أسعار الذهب اليوم الجمعة.. عيار 24 ب 4005 جنيهات    إعلام الإسماعيلية ينظم ندوة حول التمكين الاقتصادى للمرأة (صور)    موعد لقاء نائب رئيس مجلس الوزراء بالمستثمرين الصناعيين فى سوهاج    وزيرة التعاون: إصلاح صندوق النقد والبنك الدوليين ضرورة لتلبية متطلبات التنمية    بإجمالي 805 حالات.. انتهاء المرحلة الثالثة لحملات إزالة التعديات على الأراضي ببني سويف (صور)    حرب أوسع أم هدنة غير مستقرة.. ما هي مخاطر التصعيد بعد هجمات لبنان؟    الخطوط الجوية الكندية تلغي جميع رحلاتها إلى إسرائيل حتى نهاية العام    صباحك أوروبي.. رايا ينقذ أرسنال.. ريال مدريد يراقب رباعي بريميرليج.. وتفاصيل إقالة دي روسي    5 تعليمات من الصحة لتجنب الإصابة بالنزلات المعوية    ضبط قضايا اتجار بالنقد الأجنبي بقيمة 8 ملايين جنيه خلال 24 ساعة    رئيسة المفوضية الأوروبية تصل إلى كييف وتعد بدعم مستدام لأوكرانيا في مواجهة الشتاء القاسي    رئيس الإنجيلية: الكتاب المقدس هو الأساس والمرجعية لتعاليم الكنيسة    تشكيل أهلي جدة المتوقع أمام ضمك.. توني يقود الهجوم    انخفاض أسعار البيض في الأسواق اليوم الجمعة (موقع رسمي)    أوكرانيا: أسقطنا 61 طائرة مسيرة وصاروخا واحدا خلال هجوم روسي    مصرع شاب صدمه القطار في بني سويف    لتهالكها.. رفع 47 سيارة ودراجة نارية من الشوارع خلال 24 ساعة    عبد الباسط حمودة ضيف منى الشاذلي في «معكم».. اليوم    حكم التوسل بالأنبياء والأولياء والصالحين وطلب المدد منهم؟    بعد انتشار مقاطع لتلاوة القرآن بالموسيقى.. بيان عاجل من دار الإفتاء    طريقة عمل البرجر فى المنزل بمكونات آمنة    7 نصائح لتجنب اضطرابات الجهاز الهضمي    رابط خطوات مرحلة تقليل الاغتراب 2024..    سعر الدولار اليوم الجمعة 20-9-2024 في البنوك    ترامب يحذر يهود أمريكا من هاريس.. ويؤكد: أنا أفضل صديق لكم فى البيت الأبيض    طقس شديد الحرارة يضرب الأقصر اليوم.. والعظمى 44 درجة    التحقيق مع شخص مفصول من الطريقة التيجانية فى اتهامه بالتحرش    جرس الحصة ضرب.. استعدادات أمنية لتأمين المدارس    «الخارجية الروسية»: الغرب تحول بشكل علني لدعم هجمات كييف ضد المدنيين    «دمعتها قريبة».. أغنية ل عبد الباسط حمودة تسببت في بكاء ياسمين عبد العزيز    قائمة بأحدث الترجمات العربية للإصدارات الأجنبية    شهداء ومصابون إثر استهداف سيارة بشارع البنات في بيت حانون شمال قطاع غزة    عاجل.. طرح وحدات سكنية متنوعة للحجز الفوري من خلال أجهزة 8 مدن جديدة    رئيس جامعة القاهرة يشارك في المؤتمر السنوي للرابطة الأوروبية للتعليم الدولي بفرنسا    دعاء يوم الجمعة للرزق وتيسير الأمور.. اغتنم ساعة الاستجابة    «ناس قليلة الذوق».. حلمي طولان يفتح النار على مجلس الإسماعيلي    محافظ أسيوط يشدد على استغلال الفراغات لخفض كثافة الطلاب بالمدارس (صور)    تحذير جديد من انتشار جدري القرود في إفريقيا.. خارج نطاق السيطرة    خدمات صحية تقدمها عيادة العلاج الطبيعي بمستشفى حميات الإسماعيلية (صور)    صحة أسيوط تفاجئ العاملين بمستشفى صدفا المركزي    3 قرارات داخل الأهلي قبل لقاء الزمالك في السوبر الأفريقي    الفتوى: سرقة الكهرباء حرام شرعًا وخيانة للأمانة (فيديو)    رابطة الأندية تكشف سبب تأخر تسلم درع الدوري ل الأهلي    وينسلاند: