في الماضي البعيد كما في الايام الحاضرة ، هناك جيوش ، وحروب ، وأسلحة ، وهناك مطامع دائما . تحارب الجيوش الممالك والدول ، تقصف الاراضي وتزرعها بالخراب واليباب ، فلا تعود صالحة لاهلها ولا لأي شيء ، اين تذهب الحياة التي كانت في الانحاء ، الضجيج ، وقصص الحب ، والاطفال ، والصبايا الجميلات والامهات الموسومات دوما بالنبل والتضحية والصبر ؟ يذهبون ، يغادرون بصمت للسماء حاملين اسئلتهم وفزعهم ومواعيدهم التي لم تمهلهم الحروب للذهاب اليها ، وبعضهم يقطعون الارض ، يحفرونها بأقدامهم ، وبتركون على جوانب الارض اثار اقدام صغارهم علّهم ان عادوا ذات فجر بعيد يعرفون اراضيهم ، حين تضيء تلك الاثار على جوانب الارض ! اذا عاد هؤلاء ، فلن يعودوا متأبطين البراءة والاماني والاغنيات ، لن يعودوا ليغازلوا القمر في ليل الصحراء الحميم ، لن يعودوا حملانا تخاف الذئاب ، ولا عراة حفاة باكين كيوم خرجوا يقبضون اصابع امهاتهم ويتبعون خطى ما تبقى من الرجال ، سيعودون بشرا مختلفين تماما ، اقرب الى بشريتهم من انسانيتهم ، سيكون الرقص مع الذئاب امرا شائعا ، وتناهب الاراضي شائعا ،والوحشية دينا ، والجميع يتبادلون الادوار : دور الجلاد والضحية ، دور الذئب والنعاج ، وكل من ليس له ناب يتمنى ان يكون له ! لن يكون هؤلاء العائدون رجالا طيبين كآبائهم ، فالطيبة لم تحفظ الارض ولم تحفظ الحياة ، هذه الحروب البشعة التي نتفرج عليها عبر الشاشات ، لا تحدث تماما كما تعرض علينا ، ما يحدث هناك ابشع واكثر كذبا وبهتانا مما نتصور ، فلا احد يحارب لاجل ارض ولا كرامة ولا دين ، هؤلاء كانوا اول الكذبة ، لكنهم ذهبوا الى ثقوب الارض والسماء ، وبقي الكذب يملأ الارض والكلاب تنهشها ! هذا الشرق لا ينفعه وصفات الغرب ولا ادويتها ، لا يمكنه ان يتقاتل ويتحارب ، ثم يجلس ماسكا القلم الاحمر والازرق ليقسموا الخرائط والاراضي ، وبالشوكة والسكين يقتطعون اللحم ويمضون ممتلئين بالكذب والرياء ، هذا الشرق يعتدى عليه دوما ، يحاربه الغزاة من خارجه ، يطمعون دوما في خيراته كلها ، وينسون ان لعنته تظل تطاردهم حتى اخر السلالة ! لم يقرأ هؤلاء الذين يعايروننا باننا لا نقرأ وصايا الحكيم الصيني ( صن تسو ) : هناك طرق لا يسلكها المرء هناك جيوش لا يقاتلها المرء هناك مدن لا يهاجمها المرء … انهم اعتادوا على اعادة انتاج الوحشية والاخطاء والغباء !