لا أؤمن بنظرية المؤامرة لتفسير كل ما يجرى هنا أو هناك.. فنحن غالبا نلجأ لهذا التفسير التآمرى لكل ما يحدث لنا، لأن ذلك هو الأسهل والأسلم.. ولأنه يعفينا تماما من أى إحساس بالذنب والتقصير.. فنحن لا ننجح ولا نعرف أى استقرار ولا يكتمل لنا أى مشوار فقط لأن هناك من يتآمرون ضدنا.. وهكذا نعفى أنفسنا من أى مواجهة للذات بكل فشلنا وخطايانا وإهمالنا وننجح فى إقناع أنفسنا بأننا رائعون ومميزون لولا كل تلك المؤامرات.. وفى حقيقة الأمر نحن لا نحب هذه المواجهات إطلاقا.. ونحن أيضا آخر من يعترف بالأخطاء والفشل.. ومن المؤكد أن الشرطة المصرية تدفع ثمن كل ذلك.. ليس هناك من يتآمرون ضدها، لكن هناك كثيرين جدا ممن يتخذون قراراتهم بمنتهى الغفلة والسذاجة، فيكونون كمن يصب مزيدا من الزيت على نيران كراهية للشرطة، وخوف منها، لم تنطفئ بعد.. فأن يقرر أحدهم إصدار قانون لتنظيم التظاهر فى هذا الوقت بالتحديد.. هو إنسان قطعا يكره الشرطة إلى هذا الحد، وكأنه يزعجه أن تكتفى الشرطة بمواجهة مظاهرات الجماعة ومخططاتها، فقرر فجأة أن تواجه الشرطة أيضا فئات أخرى كثيرة وغاضبة بعيدا عن الجماعة.. وعلى الرغم من أن القانون المصرى يقل جدا فى ضوابطه وممنوعاته وصرامته عن قوانين مماثلة أمريكية وبريطانية وفرنسية.. إلا أن توقيت إصداره كان خاطئا ومربكا.. ويقول أهل السياسة إن القرارات الصحيحة إن صدرت فى الوقت الغلط تصبح كارثية مدمرة.. وهو ما جرى بالضبط مع قانون تنظيم التظاهر.. بل إن الأمر لا يقتصر على ذلك.. فالدكتور حسام عيسى، وزير التعليم العالى، يوافق، فى مثل هذه الأجواء الجامعية الساخنة والحافلة بالصدام والدم، على إقامة البطولة الرياضية للجامعات لتضطر الشرطة لتأمين بطولة وهمية أقيمت بنفس الفكر القديم الذى لم يكن يرى فى الرياضة إلا ساحة للتزييف وأداة لتجميل سياسات ووجوه تصلح للادعاء بأن كل شىء على ما يرام.. ثم يأتى الاتحاد المصرى لكرة القدم فيضيف نادى الزرقا إلى مجموعة القناة التى يلعب فيها نادى السويس.. ولأن المباراة الأخيرة بين السويس والزرقا الموسم الماضى شهدت أحداث عنف راح ضحيتها كثير جدا من المصابين مع تهديدات متبادلة ووعيد بالانتقام والثأر.. وهكذا لا ينتبه مسؤولو اتحاد الكرة ويجبرون الشرطة على مزيد من المواجهات الدامية مع الجميع.. هذا غير النادى المصرى الذى سيشارك فى الدورى المقبل ويلعب مبارياته فى السويس لتصبح كل مباراة للمصرى هناك بمثابة حرب جديدة ستخوضها الشرطة مع من تعرفهم أو تجهلهم من الخصوم والكارهين والأعداء.. وهنا يفرض سؤال ضرورى نفسه على الجميع وهو: هل يليق أن تبقى الشرطة تشارك فى دورى الكرة أو المسابقات الرياضية الرسمية بعد كل ما جرى فى السنوات الثلاث الماضية.. هل تحتاج وزارة الداخلية لهذه الفرق ولاعبيها ومدربيها وتنفق عليها من أجل اللعب أمام الأهلى والزمالك وبقية أندية الناس؟! فإن كان مسؤولو الدولة يخطئون فى قراراتهم أو توقيتها ليضاعفوا مساحة كراهية الناس للشرطة.. فإن مسؤولى الشرطة أيضا يشاركون فى هذه المأساة ويتمسكون بسياسات ومشاركات لا داعى لها أو ضرورة.