التوسع الاستيطاني في الأرض الفلسطينية المحتلة يغير المشهد ويزيد تعميق الاحتلال    دينا: ابني فخور بنجاحي كراقصة    الطريقة العلاوية الشاذلية تحتفل بالمولد النبوي الشريف في شمال سيناء.. فيديو    الداخلية تكشف كواليس القبض على صلاح التيجاني    الداخلية: فيديو حمل مواطنين عصى بقنا قديم    «البحر الأحمر السينمائي» يعلن عن الفائزين في النسخة الرابعة من تحدّي صناعة الأفلام    عاجل.. موعد توقيع ميكالي عقود تدريب منتخب مصر للشباب    لبنان: وصول رسائل مشبوهة مجهولة المصدر إلى عدد كبير من المواطنين    مصطفى عسل يتأهل لنصف نهائي بطولة باريس المفتوحة للإسكواش 2024    توقعات الفلك وحظك اليوم.. برج الحوت الجمعة 20 سبتمبر    تعرف على قرعة سيدات اليد فى بطولة أفريقيا    اليوم.. الأوقاف تفتتح 26 مسجداً بالمحافظات    وزير الأوقاف ينشد في حب الرسول خلال احتفال "الأشراف" بالمولد النبوي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 20-9-2024    رمزي لينر ب"كاستنج": الفنان القادر على الارتجال هيعرف يطلع أساسيات الاسكريبت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خداع الفائض فى ميزان المدفوعات
نشر في الشروق الجديد يوم 26 - 06 - 2017

مازلت أذكر تلك المحاضرة الهامة بعد أن مر عليها عقدان من الزمن! يدخل أستاذ الاقتصاد الجليل، فيفحص تلامذته بعينين ثاقبتين، ثم تعلو وجهه ابتسامة مشفقة على هؤلاء السذّج الذين تغسل عقولهم آلة الإعلام، فيصعقنا بعبارة مازلت أذكرها كأنها بالأمس: هل تحسبون فائض ميزان المدفوعات الذى تعلن عنه الحكومة كل حين هو خير لكم؟ بل هو شر لكم، إذا ما كان الفائض بفعل القروض وزيادة المديونية.. كانت تلك هى المرة الأولى التى نبصر فيها نحن الصغار تفاصيل ميزان المدفوعات، فندرك أن جانبا من هذا الميزان هو محض تدفقات من الخارج صحيح، لكنها تدفقات تعكس التزاما مستقبليا على الدولة، وهذا الالتزام مستحق للسداد بواسطة هذا الجيل أو الأجيال التالية.
كانت آلة الإعلام فى عهد غابر لا تنفك تذكر ما نحققه من فوائض فى ميزان المدفوعات، ولا تهتم بالعجز الكبير فى ميزان التجارة، والذى يعكس الفرق بين صادرات الدولة السلعية ووارداتها، أو العجز فى ميزان المعاملات الجارية والذى يشمل ما تصدره الدولة وتستورده من خدمات مثل خدمات السياحة والملاحة والخدمات المالية وغيرها.. المعاملات الرأسمالية إذن كانت تتسبب فى تحقيق الفائض نظرا لتدفّق القروض والمساعدات عبرها، بل وحتى الاستثمارات الأجنبية التى تتدفّق عبرها هى التزام على الدولة، وعادة ما ينشأ عنه عجز جديد فى ميزان التجارة، خاصة إذا اعتمد هذا الاستثمار الأجنبى المباشر على مواد مستوردة، وخلق حاجات جديدة لدى المواطنين نشأ عنها مزيد من الاستيراد السلعى والخدمى.
***
تذكرّت تلك المحاضرة وأنا أستمع إلى بيانات رسمية تزف إلينا خبر تحقيق ميزان المدفوعات المصرى فائضا كليا بلغ 11 مليار دولار خلال الفترة من يوليو 2016 إلى مارس 2017 (منها 9 مليارات بعد قرار التعويم). البيان الصادر عن البنك المركزى يزف بشرى للشعب لأن ميزان معاملات الاقتصاد المصرى مع العالم الخارجى (ميزان المدفوعات) قد تحوّل من العجز إلى الفائض بالمقارنة بذات الفترة من العام المالى السابق. لكن عين المتخصص الذى يبحث فى التفاصيل تأبى أن يمر هذا البيان دون تمحيص.
