آمنت دائماً سواء بينى وبين نفسى أو حين أكون وسط الناس بأننى لست الأفضل ولا الأذكى أو الأكثر حكمة والأعمق تجربة.. وعندى شواهد وأسانيد ودلائل كثيرة تؤكد أننى لست حتى مرشحاً لأكون كذلك.. وإنما تعلمت من أساتذتى الرائعين والكثيرين أن أهم أدوارى وواجباتى كجرنالجى هو أن أُكثر من القراءة وأجيد الإصغاء للآخرين وأطيل التأمل والفكر ثم أطرح للناس رؤيتى التى ليست ملزمة لأحد وليست بالضرورة هى الصواب أو الحق المطلق.. والآن أخاطب الرئيس مبارك ورئيس الحكومة ووزير خارجيتها ورئيسى المجلس القومى للرياضة واتحاد كرة القدم.. أناشدهم جميعاً صرف النظر عن الدورة الكروية الودية التى يعتزمون إقامتها فى شهر يناير المقبل فى القاهرة لمنتخبات دول حوض وادى النيل.. فكل المبررات التى تقال لنا الآن عن الحكمة من وراء هذه الدورة وعن دواعى ومتطلبات إقامتها.. مبررات ليست مقنعة وليست كافية أيضاً.. صحيح أننى أشكر الجميع على هذا الالتفات.. حتى وإن جاء متأخراً.. لكرة القدم وضرورة استثمارها سياسياً واقتصادياً ودعائياً لمصلحة مصر فى أفريقيا.. إلا أننى فوجئت بهذا الالتفات يتخذ فجأة مثل هذا الشكل البدائى والساذج والخاطئ أيضاً.. فالاستثمار السياسى لكرة القدم.. وفى العالم كله.. أبداً لا يعنى إقامة وتنظيم واستضافة بطولات ودورات ومباريات رسمية أو ودية.. ولا أعرف من الذى أقنع المسؤولين فى بلدى بأنه لكى أكسب شعباً أو مجتمعاً.. أروح وألعب مع منتخب هذا الشعب كروياً وأفوز عليه أو أخسر منه.. اللعب فى هذه الحالة يخلق الحساسية لا الحب.. يخلق التوتر لا الصفاء.. والعالم لا يلجأ لهذا الفكر إلا حين تكون هناك حاجة لإنهاء قطيعة أو خصومة أياً كانت نتيجة اللعب.. الولاياتالمتحدة لعبت مع الصين لإزالة أسوار الكراهية والشكوك.. وإسرائيل الطامعة فى أن ننسى كراهيتنا لها تأمل فى أن تلعب معنا حتى لو خسرت لاختصار خطوات وجهود كثيرة.. ونجىء نحن نريد تطبيق ذلك مع دول حوض وادى النيل التى ليست بيننا وبينها أى قطيعة ولا أى من حالات الكراهية أو العداء أو تاريخ حافل بالدم والحرب والغضب.. وبالتالى لا يصبح اللعب مع منتخبات هذه الدول هو المصلحة التى تقتضيها وتحتاجها السياسة المصرية دفاعا عن مستقبل وحقوق مصر فى نهر النيل.. بل إن كرة القدم فى هذه الحالة قد تكون هى ما ينقص السياسة المصرية لتخسر النيل والمستقبل وبلدان الحوض وصداقتها.. تخيلوا منتخب مصر يلعب مع السودان أو إثيوبيا أو أوغندا.. ويفوز عليها.. أو يفوز أحدهم على مصر نتيجة قرار خاطئ لحكم أو أى شىء آخر.. تخيلوا إعلامنا الرياضى وكيف سيبدأ بمنتهى الهمة والنشاط العمل على فقدان هذه البلدان بلدا بعد آخر.. تخيلوا الحكمة التى غابت عن مسؤولينا وكأنهم لا يعيشون معنا فى بلد واحد.. وبالتالى هم لم يعرفوا أننا خسرنا الجزائر فى مباراة للكرة وكدنا أن نخسر تونس فى مباراة أخرى وأوشكنا أن نخسر السودان لمجرد أننا لعبنا هناك مباراة مع الجزائر.. ورغم كل ذلك.. حين نريد أن نكسب دول حوض وادى النيل.. نروح نقرر بمنتهى البساطة والسذاجة أيضاً اللعب مع منتخبات تلك البلدان.. وكأنه ليس هناك مسؤول واحد فى بلادنا قادر على تأمل ما الذى تقوم به إسرائيل فى أفريقيا وكيف تكسب هناك فى كل يوم بلداً جديداً فى أفريقيا دون لعب أى مباريات للكرة.. أو كأنه لا أحد وسط هؤلاء المسؤولين تأمل السياسة الكروية للولايات المتحدة أو فرنسا أو بريطانيا.. فلم تعد مباريات الكرة هى الوسيلة التى تعتمد عليها حكومات العالم فى مغازلة الشعوب.. إنما المساعدات الفنية والمادية والحفاوة بالمواهب الفقيرة هناك.. وأنا مع اتحاد كروى لدول حوض وادى النيل.. وبالحوار الكروى مع هذه الدول، لكنى لست مع الفوز عليها أو الخسارة أمامها فى مباريات للكرة.