على ذمة التقرير الذى نشرته صحيفة «الحياة» اللندية صباح أمس الأول الخميس، فإن الزعيم الليبى معمر القذافى دعا المسئولين فى بلده فى افتتاح مؤتمر الشعب العام إلى منح ابنه سيف الإسلام «منصبا فى الدولة يساعده فى تنفيذ برنامجه الإصلاحى المعروف باسم ليبيا الغد». وخلال «جلسة سرية» لم تبثها وسائل الإعلام وعقدت فى مدينة سبها جنوب العاصمة، أثنى القذافى على ما بذله نجله قائلا: «سيف الإسلام رجل مخلص ويحب ليبيا، لكنه يواجه مشكلة كونه لا يشغل منصبا فى الدولة، وهو ما يربك عمله لمصلحة ليبيا». ولذلك طلب القذافى كما تقول الحياة فى تقريرها من المؤتمرات الشعبية التى يفترض أنها البرلمان، إيجاد صيغة تمكن الابن من خدمة بلده، لأن مدة أمانة اللجنة الشعبية التى هى تساوى الحكومة عندنا وعند كل العالم، أربع سنوات فقط، «وهى مناصب محدودة بزمن لا تمكنه من تنفيذ برامجه لصالح ليبيا الغد». انتهى الاقتباس من تقرير «الحياة» ذات التمويل السعودى والتى هى فى نفس الوقت وللموضوعية على خلاف مستمر مع النظام الليبى الذى دخل فى معارك سياسية متنوعة مع السعودية فى السنوات الماضية. إذا صدق هذا التقرير وأغلب الظن أنه صحيح قياسا على طريقة تفكير العقيد القذافى، فإن الجمهوريات العربية التى كانت ثورية وتقدمية قد خطت خطوة نوعية فى رفع برقع الحياء السياسى فيما يتعلق بتمرير التوريث. هذه القصة القذافية التى لا يصل إليها خيال أى كاتب عبثى تكشف عن مجموعة من الملاحظات بعضها يخص الحالة الليبية المتفردة، وبعضها يمكن تعميمه عربيا، باعتبار أننا كعرب لا نتبادل إلا المعلومات الأمنية بين وزارات الداخلية، وعدوى الديكتاتورية، وأحدث الأساليب فى «الجلوس على نفس الشعب» حتى الرمق الأخير. الملاحظة الأولى وهى كوميدية، أن العقيد القذافى لايزال يصر على أنه ليس الرئىس الليبى، ولا يتولى مناصب رسمية، وأن السلطة فى يد المؤتمرات الشعبية، لكنه ينسى كل ذلك الآن ويطلب من المؤتمرات الشعبية أن تعطى ابنه الفرصة للحكم، والقاصى والدانى يعلم أن «الأخ العقيد» يسيطر على الحكم بصورة شمولية منذ ثورته على الأسرة السنوسية الحاكمة فى أول سبتمبر 1969، مما جعله عميدا للحكام العرب والأفارقة بامتياز. القذافى لا يريد لابنه منصبا مدته محدودة، لكنه يريد له أن يحكم ليبيا بطريقة التمليك، وليس الإيجار الجديد محدد المدة، ولو أن كل الراغبين فى التوريث يفكرون بنفس المنطق، فقل على الدنيا السلام. يقول القذافى إن ابنه مخلص ويحب ليبيا، وهى نفس الكلمات التى يقولها أبى عنى، ويقولها معظم الآباء عن أبنائهم، لكن الفارق أن القذافى وغيره من الحكام يملكون منح السلطة لأبنائهم وهو الأمر الذى لا يمكن لوالدى وغيره من الآباء أن يمنحوه لنا كى ننفذ برنامجنا الثورى لإصلاح بلداننا!. سيف الإسلام الابن لا يشغل منصبا رسميا بل يترأس مؤسسة القذافى الخيرية، ورغم ذلك فقد صار لاعبا أساسيا فى كل الملفات الليبية الحساسة، خصوصا المتعلق منها بالخارج من لوكيربى ومقهى لايبل نهاية بالممرضات البلغاريات والإفراج عن عبدالباسط المقراحى. هل يذكركم هذا التشابه بشىء؟ ربما يذكرنا بمشوار على بونجو وأمثاله. صدقا لا ألوم القذافى أو ابنه، كما لا ألوم أى بونجو يرغب فى القفز على السلطة وكأنها لعبة أو دراجة، اللوم كل اللوم، لأى شعب يقبل أن يتحول إلى دجاج، يمكن تفريقه بكلمة «هش».