مصدر مسؤول: وفد مصري رفيع المستوى يلتقي رئيس الموساد ووفدا من الشاباك    مصر تبلغ رئيس "الموساد" ووفد "الشاباك" رفضها للعملية العسكرية بشمال غزة    جيش الاحتلال الإسرائيلي يشن سلسلة غارات على الضاحية الجنوبية لبيروت    بلينكن يلتقي ميقاتي لبحث الحرب بين إسرائيل وحزب الله    إعلام عبري: إصابة 22 جنديًا خلال ال 24 ساعة الماضية    من أول الطرقات إلى آخرها، رقص وغناء للاعبي الأهلي احتفالا بالسوبر بفندق الإقامة (فيديو)    كولر ليلا كورة: عانينا أمام الزمالك.. ويوسف أيمن تعرض لارتجاج في المخ    السوبر المصري| إمام عاشور: شخصية البطل وراء تتويج الأهلي بالكأس الغالية    أشرف داري: فخور باللعب للأهلي.. وأتمنى وضع بصمتي في البطولات القادمة    مناشدة عاجلة من الداخلية للأجانب بالبلاد    غادة عادل تخطف الأنظار مع ابنتها في مهرجان الجونة السينمائي    نسرين طافش: "كفايا عليا أحضر مهرجان الجونة عشان أشوف أحلى الأفلام"    نشرة التوك شو| تكليفات رئاسية بتوطين علاجات الأورام وأصداء تصريحات مديرة صندوق النقد    تأخير الساعة 60 دقيقة.. موعد تفعيل التوقيت الشتوي 2024    وزير خارجية تايلاند: قررنا الانضمام إلى بريكس رغبة فى تعزيز دور البلدان النامية    ملخص وأهداف مباراة فناربخشة ضد مانشستر يونايتد في الدوري الأوروبي    بوتين في مؤتمر بشأن البريكس : موسكو مستعدة لبحث خيارات السلام مع كييف    بالصور.. الاتحاد العام لشباب العمال بالأقصر ينظم ندوة تثقيفية حول "الشمول المالي"    رولز رويس 2024.. قمة الفخامة البريطانية تتجسد في سيارات الأحلام وأسعارها في مصر    الاستثماري يرتفع وعز يتراجع.. سعر طن الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الجمعة 25 أكتوبر 2024    ارتفاع جماعي.. سعر الدولار الرسمي مقابل الجنيه المصري اليوم الجمعة 25 أكتوبر 2024    كولر تفوق على جوميز.. تعليق ناري من نجم الأهلي السابق على مباراة السوبر المصري    عاجل.. قرار عاجل في الأهلي بشأن كهربا بعد التتويج بكأس السوبر المصري    مصطفى شوبير: قدمنا بطولة قوية ونهدى اللقب لجماهير الأهلي    رد فعل شيكابالا عقب إهدار ركلة الجزاء في مباراة الأهلي والزمالك    تجديد الثقة فى المهندس ناصر حسن وكيلًا لتعليم الغربية    مصرع سائق وإصابة شقيقه فى حادث إنقلاب سيارة بالمراغة شمال سوهاج    الأرصاد السعودية تحذر من أمطار تضرب عددا من مناطق المملكة لمدة 5 أيام    تحريات لكشف ملابسات مقتل عامل باطلاق النار عليه في العمرانية    خالد قبيصى مديرا لمديرية التربية والتعليم بالفيوم    ارتفاع مفاجئ بجميع الأعيرة.. سعر الذهب اليوم الجمعة بالصاغة وعيار 21 يسجل رقمًا جديدًا    مي فاورق تختتم ليالى مهرجان الموسيقى العربية بروائع الأغانى التراثية    أبرزهم أبطال «رفعت عيني للسما».. شاهد النجوم على السجادة الحمراء في حفل افتتاح مهرجان الجونة    بهاء