البيان يوضّح التحسّن فى موازين التجارة والمعاملات الجارية بالفعل، لكن التحسّن النسبى والذى تعكسه معدلات تراجع فى العجز تبدو كبيرة، لا تمثّل إلا مساهمة ضئيلة من قيمة الفائض المذكور. كذلك يمكن بعد فحص ميزانى التجارة والخدمات كل على حدة أن نكتشف أن التحسن الذى أبرزه البيان باعتباره إنجازا لقرار التعويم، يعود فى جانبه الأكبر إلى زيادة فى الإيرادات السياحية بلغت 128,3% خلال الفترة يناير/مارس 2017، وبالتأكيد هذه الفترة من العام السابق كانت تخيّم عليها أحداث أمنية سيئة للغاية هبطت بعائدات السياحة إلى مستويات غير مسبوقة.
البيان يذكر أن ميزان المعاملات التجارية قد حقق تراجعا فى العجز بلغ 12,4% خلال الفترة يوليو/مارس و 37,7% خلال الفترة يناير/مارس (فى إشارة واضحة إلى تميّز الفترة التالية لقرار التعويم). لكن التراجع الأكبر للعجز يعود إلى الطفرة الكبيرة فى عائدات السياحة، والتى لا يمكن أن نعزيها إلى قرار التعويم وحده بعيدا عن السياق الأمنى وقرارات وقف حظر الرحلات الجوية إلى شرم الشيخ من قبل العديد من الدول وشركات الخطوط الجوية فى أعقاب حادث الطائرة المنكوبة فى أكتوبر 2015.
دليلنا على محدودية أثر تحرير سعر الصرف على ميزان المعاملات الجارية، الأثر المتواضع على ميزان التجارة والذى حقق عجزا يبلغ 9.2 مليار دولار بدلا من 10 مليارات خلال الفترة من يناير إلى مارس من العام السابق! التحسّن الذى لا يزيد على 8.1% ولا يقارن أبدا بحجم التراجع فى قيمة العملة الوطنية، ويتضمّن فى جانب منه انخفاضا فى الواردات السلعية مشفوعا بقرارات إدارية وقيود جمركية ورسوم إغراق.. نتج عنها أزمات نقص سلعى فى الأسواق تحوّلت بسرعة إلى موجات تضخمية متتالية بمعدّلات شبه يومية تنذر بتضخم منفلت.
فائض ميزان الخدمات تراجع خلال الفترة يوليو/مارس 2016/2017 مقارنة بنفس الفترة من العام السابق أيضا بفعل تراجع الإيرادات السياحية. تراجعت أيضا متحصلات قناة السويس بنحو 200 مليون دولار!، وبلغ عجز ميزان دخل الاستثمار 3.2 مليار دولار كنتيجة أساسية لتحويل أرباح الشركات الأجنبية العاملة فى مصر، بينما لم تكن متحصلات مصر من الاستثمار من الخارج بأكثر من 305.3 مليون دولار!. وربما كانت تحويلات العاملين المصريين فى الخارج (والتى ارتفعت بنسبة 10,9% طوال الفترة وبنسبة 13,8% منذ قرار التعويم) أبرز البنود التى تأثّرت إيجابا وبشكل مباشر بتخفيف القيود على السحب والإيداع والتحويل للنقد الأجنبى، تلك القيود التى أضعفت الثقة فى تعامل النظام المصرفى مع الصرف الأجنبى وفتحت أبوابا خلفية لتحويلات العاملين خارج هذا النظام. وعلى أية حال فالزيادة المذكورة والتى تمثّل 10.9% لا تزيد قيمتها على 450 مليون دولار!.
***
من أين إذن أتى الفائض الكبير فى ميزان المدفوعات؟ هل من الاستثمار الأجنبى المباشر؟ الإجابة من البيان أيضًا وليس من ديباجته، فالاستثمار الأجنبى المباشر ارتفع خلال الفترة المذكورة بنحو 12,1% بما لا يزيد على 1.2 مليار دولار، وبالتأكيد معظم الزيادة تعود إلى استثمارات فى قطاع البترول (صافى التدفق الداخل من قطاع البترول 1.8 مليار دولار خلال الفترة المذكورة)، أى استثمارات أجنبية فى استخراج مواد خام ناضبة غير متجددة، والجانب المصدّر من إنتاجها يتم تصديره فى صورته الخام، وبدون قيمة مضافة تعود على الاقتصاد المصرى بالنفع.
