاله»، ويمكن مناقشة بعضا مما جاء فى هاتين المقالتين من خلال عرض بعض المعلومات عن عبدالرحمن فهمى وشخصيته ومنها ما لا يعرفه التاريخ المصرى مطلقا، وعن مصطلحى ثورة ومقاومة مسلحة بأمل أن يكون فى ذلك نفع ما فى حل جانب من ألغاز تلك الثورة، وقد رجعت فيما سأتناوله بالدرجة الأولى إلى مخطوط عبدالرحمن فهمى لألقى الضوء على جوانب من نضاله الوطنى وبعضه لا يعرفه التاريخ المصرى، ويبين مدى دهائه وقدراته التى تفوقت على أقوى مخابرات العالم: صلته بالمجاهدين السودانيين منذ القرن 19 خضع عبدالرحمن فهمى ضابط الجيش المصرى، الذى كان يحارب لفتح السودان فى أواخر القرن 19، للعلاج هناك بعد أن جرح بطعنة سيف وكان سنه وقتها 25 سنة. وخلال فترة علاجه أوجد علاقة مع مجاهدين سودانيين ظلوا على صلة به سنوات من أجل كفاح وادى النيل ضد المستعمر. وقد سافر متخفيا سنه 1918 إلى السودان للقاء هؤلاء المجاهدين، وفقا للوثائق السرية السودانية. ولقد تطوع بهذه المعلومات من تلقائه سفير السودان فى مصر السفير محمد سليمان فى مقال بصحيفة الأخبار نشر فى 17 يناير 1971 بعنوان صفحة مطوية من نضال عبدالرحمن فهمى. الملف السرى البريطانى رقم 187/407 باسم عبدالرحمن فهمى تحتفظ بريطانيا العظمى فى دار السجلات العامة بوثائق سرية فى ملف سرى معنون باسم عبدالرحمن فهمى ومحاكمته. ويعتبر المصرى الوحيد الذى تحتفظ بريطانيا بملف وثائقى سرى باسمه، وهو ما يستشف منه مدى الأهمية التى يعطيها الاستعمار لعبدالرحمن مما يجعلة بلا منازع عدوها الأول. وقد حصلت أ.د.شاهيناز طلعت على تلك الوثائق السرية من بريطانيا ونشرتها لأول مرة فى مصر سنة 1987 فى كتابها: «الدعاية والاتصال». والجدير بالإشارة أن مؤسسة الأهرام الصحفية نشرت كتابا سنة 1969 بمناسبة 50 عاما على ثورة 1919، ضمنته وثائق سرية بريطانية لكنها تسبق رقمنا المشار إليه. الفيللا 104 سكن عبدالرحمن والتردد فى تفتيشها بحثا عن الوثائق تقع هذه الفيللا بشارع قصر العينى وعلى بعد خطوات من منزل المندوب السامى البريطانى بما يعطى لها أهمية كبرى ويبين ذكاء الاختيار من عبدالرحمن، وقد شهدت الفيللا أحداثا وطنية خطيرة فى الكفاح المصرى ضد المستعمر، وحفظت فيها مستندات ودفاتر سرية مهمة. وبعد القبض على عبدالرحمن فهمى فى 1/7/1920 دون اتهام تردد المستعمر فى تفتيش هذه الفيللا للحصول على ما يدين عبدالرحمن خوفا من أن يأتى التفتيش صفرا. ويرجع ذلك التردد إلى قدرة عبدالرحمن على إخفاء نشاطه السرى، فلا يعرف مخلوق ما يقوم به للمقاومة المسلحة. ولقد تبادل المندوب السامى البريطانى صاحب أقوى سلطة فى مصر، واللورد كيرزون الوزير البريطانى صاحب ثانى أقوى سلطة فى بريطانيا، ستة برقيات سرية فى 3 أسابيع فى شهر يوليو 1920 حول جدوى أو عدم جدوى تفتيش تلك الفيللا انتهت بتفتيشها، لكن عبدالرحمن كان قد نجح من خلال أولاده وابن عمتهم فى نقل الوثائق المهمة خارجها. هذه الفيللا التى شيدت منذ أكثر من 115 سنة، وقاد منها عبدالرحمن فهمى المقاومة المسلحة ضد المستعمر أصبحت الآن فى حالة يرثى لها: دورات مياه آيلة للسقوط دون إصلاح، وجدران وحوائط وأسقف بلا ترميم وكأنها ركام مهجور، رغم أنها مستغلة كدار للأدباء وبها مقر لاتحاد أفروآسيوى باعتقاد أنهم بديلا فكريا وبالقانون للراحل العظيم المفكر المبدع الإنسان الشهيد يوسف السباعى الذى كان قد جعل من هذه الفيللا جوهرة تتلألأ بريقا!! وأكثر من هذا فقد امتدت أيادى إلى حجرة مغلقة بها، فيها بعض محتويات للفيللا، وأحدثت بها ما أحدثت من ضرب معاول الهدم بجدرانها، وكأن الفيللا فى صحراء بلا حراسة. فإذا هدمت هذه الفيللا لهذا السبب أو لغيره لا قدر الله هدم معها تراث تاريخى فريد لا يقل أهمية إن لم يزد عن أماكن وفيللات أخرى اعتبرتها وزارة الثقافة من الآثار أو التراث فرممتها وأصلحتها وجعلت منها مزارات سياحية. ونأمل أن تعتبرها الوزارة من التراث التاريخى الأثرى.