كعادته الخلافية المثيرة للجدل، يأتى القانون الفرنسى ليكون بطل أزمة جديدة نشبت مؤخرا بين كل من الكاتب الكبير «صنع الله إبراهيم» وأستاذة الحضارة الفرنسية بجامعة القاهرة د.«ليلى عنان»، بعد اقتباس الكاتب لموضوعات من المؤلفات البحثية ل«عنان» فى روايته الأخيرة «القانون الفرنسى» وهو الأمر الذى رأت فيه الباحثة تعمدا لسرقة مجموعة من أعمالها أهمها كتابى «المؤرخون الجدد» و«الحملة الفرنسية فى مصر تنوير أم تزوير»، بالإضافة إلى دراسة متخصصة سلمتها الباحثة «لصنع الله» بناء على طلبه، بعنوان «كيف وظف نابليون الفن للدعاية فى حملته على مصر»، ورغم ما أكده «صنع الله إبراهيم» من أنه لم يتعد على حقوق د.ليلى عنان، وأنه أثبت حقها كمرجعية فيما وثقه من مراجع، إلا أنها رفضت هذا المبرر معتبرة إياه غير كافٍ، أو متناسب مع ما استغرقته أبحاثها من جهود، وأنها لم تجد ما ينفى عن «صنع الله» تهمة تعمد السرقة، لذا لجأت للقضاء مطالبة الكاتب بتعويضٍ ماليٍ قدره (10) ملايين جنيه. ومن حقوق الملكية الفكرية على الطريقة الفرنسية إلى أزمة العنصرية على الطريقة الألمانية، حيث تتواصل الآن على صفحات الجرائد معركة الاتهامات المتبادلة بالعنصرية بين كل من الكاتب «جمال الغيطانى» رئيس تحرير جريدة (أخبار الأدب) ورئيس تحرير مجلة (فكر وفن) «شتيفان فايدنر»، والتى تأججت على إثر المقالة التى كتبها «الغيطانى» بعد مقتل الصيدلانية المصرية «مروة الشربينى» على يد أحد المتطرفين الألمان، منددا فيها بما اعتبره عنصرية ضد العرب والمسلمين، وواصفا مجلة «فكر وفن» الألمانية الناطقة بالعربية بأنها مثالا للعنصرية ومعاداة الإسلام فى «المجال الثقافى ومقارنا بين محررها «فايدنر» والقاتل الألمانى فى محكمة «دريسدن»، وهى المعركة التى انضم إليها العديد من الكتاب العرب والمصريين من مؤيدى ومعارضى الطرفين. هذه القضايا ليست كل شىء، فحتى الآن لم تهدأ بعد الأزمة التى أشعلها إعلان جوائز الدولة فى يوليو الماضى، وذهابها إلى بعض الأشخاص المثيرين للجدل مثل «سيد القمنى» وابتعادها عن بعض من يرون أنفسهم أكثر استحقاقا لها كرئيس المركز القومى للبحوث د. «هانى الناظر»، كما لم يحسم الخلاف الدائر بين القائمين على ملتقى القاهرة لقصيدة النثر والمنشقين عليهم، بالإضافة إلى عدد من قضايا النشر والحريات وغيرها من الملفات الثقافية التى يموج بها الوسط الثقافى.. كل هذه القضايا ممتدة الأثر وسابقاتها وتالياتها من القضايا، وغيرها من الخلافات والمعارك الثقافية والأدبية التى إما أن تدخل فى إطار الملاسنات إلى أن يتعب الطرفان أو يعلن أحدهما التوقف، أو تصل إلى ساحات المحاكم فى طابور واحد مع قضايا السرقة والقتل والاغتصاب، تجعل من فكرة كانت تبدو قبل ذلك مستبعدة كإنشاء محكمة أو هيئة لفض المنازعات الثقافية تراعى خصوصية هذه الخلافات وأصحابها، فكرة قابلة للطرح.. هذه الفكرة عرضناها على مجموعة من شباب وشيوخ ورواد الأدب والثقافة المصرية فتفاوتت آراؤهم على النحو التالى: الناقد الكبير د.