صبى من حبانية العراق ولد لعائلة آشورية فقيرة، لعب الخيال معه لعبته الأثيرة، فتمسك بالكتابة، وعرف أنه يمتلك الموهبة فلماذا لا يكون مخرجا متميزا فى أعظم استديوهات العالم فى هوليوود؟، هذا الحلم الذى ظل يلح عليه طوال حياته حتى دوّنه الأديب العراقى صمويل شمعون، كسيرة ذاتيه، خلال روايته الممتعة «عراقى فى باريس». صمويل شمعون صاحب الموقع الإلكترونى الثقافى الشهير «كيكا» الذى اسسه عام 2003، وأسماه باسم والده الذى افتتن به وهو الأصم الأبكم، كما أسس شمعون فى عام 1998 مجلة «بانيبال» المختصة بترجمة الأدب العربى بمشاركة زوجته «مارجريت أوبانك». صمويل كتب مجموعته القصصية الأولى «اليقظة المتأخرة» نشرت له بالصحف الأردنية عام1979، وكان له نصيب فى كتابة الشعر وصدر له ديوانان، وبعدها كانت روايته الأولى «عراقى فى باريس». صمويل لم يغير اسمه فى الرواية، هذا الاسم الذى كان مجرد ذكره يجر المتاعب التى لازمته طوال أسفاره وهو أيضا من حمل حلمه وآلته الكاتبة ورحل عن العراق. فى رحلته التى جال فيها فى العديد من البقاع العربية، وعلى مسافة زمنية بعيدة تقارب الربع قرن، تأمل شمعون سيرته الذاتية، وقرر أن يستدعى ذكرياته ليغزل منها معاناة مثقف فى وطنه وفى منفاه الباريسى. بدأت الرواية عندما اعتزم بطلها «صمويل» السفر والمغامرة لتحقيق حلمه بأمريكا وقال لأمه «خلال شهر أو شهرين سأكون فى أمريكا». فترد عليه قائلة: «أنت مجنون يا صموئيل، فبعد يومين أو ثلاثة سترجع إلينا». كانت دمشق أولى محطاته، حيث عمل فى الطباعة ليحصل على بعض النقود قبل متابعة رحلته إلى بيروت فأمريكا. فى دمشق بعد أسبوع من استلامه لعمله جاءه البوليس السرى، فاعتقل وعذّب بتهمة أنه يهودى عراقى. ثم أطلق سراحه بعد أن نصحه رجل المخابرات بتغيير اسمه. يكشف صمويل خلال روايته عن المعاناة التى عاناها كمثقف فى عالم عربى، أجواؤه مليئة بالضبابية فيتعرض للعديد من المتاعب، وحين يذهب إلى بيروت تجده فى المنطقة الشرقية تحديدا يتعرض للسجن ويقول لسجّانه: «اذا قتلتنى يا طونى فان كثيرين سوف يحزنون علىّ». أما بيروتالغربية فقد شهد بها هجوما من مسلح فقال له: «الكتائب يريدون تفجير رأسى، والفلسطينيون يريدون تفجير رأسى. ماذا فعلت؟ أنا شاب طيب وأحب مساعدة الآخرين. ومن بيروت إلى دمشق إلى عمان يتابع «صمويل» أسفاره، حيث استقبلته عمّان فلم يمد له يد العون سوى الفلسطينى بائع الشاى المتجول ووجد عملا فى الطباعة ومأوى فى مكتب المحامى والروائى وجيه النجّار. ثم بدأ «صموئيل» بكتابة القصص القصيرة ونشرها فى الصحافة الأردنية. يرسم «صمويل» روايته وكأنها مشاهد لسيناريو يجعل قارئها وكأنه أمام مشاهد سينمائية، وتجلى ذلك أثناء تدوينه لأيامه فى فرنسا حيث ذهب عاش حياة اللاجئين، وهى فى مجملها لا تختلف عن مراكز اللجوء فى الغرب عامة. حيث تشكيلة أمم مختلفة الألوان والأعراق والديانات تتقاسم غرف سكن مشتركة ثم صعوبة الاندماج وتعلم اللغة. «ولتعزية اللاجئين عن أوضاعهم، علقت فى أحد المقاهى صورة كبيرة ل«فيكتور هوجو» كتب تحتها «تذكر أنه هو أيضا كان لاجئا ذات مرة». وفى مركز اللاجيئن هذا كتب صموئيل مقاطع من مخطوطته «الحنين إلى زمن الانجليز». وعن الآلم والوجع يقول «صمويل شمعون» لصديقه الكاتب الإيطالى«دينو»، الذى يعمل مهرجا فى أحد الملاهى الليلية، عندما سأله كيف يتعامل مع الألم؟: «يا عزيزى، لقد اكتشفت مبكرا أن الإنسان عندما يجد نفسه ملقى فى الشارع فلا خيار له، إلا كما فعلت شهرزاد فى ألف ليلة وليلة، تأجيل الألم. وهو يستدعى الفانتازيا لتأخذه بعيدا عن الطرقات والحدائق العامة، والمقاعد ومحطات القطار، ومن عصف رياح الشتاء الباردة وفراغ المعدة، عندئذ يرى كيف تتحول المقاعد إلى فراش وثير، والرياح الباردة تصبح أكثر دفئا وراحة. ثم يسأل صديقه: «وأنت كيف تتعامل مع الألم؟» «الألم هو الذى يقود الإنسان لكى يصبح مهرجا». وباريس كانت محطة صمويل الأخيرة فى روايته التى قسمها ما بين حياته بعد أن غادر الوطن، وخص الجزء الثانى من الرواية بحياته فى الحبانية بالعراق وأسماه «ولد الشارع والسينما» يدون فيه ذكريات مرحلة الطفولة فى الحبانية، يخطط طرقاتها وأحياءها، بأسماء ناسها وأعمالهم وعلاقاتهم الاجتماعية. كانت بيئة منسجمة ومتآخية، رغم اختلاف أصولهم ومشاربهم، وما آلت اليه الآحوال قبل أن يذهب. أثارت رواية صمويل شمعون إعجاب الكثير من الكتاب ومنهم من كتب عنها أن «هذه السيرة العجيبة، هذه الرواية، هذا المتن المكتنز بفطرته، ودهشته، وشطارته، ولعبيته وشاعريته وبحساسيته الجارحة ولذلك هو نص فريد من عراقى «غير عربى فى أدب العرب»، هكذا قال الكاتب أحمد مدنى. أما الكاتب «أنطوان شماس» فقال عن الرواية «هذا هو الفيلم غير المنجز الذى كان «صمويل شمعون» يخطط له، منذ أن ترك مسقط رأسه فى العراق 1979، ومع أنه لا يستطيع قطعا أن يحكيه لنا، هذا الحكواتى بدلا من الوصول إلى هوليوود كما يخطط، حالما بكتابة سيناريو عن الفران الأصم الأبكم الذى كأنه والده، ينتهى به الأمر فى باريس، ليكتب نصا ساحرا عن طفوله فى تلك المدينة الفقيرة، كصبى عاشق للسينيما.