سلطان يطرح أغنية «أنا من غيرك» من فيلم «الهوى سلطان» (فيديو)    محمد حفظي ل "كاستنج": الممثل اللي فاهم "سيناريو" بيعرف يختار أدوار جذابة    عمرو سلامة يرحب بالرئيس التنفيذي للشركة المتحدة عمرو الفقي في "كاستنج": "مفاجأة عظيمة"    بعد مشاركته في حفل دبي.. شريف منير يستعيد ذكرياته مع عمرو دياب: «والله زمان»    بي إم دبليو 2024.. الفخامة والأداء يجتمعان في أحدث الطرازات وأسعارها في مصر    أخبار × 24 ساعة.. وزير الصحة: عدد سكان مصر يصل 107 ملايين نسمة خلال أيام    جامعة بنى سويف تشارك في مؤتمر مراكز تميز المياه والزراعة    الآلاف يحتفلون بالليلة الختامية لمولد العارف بالله إبراهيم الدسوقي | صور    طريقة عمل كيكة قدرة قادر بخطوات بسيطة    محاكمة تاجر خردة لاتهامه بقتل جاره في الجيزة    السجن 6 سنوات لمتهم لاتجاره في مخدر الترامادول    رئيس جامعة الأزهر: نحرص على تذليل الصعاب لاستكمال بناء فرع دمياط الجديدة    سفير القاهرة فى لاهاى يستقبل ممثلى الاتحادات والجمعيات المصرية    ضخ دماء جديدة.. ننشر حركة التغييرات الموسعة لوكلاء وزارة التعليم بالمحافظات    أمين الفتوى: "حط إيدك على المصحف واحلف" تعتبر يمين منعقدة    خالد الجندي: عدم تنفيذ هذه الوصية سبب كل خلل أخلاقي في المجتمع    أحوال الطقس في مصر.. طقس مائل للحرارة نهارا " درجات الحرارة "    قومي المرأة يشارك في جلسة "الشمول المالي.. الأثر والتحديات والحلول"    قرار رسمي بسحب 3 أدوية من الصيدليات.. من بينها دواء شهير للصرع (مستند)    وقولوا للناس حسناً.. خالد الجندي يوضح أهمية الكلمة الطيبة في الحياة اليومية    بروتوكول تعاون بين جامعة حلوان و"الصحفيين" لتقديم الخدمات الصحية لأعضاء النقابة    وزير الأوقاف: مصر تهتم بالمرأة في شتى مناحي الحياة    بث مباشر.. انطلاق الحفل الختامي للمؤتمر العالمي للسكان    3670 حافظا للقرآن ومبتهلا يتقدمون للمنافسة المحلية المؤهلة لمسابقة بورسعيد الدولية    الأرصاد: رياح نشطة وأجواء مشمسة في شمال ووسط الصعيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دروس صينية
نشر في الشروق الجديد يوم 08 - 10 - 2009

لا بد أن كل من شاهد الاستعراض العسكرى المذهل بمناسبة يوم الجيش، الذى أقيم فى بكين فى الأول من أكتوبر، فى الذكرى الستين للانتصار الشيوعى، قد أثاره استعراض الصين لقوتها العسكرية الجديدة، والأهم، قوتها الاقتصادية. وها هو البلد الذى لم يعرف الصناعة إلا منذ 60 عاما يلقى الاعتراف كقوة صناعية عالمية.
فالصين هى ثانى أكبر بلد مصدِّر فى العالم وثالث أكبر اقتصاد. وتباع منتجاتها الصناعية، من السيارات إلى أجهزة الكمبيوتر، فى كل أنحاء العالم. وتتدفق عوائد تصدير هذه المنتجات على بكين، لتجعل من الصين أكبر دائن للولايات المتحدة، التى لا تزال تتظاهر بمظهر القوة العظمى الوحيدة بالرغم من أنها أكثر البلاد المدينة.