«جابر عصفور» رفض الفكرة تماما مؤكدا أن ضررها يفوق بمراحل ما يمكن أن تجلبه من منافع، وأوضح أن وجود محكمة أو هيئة قضائية ثقافية سيسهم فى تهييج الأمور وتنمية الصراعات بين المثقفين، حيث سنجد يوميا ما لا يقل عن 10 أدباء يتشاجرون معا قبل أن يلجأوا إلى هذه المحاكم. وقال «عصفور» إن خلافات الأدباء إذا ما كانت تستدعى ذلك مكانها القضاء، حيث سيؤخذ لكل أديب حقه. وأضاف أنه طالما لا يملك اتحاد الكتاب سلطة تلزم بأحكامها أعضاءه من المتنازعين، فليذهبوا إلى المحاكم. وأكد أن نصوص القضاء المصرى كافية وصالحة للتعامل مع القضايا الإبداعية والفنية، لأنه عادة ما يتم فى هذه الحالة الرجوع إلى خبراء فى المجالات المتنازع عليها. وأشار الناقد الذى كان قبل سنوات أمينا عاما للمجلس الأعلى للثقافة إلى أنه كان يتم التنسيق معه لترشيح خبراء يتم الاستعانة بهم فى مثل هذه القضايا، موضحا أن الخبير فى هذه الحالة قد يكون ناقدا أو فنانا أو أديبا كبيرا. ظاهرة صحية اتفق معه تماما الناقد «على أبو شادى» الأمين الحالى للمجلس، والذى اندهش للفكرة وعلق ساخرا «إذن سنحتاج محاكم داخل المحاكم، تفصل بين المحكمة الثقافية وأطراف النزاع»!. وأوضح «أبو شادى» أن فكرة الفن والأدب جوهرها الاختلاف، وهو فى رأيه ظاهرة صحية طالما لن يصل الأمر إلى التجريح الشخصى أو الابتذال، بمعنى أن لن يقذف أديب زميله بأنه أعرج أو «عنده سكر» أو يسكن فى بولاق. أما إذا وصلت الأمور إلى حد التجاوز فيرى الناقد أن اللجوء فى هذه الحالة إلى القضاء يعد سلوكا متحضرا وسيسفر عن نتائج عادلة. ولفت أبوشادى إلى أن مجمل القضايا والنزاعات الثقافية لايكون طرفاها من المثقفين، وإنما تقع بين المثقفين وجهات معادية للثقافة. وأوضح أنه لا يوجد مثقف يقاضى مثقفا آخر لخلاف فكرى، أما القضايا المتعلقة بالسب والقذف أو الملكية الفكرية وغيرها فمنصوصٌ عليها فى القانون. نفس الرأى تقريبا تبناه الكاتب «محمد سلماوى» رئيس اتحاد الكتاب والذى كشف عن وجود هيئة بالاتحاد مسئولة عن فض منازعات الأدباء والنظر فى مشاكلهم، بالإضافة إلى قاعدة أو قانون يلزم الأعضاء بالرجوع لهذه الهيئة قبل اللجوء للقضاء. وبسؤاله عن عدم لمس الشارع الثقافى لدور هذه الهيئة أو حتى معرفته بوجودها، أجاب غاضبا بأن الهيئة موجودة وتتدخل إذا ما لجأ إليها عضو لنظر مشكلته، لكن هذا غير معلن وليس من المفروض إشاعته أو إعلانه. وعن وصول أغلب الخلافات الأدبية للقضاء قبل مرورها على الاتحاد رغم القانون الذى ذكره، قال الكاتب إن هذا حق العضو فى أن يذهب إلى القضاء، إذا لم يرد التعامل مع لجنة الاتحاد أو لم يقبل بحكمها، لأنها فى النهاية هيكل قانونى لكنه ودى. احترام القضاء وبدوره رفض «سلماوى» فكرة إنشاء محاكم ثقافية متخصصة، داعيا إلى ضرورة احترام القضاء المصرى وإعطائه حقه كقضاء عريق، حقق الكثير من الأمجاد