فلسطين.. مقتل وجرح أكثر من 150 شخصا إثر قصف إسرائيلي استهدف 13 منزلا بمخيم جباليا    لبنان.. استشهاد 3 صحفيين في غارة إسرائيلية على مقر إقامة عدد من الأطقم الصحفية في بلدة حاصبيا    خطط عسكرية للجيش الإيراني للرد على أي هجوم إسرائيلي    السولية يفاجئ كهربا بعد تتويج الأهلي بالسوبر المصري    ترتيب هدافي الدوري الالماني قبل مباراة اليوم    بعد إعلان الداخلية.. تعرف على خطوات التقديم لحج القرعة 2025    رسالة صلاح عبدالله للاعبي الزمالك بعد خسارة كأس السوبر المصري.. ماذا قال؟    محمد صلاح: الزمالك قدم مباراة قوية رغم الظروف.. وجوميز أخطأ في التشكيل منذ البداية    ياسر إبراهيم يكشف مع من تواصل قبل السوبر المصري    كولر أم محمد رمضان ؟.. رضا عبد العال يكشف سر فوز الأهلي بالسوبر المصري    طائرات الاحتلال المروحية تطلق النار على المناطق الشرقية لمدينة خان يونس جنوب قطاع غزة    حبس سائق لسرقته مندوب شركة بالمطرية    أمطار غزيرة لمدة 96 ساعة.. موعد أول نوة شتوية 2024 تضرب البلاد (استعدوا للتقلبات الجوية)    حبس موظف لقيامة بقتل زوجته بالمطرية    بعد تعيينه وكيل «تعليم كفر الشيخ».. السيرة الذاتية للدكتور علاء جودة    "وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا".. الأوقاف تعلن موضوع خطبة الجمعة اليوم    وكيل الصحة يزور قسم الأطفال بحميات العباسية لتطبيق النموذج الناجح داخل سوهاج    وكيل صحة القليوبية: حملة «بداية» قدمت أكثر من 2 مليون خدمة حتي اليوم    إعلام عبري: إصابة 22 جنديًا خلال ال 24 ساعة الماضية    أصل الحكاية| «جامع القائد إبراهيم» أيقونة إسلامية في قلب الإسكندرية    «توخوا الحذر».. الأرصاد تكشف حالة الطقس اليوم في مصر والظواهر الجوية المتوقعة    بث مباشر احتفال لاعبي الأهلي في فندق الإقامة بعد التتويج بالسوبر المصري    بنظارة سوداء.. يوسف الشريف يخطف الأنظار على السجادة الحمراء| فيديو    وزير الثقافة يشهد ختام فعاليات الدورة ال32 لمهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية    يسرا اللوزي من مهرجان الجونة: "فرصة الناس تتقابل ونشوف مشاريع جديدة"    نسرين طافش: "كفايا عليا أحضر مهرجان الجونة عشان أشوف أحلى الأفلام"    أشرف داري: فخور باللعب للأهلي.. وأتمنى وضع بصمتي في البطولات القادمة    ارقصوا على قبري.. سعاد صالح توجه رسالة نارية لفنان شهير    نشرة التوك شو| تكليفات رئاسية بتوطين علاجات الأورام وأصداء تصريحات مديرة صندوق النقد    إم جي 2024.. مزيج من الأناقة والتكنولوجيا بأسعار تنافسية في السوق المصري    مصدر مسؤول: وفد مصري رفيع المستوى يلتقي رئيس الموساد ووفدا من الشاباك    ارتفاع جماعي.. سعر الدولار الرسمي مقابل الجنيه المصري اليوم الجمعة 25 أكتوبر 2024    مصرع سائق وإصابة شقيقه فى حادث إنقلاب سيارة بالمراغة شمال سوهاج    الأرصاد السعودية تحذر من أمطار تضرب عددا من مناطق المملكة لمدة 5 أيام    تحريات لكشف ملابسات مقتل عامل باطلاق النار عليه في العمرانية    خالد قبيصى مديرا لمديرية التربية والتعليم بالفيوم    تجديد الثقة فى المهندس ناصر حسن وكيلًا لتعليم الغربية    ارتفاع مفاجئ بجميع الأعيرة.. سعر الذهب اليوم الجمعة بالصاغة وعيار 21 يسجل رقمًا جديدًا    تأخير الساعة 60 دقيقة.. موعد تفعيل التوقيت الشتوي 2024    بالصور.. الاتحاد العام لشباب العمال بالأقصر ينظم ندوة تثقيفية حول "الشمول المالي"    مي فاورق تختتم ليالى مهرجان الموسيقى العربية بروائع الأغانى التراثية    عمرو الفقي يعلن التعاقد مع متسابقي برنامج "كاستنج" للمشاركة في أعمال درامية    بهاء سلطان يطرح أغنية «أنا من غيرك» من فيلم «الهوى سلطان» (فيديو)    أكرم توفيق: طلع عينينا لنفوز بالسوبر أمام الزمالك    رولز رويس 2024.. قمة الفخامة البريطانية تتجسد في سيارات الأحلام