وإذا اكتفينا بالانطباعات وحدها عن الصين، سواء تلك، التى يوحى بها استعراض يوم الجيش أو اللقطات التليفزيونية عن ازدهارها الاقتصادى، فمن السهل أن نخرج بالانطباع بأن حكم الحزب الشيوعى الصينى يود أن الإيهام بأن حكم الحزب الشيوعى كان نعمة جزيلة بالنسبة للصين. والأغنية التى تملأ الأثير هذه الأيام فى الصين عنوانها «بدون الحزب الشيوعى، لن تكون هناك صين جديدة». وهذا حقيقى بكل معنى الكلمة. وقد أسس الحزب الشيوعى الجمهورية الشعبية فى عام 1949. لكن النظرة الفاحصة على ستة عقود من حكمه تبين أن الحزب بدد العقود الثلاثة الأولى (1949 1978) فى لا شىء، ولم يسلك الطريق الصحيح إلا خلال العقود الثلاثة الأخيرة (1979 2008). لذلك، وقبل أن يقودك الإعجاب بإنجازاتها إلى الدعوة إلى تبنى النموذج الصينى، من الأفضل أن تعرف ما هو النموذج الصينى بحق.
كان النموذج الأصلى الذى تبناه الحزب الشيوعى الصينى بمثابة كارثة مطبقة. وقد ساعد النظام القائم على الاقتصاد المخطط والسيطرة السياسية المستبدة، المستمد جزئيا من الاتحاد السوفييتى، الحزب فى توطيد سلطته بعد الثورة، لكنه بذر بذور الجمود الاقتصادى والراديكالية السياسية. وما زاد الأمر سوءا هو أن السلطة السياسية تركزت فى يد ديكتاتور مستبد لا يرحم، هو ماو تسى تونج. لم يكن يفهم فى الاقتصاد، لكنه كان يعتقد أن كل المطلوب لتحويل الصين إلى بلد حديث هو حث الشعب على تقديم التضحيات الشخصية. وقد سببت وصفة ماو للتنمية الاقتصادية أسوأ النكسات الاقتصادية للجمهورية الشعبية القفزة الكبرى إلى الأمام (1958). وأثناء القفزة، استثمرت الصين بكثافة فى مجال الصناعات الثقيلة، وأهملت الزراعة، وبددت الأموال الطائلة والموارد البشرية. وكانت النتيجة هى ترك المحاصيل تتعفن بالحقول.
وحصدت المجاعة البشعة، التى شهدتها السنوات الثلاث التالية (1959 1961) أكثر من 36 مليون إنسان، كلهم تقريبا من الفلاحين.
وإذا نحينا الكارثة الاقتصادية جانبا، سنجد أن الحزب، تحت قيادة ماو، تورط فى عمليات إعدام وحشية ضد المثقفين والأغنياء. واتهم نصف مليون شخص من المهنيين والأكاديميين وطلبة الجامعة والصحفيين وموظفى الحكومة بأنهم «يمينيون» فى عام 1957، وأُرسلوا إلى معسكرات الاعتقال. ومات كثيرون منهم من الجوع. أما من عاشوا فقد تدهورت أوضاعهم المهنية وحياتهم الأسرية. وقُتل مئات الآلاف من ملاك الأراضى أثناء الإصلاح الزراعى فى أوائل الخمسينيات. وظل أبناؤهم يعانون التمييز البشع على يد النظام حتى أوائل الثمانينيات.
ولا شك أن الثورة الثقافية (1966 1976) تعد أسوأ كارثة سياسية شهدتها الجمهورية الشعبية خلال العقود الثلاثة الأولى من حكمها. وقد شن ماو، المصمم على الاحتفاظ بسلطته بأى ثمن، هذه الحملة السياسية المدمرة لإبعاد رفاق سلاحه السابقين عن السلطة ومواصلة نضاله المتخيل ضد الأعداء الطبقيين. وجاءت النتيجة عقدا من الاضطراب السياسى حصد ملايين الأرواح وأغرق البلاد فى الفوضى التامة.