الوطنية وامتدت آثاره إلى دول وقارات أخرى. وأشار الكاتب إلى أن قيمة القانون فى سريانه على جميع الأفراد على اختلاف أدوارهم، ولفت إلى دور الخبراء المتخصصين فى مسألة فض المنازعات ذات الطابع الخاص، مؤكدا أن المشكلة تكمن فى عدم اللجوء لهؤلاء الخبراء، كما جرى فى قضية «مجلة إبداع» حيث ألغى صدورها للمرة الأولى دونما رجوع لرأى المتخصصين، قبل أن يتم تجاوز الأمر فى الاستئناف، بعدما تضامن اتحاد الكتاب مع المجلة، وحشد محامى الاتحاد دفوعه التى أدت بحسب رئيس الاتحاد إلى إلغاء الحكم وعودة الصدور أما الناقد د.«عبد المنعم تليمة» فقد طالب باستبدال فكرة المحاكم الثقافية بما وصفه بهيئة ديمقراطية منتخبة تقوم على شأن الأدب والثقافة المصريين، ويكون من ضمن أدوارها فض المنازعات ومحاكمة الخارجين على السياق. اتحاد بديل وقال «تليمة» إن المجتمعات الحديثة تنقسم إلى مؤسستين إحداهما حكومية والأخرى أهلية، مشيرا إلى أن المؤسسة الثانية وما ينبثق عنها من مؤسسات متخصصة هى الأجدى فى كل المجالات وعلى رأسها الثقافة. وأضاف أنه طالما قد احتكرت السلطة إدارة الحياة الثقافية، فأممت من قبل وسائل الإعلام والأزهر وغيرهما من المنابر، وسيطرت وأغرت أو هددت وأخرست رموز الثقافة، فلا ملجأ للأدباء والمثقفين إلا باتحاد عام منتخب ومنظم يقوم على خدمة المثقفين وتنظيم قوانينهم وتشريعاتهم. وأوضح «تليمة» أنه لا يقصد بذلك تشكيل اتحاد مواز أو بديل لاتحاد الكتاب الحالى، وإنما فض الاشتباك أو الاشتباه ما بينه وبين السلطة ممثلة فى وزارة الثقافة، ليصير بذلك وعاء ديمقراطيا مستقلا ممثلا لصوت وضمير المجتمع. رأى الأدباء وباستطلاع آراء بعض الأدباء حول فكرة المحاكم الثقافية تباينت واشتبكت آراؤهم على النحو التالى... الكاتب الكبير «إبراهيم أصلان» أيد تماما فكرة القضاء الثقافى معتبرا إياها حائط صد أمام مهرجان الفتاوى غير المتخصصة فى الأدب. وقال «أصلان» أؤيد هذه الفكرة طالما أن القانون العام ليس كافيا للبت فى الشئون الثقافية ذات الطبيعة الخاصة، على الأقل ستحد هذه المحاكم من تدخل من يتصورون فى أنفسهم قدرا من الوصاية الدينية على المجتمع». وأضاف أن المحاكم الثقافية إذا ما تشكلت فستعطى للمشتغلين بالأدب فقط الحق فى الحديث باسمه والنظر فى شئونه وبذلك توكل الأمور إلى أهلها، ويرتاح الشيخ «يوسف البدرى» وغيره من الشيوخ من هذه المهمة. وبالنسبة للجنة فض المنازعات باتحاد الكتاب، ومدى إمكانية قيامها بهذا الدور أوضح الكاتب أنها المرة الأولى التى يسمع بوجودها، منبها إلى أن الطبيعة غير المتجانسة لأعضاء الاتحاد بفئاتهم وتياراتهم ومصالحهم تجعل من الصعب التكهن بمدى مصداقية هذه اللجنة. وقال «أصلان»: «أعرف أن سلماوى يعمل بجد ليجعل من اتحاد الكتاب شيئا مختلفا، ولكنى أعتقد أنه متفائل أو حسن النية بشأنه أكثر من اللازم». أما الكاتب والناقد «سيد الوكيل» فقد تحمس للفكرة بشدة، مشيرا إلى أنه كثيرا ما