وأسعارها في مصر    مصدر مسؤول: مصر أكدت للوفد الاسرائيلي رفضها للعملية العسكرية الجارية بشمال غزة    «القاهرة الإخبارية»: باريس تحتضن المؤتمر الدولي لدعم لبنان    الاستثماري يرتفع وعز يتراجع.. سعر طن الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الجمعة 25 أكتوبر 2024    أخبار × 24 ساعة.. وزير الصحة: عدد سكان مصر يصل 107 ملايين نسمة خلال أيام    الآلاف يحتفلون بالليلة الختامية لمولد العارف بالله إبراهيم الدسوقي | صور    طريقة عمل كيكة قدرة قادر بخطوات بسيطة    أمين الفتوى: "حط إيدك على المصحف واحلف" تعتبر يمين منعقدة    رئيس جامعة الأزهر: نحرص على تذليل الصعاب لاستكمال بناء فرع دمياط الجديدة    سفير القاهرة فى لاهاى يستقبل ممثلى الاتحادات والجمعيات المصرية    ضخ دماء جديدة.. ننشر حركة التغييرات الموسعة لوكلاء وزارة التعليم بالمحافظات    قومي المرأة يشارك في جلسة "الشمول المالي.. الأثر والتحديات والحلول"    وقولوا للناس حسناً.. خالد الجندي يوضح أهمية الكلمة الطيبة في الحياة اليومية    بث مباشر.. انطلاق الحفل الختامي للمؤتمر العالمي للسكان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بين ارتننى ودار الأرقم
نشر في الشروق الجديد يوم 08 - 09 - 2009

يفصل نهر السنغال الواقع عند الساحل الأفريقى الغربى وفقا لعلماء الأنثربيولوجى بين الجنس الأبيض (البربرى) على الضفة الشمالية والجنس الأسود (الزنجى) على الضفة الجنوبية للنهر، ويرى البعض أن كلمة «سنغال» هى تحريف لغوى لكلمة Asnaga وأصلها «صنهاجة»، ولعلنا مازلنا نذكر أن الفاتحين المسلمين بعد استقرارهم فى المغرب قبل ثلاثة قرون اتجهوا شمالا لفتح الأندلس بدلا من الاتجاه جنوبا صوب السودان، لذا فإنه حتى هذه اللحظة التاريخية التى نعاينها كانت البلاد الواقعة إلى جنوب موريتانيا قائمة على ديانتها الوثنية لم تصلها الدعوة الإسلامية بعد، بينما خرجت قبائل الشمال الصنهاجية عن ملة الإسلام متمسكة بشعاره الخارجى تاركة حقيقته كما أوضحنا سابقا، ترى ألهذا السبب توقفت مسيرة عبدالله بن ياسين عند هذه البقعة الجغرافية التى تفصل بين عالمين: زنجى/بربرى، وثنى/مرتد؟ أتراه لذلك قرر أن يتخذ مصب نهر السنغال منطلقا جديدا لدعوته الإيمانية ولحركته السياسية؟
عندما وصل ابن ياسين إلى مصب نهر السنغال كانت المياه تتعرض لظاهرة الجزر فأدى ذلك إلى انحسارها عن جزء من اليابسة أشبه بالجزيرة المحاطة بالماء من كل جانب إلا أنه فى ذلك الوقت كان ضحلا حتى يمكن الخوض فيه سيرا على الأقدام، وكأنما أدركت فراسة الداعية أن تلك الجزيرة المحاطة بالماء الذى سيفيض عما قليل وفقا لظاهرة المد فيتركه وحيدا بداخلها هى خير ملاذ للاختلاء بالنفس والتزود بوقود التنسك والزهد اللازم للحركة الدعوية فأسرع باجتياز الماء الضحل دالفا إلى الجزيرة الصغيرة يحوطها ماء عذب لسقياه ولصيد البحر وبها أشجار قد نبتت دون زارع لطعامه ولدوائه فسجد شاكرا لله ثم بدأ يستشعر ما فى الخلوة مع الله من مذاق لا يعرفه إلا من تزود منه والتذ به، كانت جدائل الشمس الذهبية تتباين ألوانها تباعا عند المغيب كاشفة عن قدرة الخالق العظيم جل جلاله تودع نهارها بالاختباء بين ذراعى المحيط الممتدة عبر الأفق الغربى، تعجب فى قرارة نفسه من جحود الإنسان لخالقه وعدوله عن منهجه القويم الذى ارتضاه لعباده كى يتحرروا من أسر شهواتهم ومن عبادة أمثالهم من العبيد الذين لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا ولا يهتدون سبيلا.. كى يتسقوا مع فطرتهم ومع هذا الكون بديع التناسق لا يشوهه ولا يخل بنظامه سوى ذلك المخلوق الجاحد الذى يعانى ويسبب المعاناة لغيره من المخلوقات حين ينحرف عن الصراط المستقيم إلى سبل متفرقة يتخبط فيها فلا يستقر ولا يهنأ إلا بالعودة إلى طريق الله (ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكا)..
