رغم مرور 36 عاما على حرب العاشر من رمضان، السادس من أكتوبر، ستظل الأجيال تلو الأجيال تحكى وتحكى، تتذكر تلك الأيام التى كانت علامة فارقة فى حياة المصريين والعرب، واليوم لن نستلهم الدروس والعبر كالمعتاد، لكننا نتوقف أمام رأى عالم كبير، يرصد الفرق بين نكبة 67 ونصر 73، وذكرياته من قطر، حيث مقر إقامته. الشيخ الدكتور يوسف القرضاوى الداعية الإسلامى الكبير، يقول فى مذكراته عن هذا اليوم «ما زلت أذكر هذا اليوم المشرق، وقد خرجت من درس العصر فى مسجد الشيخ خليفة، فإذا الأنباء المبشرة تستقبلنى، والهواتف تدق ولا تتوقف، للاتصال بى من هنا وهناك، مهنئة بما وقع، شاكرة لله تعالى، الذى صدق وعده، وأعز جنده، وهزم الظالمين وحده». ويضيف: «فى أول الأمر خفت أن نكون مخدوعين، كما خدع كثيرون أيام نكبة 5 يونيو 1967، فقد كانت القاهرة تذيع الأكاذيب على الناس، وتخدرهم بأخبار لا أساس لها: طائرات إسرائيلية تسقط بالعشرات، والحقيقة أن طائراتنا هى التى ضُربت فى مدرجاتها، ولم تطر حتى تسقط، ولكن كانت الشواهد كلها تؤكد أن هذه حقيقة وليس حلما، وأنه واقع وليس من نسج الخيال. «ألا ما أحلى مذاق النصر، خصوصا بعد تجرع مرارة الهزيمة المذلة من قبل! وللأسف طالت هزائم الأمة فى معارك شتى، وذرفت الدموع كثيرا على هزائمها، حيث لم تغنِ الدموع، وآن لها أن تجد مناسبة تفرح بها بعد حزن، وأن تضحك بعد طول بكاء». وبعد عبور القناة بسلام وأمان ونجاح، اقتحمت القوات المصرية ما عُرف باسم خط بارليف، الذى أقامته إسرائيل؛ ليكون حاجزا ترابيا بعد الحاجز المائى، وكانت العدة قد أعدت لتخطيه بإحكام ومهارة،وكان كل شىء مُعدا بجدارة وأناة وحكمة، ولم يكن هناك شىء مرتجل، وقام كل سلاح بدوره: سلاح المهندسين، وسلاح الفرسان والمدرعات، وسلاح الطيران، كل قام بما هيأ له، وما كلف به». وقد اختير التوقيت المناسب لبدء المعركة، والأهم من هذا كله كما يقول القرضاوى الروح المعنوية التى كان يحملها المقاتل المصرى، روح الإيمان بالله تعالى، وبأننا أصحاب الحق، فكان من ثمرات محنة 67 أنها أيقظت فى الناس المعنى الدينى،، والرجوع إلى الله، وبدأت حركة إيمانية قوية فى القوات المسلحة، وكان الحرص على إقامة الصلاة، وقام وعاظ الأزهر بدورهم فى التنبيه والإحياء، وكان هناك شعور عام بالحاجة إلى الله، والدعاء بنصر الله، فكان شعار المعركة «الله أكبر». ويضيف الشيخ القرضاوى «الجندى المصرى فى 73 هو نفسه فى 67 من حيث الشكل والمظهر، ولكنه غيره من حيث الباطن والجوهر، فالإنسان يقاد من داخله، لا من خارجه، ولا يقود الناس فى بلادنا شىء مثل الإيمان، ولا يحركهم محرك مثل الإيمان، وهذا ما لم تفهمه قيادة 67، فقد عزفوا على منظومة القومية، والاشتراكية، والثورية، فلم تحرك ساكنا، أو تنبه غافلا فى الجندى المصرى، أو الجندى العربى عموما». و«لكنك إذا حركته ب«لا إله إلا الله والله أكبر».. إذا رفعت أمامه المصحف، إذا قلت: يا ريح الجنة هبى، إذا ذكرته بالله ورسوله، وذكرته بالأبطال العظام: خالد وأبى عبيدة وسعد وطارق وصلاح الدين وعبدالقادر الجزائرى، وعمر المختار، دخلت فى أعماقه، وحركت حوافزه، وبعثت عزيمته، وهنا لا يقف أمامه شىء، إنه يصنع البطولات، ويتخطى المستحيلات؛ لأنه باسم الله يتحرك.