ساقنى سوء حظى العاثر خلال الشهرين الماضيين ولايزال إلى التعامل مع نخبة عشوائية تمثل كل «صنايعية مصر» تقريبا، والنتيجة المؤسفة هى أننا صرنا بلدا يعانى مرضا خطيرا اسمه نقص الكفاءة أو انعدامها فى معظم مجالات حياتنا تقريبا. ومن دون الاعتراف بهذه الحقيقة المؤلمة.. فلا يوجد أمل فى أى شىء. حضّرت ثلاثة عمال «نحاتين» لكى يكسروا بلاط ثلاث غرف ويقوموا بتشوينه وإنزاله من الدور الثالث إلى الأول. فطلبوا منى 12 ألف جنيه، غلى الدم فى عروقى، وانهيت النقاش معهم فورا، وأحضرت آخرين نفذوا المهمة مقابل ألف جنيه تقريبا. بعدها بدأت أعيد التعرف فعليا على عالم واسع اسمه «كيف تنجز الأعمال فى مصر؟». تلتقى الصنايعى فيحدثك عن المجدعة وأخلاق أولاد البلد وأن الفلوس آخر شىء يمكن التحدث فيه، ثم يبدأ مسلسل «الفصال والمناهدة»، حول السعر، والأسطوانة الجاهزة أنه يطلب سعرا مرتفعا لأن صنعته مميزة والآخرون هم الجحيم كما يقول سارتر..! يعطيك فى البداية موعدا بأن المقاولة ستنجز فى أسبوع مثلا، وستتكلف على أقصى تقدير خمسة آلاف جنيه على سبيل المثال، وسيبدأ العمل فى التاسعة من صباح اليوم التالى. ما يحدث عمليا هو الآتى: يأتى الصنايعى فى الواحدة ظهرا والمبررات متنوعة من أول زحام المواصلات إلى مرض المدام، والتكلفة ترتفع بقدرة قادر إلى 15 ألف جنيه، وزمنها يمتد إلى شهر. هذا المثال السريع يتكرر مع الجميع تقريبا بدءا من النحات والعامل البسيط نهاية بالنقاش ومرورا بالكهربائى والسباك ومبيض المحارة والنجار وفنى السيراميك والقيشانى والحداد وعامل الرخام وفنى الألوميتال. جميعهم يملكون النوايا الطيبة وجدعنة أولاد البلد، وغالبيتهم تنقصهم الكفاءة، المشكلة أنه يمكنك أن تتحمل ارتفاع التكلفة أو تأخر المواعيد لكن ما لا يمكن تقبله أن المهارة المصرية المعهودة آخذة فى التلاشى. هؤلاء الصنايعية لم يتلقوا تدريبا ولم يجدوا من يعلمهم «الصنعة»، كما كان يحدث سابقا، كل ما فعلوه أنهم أمسكوا «العدة» واتكلوا على الله وبدأوا العمل، وبالتالى أنت كزبون لا تعرف مستوى الصنايعى، فينتهى الأمر إلى تحولك إلى حقل تجارب لسيادته. وحتى لا نظلم «الصنايعية»، فهذه الحالة المرزية موجودة فى سائر المجالات من الطب والهندسة إلى الصحافة والإعلام نهاية ببعض المسئولين الذين يحكموننا. لا أحد يؤمن بالتدريب الحقيقى، ولا يملك معظمنا الوقت لكى نعلم من هو أصغر منا، ولذلك ينتهى الأمر بتزايد ظاهرة الطبيب الذى ينسى «الفوطة» فى بطن المريض، والمهندس الذى يتسبب فى انهيار عمارة والمعلم الذى يحتاج لمن يعلمه والصحفى الجاهل، نهاية بالوزير الذى لا يعرف أحيانا الحد الأدنى من واجبات وزارته. المضحك أو المبكى أنه رغم هذه الحقيقة المرة وغياب الكفاءة فنحن جميعا مستمرون فى «العنطزة» على بقية الشعوب باعتبارنا الأفضل. وغيرنا لا يفهم وأحيانا غير موجود، لماذا هذا الوهم؟ تلك قصة أخرى. [email protected]