ما أبدع الحياة فى معية الله، هكذا بدأ الداعية الأول صلى الله عليه وسلم وحيدا متنسكا ليتزود بوقود الدعوة (قم الليل إلا قليلا، نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا، إنا سنلقى عليك قولا ثقيلا، إن ناشئة الليل هى أشد وطئا وأقوم قيلا)، فى ليل الخلاء حيث يخيم الهدوء ويسكن الكون كله تحت ظلام دامس تسطع الأنوار من قلوب موحدة بالله متعلقة به ملتجئة إليه لا تروم عنه بديلا.. لا ترضى سواه ربا وإلها.. تنشد المدد الذى يعينها على وحشة الطريق وتكذيب المكذبين وإعراض المعرضين واستهزاء المستهزئين وإيذاء المجرمين (إنا سنلقى عليك قولا ثقيلا) إنه الجهاد الشاق منذ اللحظة الأولى (لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة) وهى المواجهة القادمة لا محالة لذا كان لابد من ابتلاء الداعية القائد كى يحمل الدعوة.. الحمل الثقيل.. فأنى له أن يحملها قبل اجتياز الاختبار الإلهى؟ القائد القدوة، هو اللبنة الأولى فى البناء، ثم تأتى من بعد ذلك بقية أحجار الأساس.. قاعدة البناء التى لا يجوز التهاون فى انتقائها واختبار صلابتها مرة بعد أخرى.. التى لا يجوز الترخص فى مكوناتها طمعا فى الكثرة العددية لكيلا يؤثر ذلك على متانة الأساس.. ثم تأتى سائر اللبنات، التوسع الجماهيرى الذى يجوز الترخص فى مواصفاته تبعا لمرحلة البناء.
ها هو القائد قد صهرته وأنضجته تجربة دعوية طويلة قاسية ودامية، ولكن أين القاعدة الصلبة التى سيقوم عليها البناء؟ لقد انفض الجميع! فى الغربة الأولى انتقلت الدعوة من غار حراء إلى دار الأرقم ابن أبى الأرقم حيث كانت اللقاءات بين القائد المربى وطلائع الدعوة.. الخامات الصالحة المنتقاة.. الأساس الصلب للبناء.. غرس اليد الكريمة التى تلقت العقيدة من نبع صافٍ وتمثلت لها حية فى شخصية نموذجية أُعدت للاقتداء، فأين تلك القاعدة فى الغربة الثانية؟ إنها العجلة والترخص فى الانتقاء تلك التى أسفرت عن هزيمة ساحقة لجماعة أهل الحق وعن التباس فى الحقائق وعن ازورار عن المنهج.. لم تكن مدينة الجماعة «أرتننى» تطبيقا سليما لنموذج «دار الأرقم» فقد كانت تستقبل كل الراغبين فى الانضمام للجماعة دون انتقاء ودون اختبار لذا فما أن جاءت الضربة الحقيقية حتى انفضوا بمثل ما تجمعوا ولو استمع إليهم ابن ياسين لأغروه بمهادنة القوم ومداهنتهم والتعاون معهم (ودوا لو تدهن فيدهنون) فتقع بينه وبينهم مساومة تخرج بدين الله عن حقيقته إلى صيغة ترضى الطرفين المتصارعين لكنها بأى حال لا ترضى الله ورسوله، ذاك هو الفارق بين منهج ومنهج.. بين الجيل الأول وجماعة أهل الحق.. بين دار الأرقم ومدينة أرتننى..
كلما أوغل الليل تلألأت أنوار اليقين داخل قلب ابن ياسين، أطال القيام فلما أن حان وقت السحر جلس يستغفر ربه ثم تساءل: أمن شمال النهر أبدأ أم من الجنوب؟ هاك يارب الداعى فأين المجيبون؟ تمثل نبى الله إبراهيم صلى الله عليه وسلم وحيدا فى واد غير ذى زرع إذ أمره ربه أن يؤذن فى الناس بالحج فقال: يارب كيف أبلغ الناس وصوتى لا ينفذهم؟ فأوحى له الله: ناد وعلينا البلاغ!
تردد رجيع صوته فى الجزيرة الصامتة مؤذنا فى خشوع لصلاة الفجر: الله أكبر.. الله أكبر، وفى الأفق لاحت خمسة أشباح غائمة تحث السير فى اتجاهه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.