قبل ست عشرة سنة سيطر التفاؤل على عناوين الصحف الأمريكية بسبب «الإنجاز الدبلوماسى الأمريكى فى الشرق الأوسط» بعد توقيع اتفاق أوسلو للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين فى واشنطن فى مثل هذا اليوم من عام 1993. وبالرغم من عودة الصراع العربى الاسرائيلى إلى قمة أجندة البيت الأبيض مع تولى الرئيس باراك أوباما إلا أن الاتفاق يبدو خارج حسابات فريق الشرق الأوسط فى الإدارة الأمريكية الحالية. وكشف بعض الخبراء والدبلوماسيين فى واشنطن ل «الشروق» أن فريق إدارة أوباما يتعامل مع الاتفاقية بإحترام ولكنه يضعها فى إطار «اتفاقية لوقف إطلاق النار ليس أكثر». ويقول دبلوماسى أمريكى، وهو مرشح لتولى منصب سفير فى إحدى دول المنطقة «طاقم الشرق الأوسط فى الخارجية وكذلك فريق السيناتور جورج ميتشل يرون أن اتفاقية اوسلو مهدت لوضع حجر الاساس لبداية إنهاء الصراع بين الفلسطينيين والاسرائيليين ولكن، حين يفكر المسئولون الأمريكيون فى استخدامها كوثيقة فى الوقت الحالى فإنه يجدون أنفسهم أمام مايشبه بالمتاهة، لأن الواقع تغير بشكل جذرى». وتحدث ارون ديفيد ميلر، أحد مستشارى وزير الخارجية الامريكى أثناء مفاوضات أوسلو ل«الشروق» بمناسبة 16 عاما على الاتفاق، وقال: «إن معظم الخطط الامريكية الخاصة بحل النزاع بين الفلسطينيين والإسرائيليين فشلت أنها لم تبدأ بالضغط على الطرفين لحل الموضوعات الرئيسية: وهى القدس، واللاجئون والحدود، والأمن». ويضيف ميلر «هذا لايعنى أن أوسلو كمرجعية انتهت ولكن الآن الأمر أصبح أكثر تعقيدا، فهناك انقسام بين الفلسطينيين وجدل حاد حول شرعية منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية، كما أن الكثيرين داخل حركتى فتح وحماس يرفضونها، أيضا هناك انفصال بين غزة والضفة الغربية، وفصيل مسلح يسيطر على غزة، ولديه ملفات عالقة منفرده مع إسرائيل. فى المقابل فإن إسرائيل من جانبها وعلى حد قول ميلر لن تقدم الكثير من التنازلات فالقيادة داخلها غير قادرة على اتخاذ قرارات تاريخية كما هو الحال على الجانب الفلسطيينى. ويرى ميلر أن الإدارة الأمريكية الحالية تضغط بشدة فيما يخص موضوع حل الدولتين «لأنها تعرف أن فكرة حل الدولتين لن تنتظر الفلسطينيين والاسرائيليين إلى الأبد، ففى تقديرى وفقا للحقائق على الأرض فإن فكرة حل الدولتين إن لم تطبق فى فترة من الأربع إلى الثمانى سنوات المقبلة ستكون جزءا من التاريخ، لذلك فهذه الإدارة على وجه التحديد تعلم أن حل دولتين إما أن يحدث خلال ولايتها (الأولى والثانية) وأما أن تصبح فكرة تايخية». ميلر أيضا يتفق مع بعض السياسيين والخبراء فى واشنطن الذين يرون أن أوباما حاليا فى مأزق كبير، ويقول ميلر: «الرئيس الامريكى الحالى فى مأزق لايحسد عليه، فقد وصل سقف التوقعات من جانب الرأى العام العربى والعالمى إلى مستوى لم نكن نتوقعه، والآن اصطدمت آمال أوباما بالواقع، إلا أنه فى نفس الوقت عليه تحقيق أى نجاح على الأرض». ويضيف ميلر «أهداف أوباما من البداية ليست واقعية فى هذا الأمر، فأوراق الضغط التى تملكها واشنطن على إسرائيل ليست كما يتخيلها البعض فى الشرق الأوسط، فهى أقل بكثير». كما أنه من البداية كان من الخطأ التركيز على تجميد المستوطنات «فلا يجب أن يتفاوض الرئيس الأمريكى مع الإسرائيليين على 500 وحدة سكنية فى وقت يبتعد فيه عن القضايا الرئيسية فى الصراع كالقدس واللاجئين». ويوضح «بشكل مبدئى إسرائيل وافقت على تجميد المستوطنات وبشرط استكمال المشروعات الحالية، وهذا يعنى أنه خلال السنة والنصف المقبلة وفقا للتقديرات التى لدى سيكون هناك أكثر من 3000 وحدة سكنية إسرائيلية جديدة فى الضفة، وبالمناسبة هذه السنة والنصف هى الفترة التى من المفترض أن يبدأ فيها الجانبان المفاوضات، لذلك فإى اتفاق على المستوطنات بهذا الشكل ينسف نفسه». ويؤكد ميلر أن المؤشرات والمعلومات التى لديه تؤكد أن « نهاية الشهر الحالى يستضمن إنجاز اتفاق حول المستوطنات لم تصل إليه إدارة أمريكية مع إسرائيل من قبل إلا أنه لن يكون دائما ولا شاملا، ما سيخلق اعتراضات من الجانب العربى طوال الوقت».