ولولا هذا الضرر الذى لحق بالصين خلال تلك العقود، لكانت الصين أكثر ازدهارا وسلاما وسعادة. وقد تصفحت ذات مرة دراسة اقتصادية قياسية لأحد أساتذة جامعة برنستون جاء فيها أن الاقتصاد الصينى كان يمكن أن يكون أربعة أضعاف حجمه الآن بدون الثورة الثقافية، وكان يمكن للاقتصاد الصينى أن يكون ضعف حجمه الحالى، لولا القفزة الكبرى للأمام. وهذا، بالطبع، ضرب من التخمين ولن نعرف الحقيقة أبدا. لكن هناك شيئا واحدا واضحا، وهو أن السنوات الثلاثين الأولى ليست مثار فخر للحزب الشيوعى بأى شكل من الأشكال.
والحزب نفسه أيضا يعرف هذا. وهو يبذل اليوم قصارى جهده لإخفاء ماضيه الأسود عن الصينيين. ويحجب الحزب حقيقة الثورة الثقافية ومجاعة القفزة الكبرى، خشية أن يشوه الكشف عن الإخفاقات صورة الحزب.
من جهة أخرى، فإن الحزب على استعداد للذهاب إلى أبعد مدى لإبراز إنجازاته خلال الثلاثين عام الماضية. وبينما يجب ألا ينكر أحد الإنجازات المدهشة فى مجال التنمية الاقتصادية منذ عام 1979، فمن المهم أن نتذكر المسئول عن مثل هذه الإنجازات. إذ رأى دينج شياو بينج، الذى أصبح زعيما للصين فى 1979، أن الإصلاح الاقتصادى هو السبيل الوحيد لبقاء الحزب واستمراره. وبفضل سياسة الباب المفتوح التى انتهجها دخلت الصين مرحلة جديدة من التنمية الاقتصادية. لكن هذه السياسات المتطلعة للمستقبل كانت قد قوبلت بمقاومة شديدة من المحافظين فى الحزب فى ثمانينيات القرن الماضى. ولم تتوقف هذه المعارضة إلا بعد انهيار الاتحاد السوفييتى الذى هز أرجاء بكين وجعل الحزب يقرر المضى قدما فى الإصلاحات الاقتصادية الرأسمالية فى عام 1992.
ومنذ ذلك الحين، تنتهج الصين إستراتيجية تنمية تعرف أكاديميا ب«الاستبدادية الجديدة» أى الرأسمالية بقيادة دولة الحزب الواحد. وارتبطت هذه الإستراتيجية بحالة النمو السريع بفضل تدفق الاستثمارات لأن حزب الدولة الواحد، أى الحزب الشيوعى، كان يركز كلية على تحسين مستويات المعيشة من أجل البقاء فى الحكم.
ويمكن القول، انطلاقا من تجربة الصين قبل عام 1992، إن «الاستبدادية الجديدة» ينبغى أن تكون نموذجا للصين وغيرها من البلاد النامية. لكن الحقيقة تظل أكثر تعقيدا بالرغم من ذلك. وأى حكومة تحدد التنمية كمهمة رئيسية لها، ديمقراطية كانت أو استبدادية، عادة ما تكون أكثر نجاحا فى تقديم السلع الاقتصادية. وتعد الهند مثالا لهذا (بالرغم من أن تقدمها ليس بنفس سرعة تقدم الصين). وما جعل الصين تنمو بهذه السرعة خلال العقود الثلاثة الماضية هو مزيج من روح المبادرة الصينية (هل قابلت صينيا لا يتمتع بروح المبادرة؟)، وشتات البلد (تعد هونج كونج وتايوان أكبر «المستثمرين الأجانب» فى الصين)، ووصول السلع الصينية إلى أسواق الاستهلاك الغربية الواسعة (أكثر من ثلثى الصادرات الصينية تذهب إلى الغرب) ثم يأتى الاستقرار السياسى، وهذا هو الأهم.
ومن الواضح أن سياسات الحزب الشيوعى أصبحت تتمتع بقدر من المصداقية. لكن لا ينبغى لأحد أن يقع فى وهم أن دول الحزب الواحد هى الأكثر قدرة بطبيعتها على تحقيق المعجزات الاقتصادية. فالحقيقة هى أن غالبية النظم الاستبدادية فى البلاد النامية فشلت بصورة مزرية فى تحقيق النمو لاقتصاداتها. وتعد الصين استثناء من القاعدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.