بينما ينام العرب هانئين قانعين آمنين فى ظل الأمن الأمريكى، يتحول المحيط الهندى ومنطقة وسط آسيا إلى بؤرة للتنافس الدولى، وربما إلى مركز للصراع العالمى (العولمى) القادم لتأمين المواقع الإستراتيجية فيهما. بينما لا ينفك المسئولون الخليجيون وغيرهم من العرب الترديد والتأكيد على التزام الولاياتالمتحدة بأمن المنطقة، يجر هذا الالتزام الأمريكى العرب تدريجيا نحو بؤرة التنافس الدولى، وربما إلى مسرح العمليات العسكرية التى قد تندلع فى أى وقت قريب. ****** هذا الموقف الإستراتيجى هو فى غاية الوضوح لدى النخبة السياسية الغربية. بعد نهاية الحرب الباردة نهاية «سلمية»! طرح كل من تاتشر وريجان، السؤال نفسه الذى طرحه مؤخرا زجيبنيو برجنسكى: وماذا بعد؟ أى من هو العدو الجديد الذى يجب أن يبحث عنه الغرب (مجسدا بحلف الناتو). خطة برجنسكى (التى نشرت فى صحيفة فى الهيرالد تربيون، (20/8/2009) تقوم على إدراك أن صحوة شعوب العالم المعاصرة، وتجنبا للفوضى التى يمكن تحدثها، على حلف الناتو وقد وجد عسكريا خارج أوروبا، أن يوفر الآليات لتوفير الأمان على مستوى العالم تحت الهيمنة الغربية. ولتحقيق هذا الغرض لا بد لحلف الناتو من تحييد روسيا بإنشاء معاهدة للأمن الجماعى مع روسيا، وإدخال دول وسط آسيا (دول القلب) فى هذه المعاهدة، أو ترك الخيار لهم للانضمام إلى حلف الناتو. وثانيا: لابد من مواجهة الحضور الإستراتيجى المتنامى لكل من الصين والهند فى المحيط الهندى. وقد سبق للولايات المتحدة أن قررت ضرورة وجود البحرية الأمريكية على «حضور متقدم لها فى المحيط الهندى»، انطلاقا من قاعدة ديبجو جارسيا، والتى هجرت سكانها بالكامل بشكل همجى (جونثان فريدلاند فى النيويورك تايمز ريفيو أوف بوك فى 28/5/2009) بتواطؤ مع بريطانيا. وقد لعبت هذه القاعدة دورا استثنائيا فى غزو العراق واحتلال أفغانستان. وقد بدأ الوجود الإستراتيجى الصينى والهندى فى المحيط الهندى بالتنامى فى الآونة الأخيرة. يذكر فريلاند أن الصين قد أقامت مراكز مراقبة فى الجزر الواقعة فى خليج البنغال. وهى تخطط لبناء قنال مشابه لقنال باناما يربط المحيط الهندى بالمحيط الباسيفيكى. وفى الوقت نفسه تقوم الهند بإقامة محطات بحرية للتصنت فى جزر مدغشقر، وموريشيوس والسيشل. ويجب ألا ننس أن الوجود الغربى (الولاياتالمتحدة، وبريطانيا، وفرنسا) فى المحيط الهندى والخليج والبحر الأحمر هو الأقدم والأعرق فى المنطقة. علما بأن سيطرة دول الخليج على مضيقى هرمز وباب المندب هى مجرد سيطرة جغرافية فقط. ****** إلى أين يقود كل هذا؟ ستكون المواجهة القادمة مع إيران فى حالة عدم التوصل إلى اتفاق مع الغرب حول برنامجها النووى. فهناك احتمال كبير فى عدم قدرة الغرب على إقناع إيران بالتخلى عن هذا البرنامج. فى هذه الحالة فإن الغرب يتجه بقوة نحو تشديد العقوبات على إيران بموافقة مجلس الأمن أو دون موافقته. وأقوى سلاح لدى الغرب لتحقيق هذا الهدف هو منع البنزين والمشتقات النفطية من الوصول إلى إيران، علما بأن إيران تحتاج إلى البنزين المستورد لسد 40% من حاجتها للاستهلاك المحلى. والطريقة الوحيدة الفعالة لمنع هذه السلعة من الوصول إلى إيران (كما يذكر حسين عسكرى وتريتا بارى فى صحيفة الهيرالد تريبيون 1516/2009) هو إقامة حصار بحرى حول شواطئ إيران. إذ لن يكون الحصار فعالا عن طريق معاقبة الموردين فقط. ولكن إيران أعلنت مرارا أنها ستعتبر عملا من هذا النوع بأنه عملا من أعمال الحرب، وبأنها سترد عليه عسكريا وبالوسائل المتاحة لها. وإذا أقدمت دول حلف الناتو على هذه المغامرة العسكرية فإنها ستقوى موقف المحافظين فى إيران، وهو عكس هدفها المعلن. كما أنها ستدخل منطقة الخليج، وربما منطقة غرب آسيا بأكملها فى أتون الاضطرابات الطائفية، وربما الحرب الذى ستكون إسرائيل طرفا فيها. ****** إذا تحقق هذا السيناريو، ونأمل ألا يتحقق، فإن محور مصر السعودية الأردن سيكون الشريك المحتمل، وربما الشريك المحرض على هذه الحرب. وهكذا فإن الأمن الأمريكى، والتزام الولاياتالمتحدة بأمن العامل العربى، هو فى الحقيقة المبطنة تهديد لأمن العالم العربى، وتمهيد لاستنزاف ثرواته المالية. وقد يصل الأمر إلى تهجير سكانه من بلدانهم التى ستكون مسرحا لعمليات حروب القرن الواحد والعشرين.