دعا إليها. وقال «الوكيل»: إن المحاكم الثقافية ضرورية من أجل النظر فى قضايا النشر والحريات، حتى لا يتكرر ما جرى مع مجلة «إبداع». وأضاف أن قرار إغلاق المجلة لم يكن واعيا بآثار هذا الغلق على الحياة الثقافية، مؤكدا أهمية وجود هيئة تجيد التعامل مع الإبداع وقضاياه فى ضوء حرية التعبير. وتابع أن الحكم على القيمة الأدبية وقيمة ومعنى التجاوز الأخلاقى يتطلب قاضيا ملما بمفهوم الفن والإبداع وليس العدالة المرتبطة بالوقائع اليومية ذات الآثار المباشرة، أما الفن فهو تخييل ومجاز يحتاج إلى وعى مختلف. وهون الكاتب من قدرة اتحاد الكتاب على القيام بدور مثل هذه المحاكم، مشيرا إلى أنه مجرد هيئة استشارية مدنية أقرب إلى جمعية خيرية يلجأ إليها الأفراد للتصالح العرفى. وذكر أن طبيعة هذا الدور معروفة لجميع الأعضاء لذا لا يفكر أى أديب فى اللجوء للاتحاد لمعرفتهم بأنه غير مؤهل لتحقيق عدالة ما، فلا يستطيع الإفراج عن عملٍ مصادر أو الإلزام بأى حكم، وأقصى ما يمكن أن يقوم به إصدار بيان شجب أو إدانة. الشباب يرفضون من الجيل التالى لجيل «الوكيل» جاء رأى الروائى «حمدى الجزار» الذى قال :إن الأهم من المحاكم الثقافية هو وجود قوانين ملزمة فى الشأن الثقافى مثل حقوق الملكية الفكرية، وحدود العلاقة بين الكاتب والناشر والعمل الأدبى، وكفالة حرية التعبير بمختلف أشكالها، وغيرها من القضايا والموضوعات التى من الممكن أن يصادفها المبدع أثناء رحلة كتابه أو عمله الفنى إلى الجمهور، مشيرا إلى أن وجود هذه القوانين سيجعل من السهل الفصل فيها من قبل أى قاض أو محكم. ومن الجيل الأحدث جاء رأى الكاتب الشاب «محمد صلاح العزب» رافضا فكرة المحاكم المتخصصة بأكملها.. يقول العزب: «أنا لست مع تقسيم المجتمع إلى فئات، فلو أصبح للكتاب محكمة خاصة بهم، سيصبح دستوريا من حق أصحاب أى مهنة أخرى المطالبة بأن تكون لهم محكمة خاصة بهم». وأضاف أنه فى هذه الحالة سنجد محكمة خاصة للصحفيين وأخرى للمهندسين وثالثة للأطباء، حتى بائعى الحلوى وأصحاب الأكشاك من حقهم فى هذا الوقت المطالبة بمحاكم خاصة، وهذا طبعا غير منطقى. وأشار «العزب» إلى أن تفعيل دور النقابات المهنية هو الأجدى لحصول أعضاء هذه النقابات على حقوقهم وفض منازعاتهم وحل مشكلاتهم، ومن هنا يكون اتحاد الكتاب هو النقابة الشرعية والرسمية للكتاب، ومن واجبه أن يقوم هو بفض المنازعات بين أعضائه وتوقيع ما يراه مناسبا من عقوبات، حتى يكون القضاء هو المرحلة الأخيرة، حين تصل الأمور إلى طرق مسدودة. وتابع أنه بدلا من المطالبة بمحاكم خاصة وهو أمر صعب الحصول عليه، لماذا لا نطالب باتحاد كتاب حقيقى وفعال، يقوم بدوره كما ينبغى، موضحا أن هذا الأمر فى أيدى كل المثقفين. وأردف قائلا: «بدلا من الشجارات على صفحات الجرائد ثم فى ساحات المحاكم، لماذا لا يكون للكتاب بيت حقيقى ينتمون إليه، يكون قادرا على استيعاب مشكلاتهم والتدخل لحلها، بموافقة وثقة كل الأطراف؟.