حسنا فعل وزير التربية والتعليم عندما قرر إسناد مهمة الإعلان عن إصابات بإنفلونزا الخنازير إلى وزارة الصحة.. فالشاهد أن تجربة أول يومين فى العام الدراسى كشفت عن حالة من الشعوذة الصحية يمارسها مديرو مدارس ومعلمون على أوسع نطاق. صحيح أن الوزارات المعنية، وفى مقدمتها وزارة التربية والتعليم، تتحمل قسما من المسئولية عن مهرجان الشعوذة والرعب المنصوب بامتداد خارطة مصر، غير أن قرار الوزير الأخير قد يصلح بداية للتعامل بشىء من العقلانية والحكمة مع ملف المدارس وإنفلونزا الخنازير. ولا يخفى على أحد أن رائحة البيزنس بدت واضحة منذ ما قبل انطلاق العام الدراسى فى معظم ما أعلن عنه من تدابير وإجراءات رسمية وغير رسمية، فتحت الباب واسعا أمام ما أطلقت عليه «تجارة الخوف» فى موسم الإنفلونزا.. إذ عمدت بعض الجهات إلى استغلال هذه الأجواء المرعبة فى ابتزاز أولياء الأمور والتلاميذ من خلال بيزنس الكمامات والمنظفات والمطهرات. بل إن كل مدير مدرسة أو معلم تحول إلى خبير فى الطب الوبائى، الأمر الذى جعل السماء تمطر بلاغات اشتباه فى إصابات بين التلاميذ بلغت فى يوم واحد فقط أكثر من 500 حالة على مستوى الجمهورية تبين أنها كلها بلاغات كاذبة أو على الأقل غير دقيقة وغير منطقية.. وطبيعى فى أجواء ملبدة بالجنون والعبث مثل التى نعيش فيها أن يجد كل تلميذ نفسه فى دائرة الاشتباه لمجرد أنه سعل أو عطس. ولا أستبعد أن تجعل هذه الحالة من «السعار الخنازيرى» كل تلميذ مخبرا على زميله إن تعارك معه أو ضايقه، كما بالإمكان أن ينفتح المجال فسيحا أمام المزوغين والكسالى من الطلبة والمعلمين أيضا، مادام الاهتمام كله منصب على الحالة الصحية ولتذهب الحالة التعليمية إلى الجحيم، بدليل أن غالبية المدارس الحكومية سرقت عشرين دقيقة كاملة من زمن كل حصة فصارت ثلاثين دقيقة بدلا من خمسين، ناهيك عن تشييع ما كان يسمى بجدول الحصص الدراسية إلى مثواه الأخير. باختصار، تعيش المدارس حالة من العشوائية والفوضى، لكنها العشوائية المقصودة والفوضى المنظمة، المحكمة كأفضل ما يكون الإحكام والتنظيم، بعد أن توافقت الأطراف الرئيسية على أن غيوم إنفلونزا الخنازير هدية من السماء للطرمخة على كل ما هو جاد وحقيقى وجوهرى فى العملية التعليمية. ويندرج تحت بند الفوضى المنظمة ما أعلنه السيد الوزير عن تخفيضات غير مسبوقة فى أوكازيون الغياب، بحيث تمارس الوزارة أقصى درجات المرونة مع حالات الغياب، وأكاد أسمع أباطرة الدروس الخصوصية يهتفون الآن «ينصر دينك يا سيادة الوزير». وللحق، فإن استثمار حالة الهوس الخنازيرى ليست حكرا على وزارة التعليم وحدها، فهاهى وزارة الصحة تدخل على الخط، وأحيلكم إلى إعلان وزارة الصحة السعودية نقلا عن متحدث باسم وفد سياحى مصرى أن السلطات السعودية لم تشترط تطعيم الحجاج بمصل إنفلونزا الخنازير للسماح لهم بدخول أراضيها.. وهو ما يتناقض أو بالأحرى ينفى ما سبق وأعلنه وزير الصحة المصرى مرارا عن إلزامية التطعيم بالمصل لكل من يريد الحج، وهو ما يثير الريبة فى كل ما يقال عن تدابير وإجراءات. وأخيرا.. ليس هناك دليل على حالة التخبط والعشوائية من أن يعلن وزير التربية والتعليم أن الإعلان عن حالات اشتباه أو إصابة بين التلاميذ مسئولية وزارة الصحة، ثم يرد عليه وزير التنمية المحلية بتصريح مضاد يقول فيه: «أى مدير مدرسة يبلغ عن حالة اشتباه بإنفلونزا الخنازير يستحق وساما وليس العقاب». إنه فيروس العشوائية فى كل شىء وهو أخطر كثيرا من فيروس إنفلونزا الحلاليف.. شفانا الله وإياكم. [email protected]