تحدثنا على مدار اليومين السابقين عن مفهوم العلمانية وأوجه الصدام بين الإسلام والعلمانية، التى تتركز فى كل شعبة من شعب تعاليم الإسلام الأربع الرئيسية «العقائد، والعبادات، والأخلاق، والتشريع»، واليوم يواصل العلامة الدكتور يوسف القرضاوى رئيس الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين حديثه عن العلمانية. يشير القرضاوى الى تناقض تطبيق العلمانية مع الدستور، الذى ينص فى مادته الثانية على أن الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى لللتشريع، والمناداة بالعلمانية من وجهة نظره منافية له، وألمح إلى أن الدستور فى مادته يكفل الحرية الدينية لكل مواطن، والمسلم كما يقول القرضاوى إذا فرضت عليه العلمانية، فرض عليه أن يتحلل من دينه، وما يوجبه عليه ربه، وما تلزمه به شريعته. فبالعلمانية تلزم المسلم رغم أنفه أن يعطل ما فرضه الله عليه، وأن يرتكب ما حرم الله عليه، فلا يستطيع إذا كان حاكما (رئيسا أو وزيرا أو عضو مجلس تشريعى أو قاضيا) أن يحكم بما أنزل الله، كما أمره الله. ومعنى هذا أننا بالعلمانية نفرض عليه أن يتحدى ربه جهرة، بتعطيل أحكامه، فيوصم بالظلم، أو الفسوق، بنص القرآن، وإذا كان محكوما لم تمكنه العلمانية أن يحتكم إلى ما أنزل الله، وهو فرض عليه، لا خيار له فيه شرعا. وكذلك لا يستطيع أن يمارس إسلامه بحرية كافية، فالمعاملات الربوية المحرمة تحيط به من كل جانب، وراتبه نفسه مشوب بالربا، ومواقيت الصلاة لا تراعى فى عمله، وهو إذا رأى منكرا شائعا، لا يستطيع أن يغيره أو ينهى عنه، إذا كانت القوانين الوضعية تحميه، وكذلك إذا رأى فرضا مضيعا من فروض العين، أو فروض الكفاية، لا يستطيع أن يأمر به، وهو لا يستطيع أن يوالى أو يعادى على أساس العقيدة، لأن العلمانية ترفض العقيدة، أساسا للولاء والانتماء. ويقول القرضاوى فى نظرة استشرافية للمستقبل أن العلمانية لن يكون لها مكان فى الدول الإسلامية مثل مصر، ولن تنجح لأنها مناقضة لطبيعة الإسلام، الذى تدين به الشعوب المسلمة، ومناقضة لمفاهيمه وسلوكه وتاريخه، ولا يوجد أى مبرر لقيامها، كما وجد فى الغرب. وضرب مثالا بأبرز بلد إسلامى حكمته العلمانية، ونفذت فيه خططها، وضربت بيد من حديد كل من يقاومها، وخاضت فى ذلك بحرا من الدم، وهو: تركيا، بلد الخلافة الإسلامية الأخيرة، الذى قهره «أتاتورك» على تطبيق النموذج الغربى فى الحياة كلها، فى السياسة، والاقتصاد، والاجتماع، والتعليم والثقافة، وسلخه من تراثه، وقيمه، وتقاليده. وبالطبع كما يقول القرضاوى فإن الواقع الذى يشهده، كل من زار تركيا فى السنين الأخيرة، تشهد به المساجد المزدحمة بالمصلين والمدارس القرآنية ومعاهد الأئمة والخطباء، وانتشار الكتب الإسلامية، ويشهد به حال الأتراك الآن، الذى لا يخفى على أحد. ويخلص القرضاوى إلى أن العلمانية لن يكون لها مكان فى مصر، ولا فى ديار العروبة والإسلام، بأى منطق أو بأى معيار.. لا بمعيار الدين، ولا بمعيار المصلحة، ولا الديمقراطية، ولا الأصالة، وأن الشبهات التى أثارها العلمانيون، لا تقوم على ساق ولا قدم.