مع هذا يظل رقم ال11 مليار الذى تصدّر البيان وكان مادة خصبة لصحافة الولع بالأرقام الكبيرة لغزا للباحث عن الحقيقة، إلى أن تقع عيناه على تلك الأرقام الكبيرة التى توارت بين سطور التقرير، والتى منها صافى تدفّق استثمارات أجنبية «غير مباشرة» واردة إلى مصر تقدّر خلال الفترة موضوع التقرير بنحو 7,8 مليار دولار!..هل استثمارات الحافظة تلك تمثّل مشتريات الأجانب فى أسهم الشركات المصرية أو حتى سنداتها؟! كلا إنها تمثّل فى معظمها شراء الأجانب فى أذون الخزانة المصرية بصافى مشتريات بلغ 4,3 مليار دولار، فضلا عن سندات مصرية فى الخارج بلغت قيمة إصداراتها 3,9 مليار دولار خلال الفترة من يناير إلى مارس 2017 فقط. ومن المعلوم أن متوسط أسعار الفائدة على أذون الخزانة المصرية بالعملتين المحلية والأمريكية مرتفع للغاية بما يبرر إقبال المستثمرين على تغطية العطاءات. فإذا كانت الفائدة على أذون الخزانة بالعملة المحلية قد تجاوزت أسعارها 20% فى بعض العطاءات الأخيرة، فهذا يعكس خللا واضحا فى تسعير تلك المنتجات المالية، والتى يفترض أن تستخدم كأساس للمنتجات المالية الأخرى بعد إضافة هامش المخاطر المناسب لكل منها. وإذا كانت أذون الخزانة تطرح فى السوق المحلية بعملات أجنبية بلغت أسعار فائدتها فى المتوسط 3.5% (عطاء مايو الماضى) فهذا يقارن بأذون خزانة أمريكية تمنح عائدا أقل من 1% وأقرب إلى الصفر معظم الفترات (بعد مرور أزمة 2008)، ناهيك عن دولة مثل اليابان تحوّلت فيها الفائدة لتصبح سالبة.
المستثمر الأجنبى «الرشيد» لن يتردد إذن فى تحمّل قدر من المخاطرة للحصول على فائدة بالدولار الأمريكى تقترب من 3 أضعاف ما يمكن أن يحصل عليه فى الولايات المتحدة، وسوف يقبل على أذون خزانة بالعملة المحلية (خاصة بعد التعويم) ليستفيد مرتين، مرة من انخفاض قيمة العملة المحلية أمام عملة دولته، ومرة من أسعار الفائدة المرتفعة والتى قصد بها امتصاص التضخم الناتج عن التعويم. الأمر بالنسبة لسندات الخزانة الدولارية لا يختلف عن هذا، علما بأن العائد على تلك السندات قد بلغ 8% فى إحدى الشرائح ثم يباهى المسئول بتغطية العطائات أكثر من مرة، دون التفات إلى عبء الديون التى بلغت 3,6 تريليون جنيه بما يصل إلى 107% من الناتج المحلى الإجمالى وبمعدلات نمو مقلقة للغاية للدين بشقيه المحلى والخارجى، وخاصة الدين العام الخارجى.
القروض والتسهيلات طويلة ومتوسطة الأجل سجّلت أيضا صافى استخدام بلغ 5,1 مليار دولار مقابل نحو 504 ملايين دولار فى الفترة المقارنة! فلا شك أن الأحد عشر مليارا المتدفقة من العالم الخارجى لا تعدو أن تكون قروضا وتسهيلات وشراء الأجانب لأوراق دين مصرية، وتلك الأخيرة إذا صح وصفها علميا بأنها تمثل استثمارا غير مباشر، فعمليا هى ديون لا يتم إعادة توظيفها فى مشروعات تغطى عائدها، بل فى الغالب تستخدم لزيادة الاحتياطى من النقد الأجنبى لسداد الالتزامات! أى هى مديونية جديدة لسداد مديونية قائمة.
الشرح يطول فى مسألة خداع البيانات، لكن استهلاك البيانات الصحفية لتحويل صورة سلبية إلى إنجاز هو أمر لا أظنه فى صالح مصدر البيان ولا فى مصلحة شعب يراد له أن يحصل على حقه من المعرفة!.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.