… يصل سانديب الهند، وتغسله زوجته بنهر الغانج المقدس، عليه لعنة سانديب، لعنة الخيانة، لكنه سيتطهر منها بالمياه المقدسة وغفران الإله غانغا، هكذا تؤمن زوجته الهندوسية، وإن كانت تلك المياه متسخة، الملاريا لا شان لها بمياه النهر، والحمى التي أصيب بها سانديب لم تكن بداعي التلوث، إنما بداعي الشوق العظيم لسندو، محبوبة القلب البعيدة، التي إكتشف أنه يحبها حباً كبيراً ويشتاقها حد البكاء، ولم يكن ليخطر بباله بأنه يكن لها كل هذه المودة، لم يشعر بزوجته ولا بلطافتها ولا بالمجهود الكبير الذي بذلته مذ وطأت قدماه أرض الوطن، جل ما يبتغيه، رمل وبحر وسندو بقربه، ولكن كيف؟. ليعود وتتصاعد حرارته إثر نوبة فراق واشتياق. قامت شركة النقليات التي كان سانديب يعمل لديها بدفع ثمن تذكرة سفره، كما قامت بإلغاء إقامته، وامتنعت عن دفع تعويضه إذ أنه خالف قوانين الشركة، لا بل خالف القوانين المحلية وخدش الآداب العامة، إن إنهاء خدماته وترحيله بتلك الطريقة المفزعة لم يكن سوى حق مكتسب للشركة عليه، وليس تعسفاً باستخدام حق إنهاء الخدمات. لم يكن في جيب سانديب يوم مقابلة سندو وإلقاء القبض عليه بنصف الجرم المشهود سوى الثقب، مما تتطلب منه الانتظار في المطار إلى حين وصول أبهى زوجته لملاقاته بالمال المطلوب لحجز بطاقة القطار أولاً ومن ثم حافلة ركاب عامة تقلهما إلى البيت، إنها الهند، المساحات شاسعة، والتنقل سفر بحد ذاته. لكن لأبهى فكر وتفكر، لقد اعتادت اتخاذ قراراتها بنفسها قبل وبعد سفر سانديب إلى الخليج، وبرغم قسوة الهندوسية على المرأة فهي بالنهاية امرأة، لا يمكن لأي شيء تقييد قدرتها على التحليل والتفكير السليم، لقد مرت بسانديب بالنهر المقدس، واستطاعت تطهيره من الدنس، وهي بالطبع غفرت له، وإن لم تعامله بالمثل، فهي لم تخنه يوماً ولن تخون، لسبب بسيط جداً، أنها امرأة متدينة، تقية وتخاف ربها، وحين ترغب بممارسة العادة السرية، لن تحتاج لأكثر من أصابعها، الرجال هم على القلب ليس إلا، وما يعنيها هو حال الأربعة، الولد والبنات العازبات الثلاث، ألا يذهبوا بذنب أبيهم. عفريت سندو يجب أن يُحرق، تعد أبهى جلسة زار أو ما يشبه، تحضر فيه شيوخا مختصين بطرد العفاريت التي تتلبس الرجال كسانديب، سوف يرضخ لأمرها ويجلس في هذه الحلقة متلقياً القراءات والبخور والمياه التي أتت بها من الغانج نفسه، سيتطهر بمرور الوقت وسيبرأ من جنيته التي لن تقوى على مقاومة الرغبة الإلهية، أبهى هي الزوجة وهي من لها الحق، فهي بعده ستبقى وحيدة منتظرة الموت لأجل اللحاق به، لن تخونه ولو بزواج وإن كان ميتاً. سيحيى رغم هذه الحمى التي لا تفارقه، أعلم بأن سانديب لا يريد الشفاء، يحس بأن ناراً بداخله يرغب هو باستمرار اتقادها، الحرارة هي الخيط الرفيع التي مازالت تربطه بسندو، لا يريد قطعها، لا يقوى على قطعها قد يموت والغريق يتعلق بقشة. وأبهى لن تسحب منه هذه القشة دون تفكير، ستأخذ بيده ساحبة قشته بلطف وتؤدة، سانديب يجب أن يعيش فهي ليست بلعنة على الرجال كباقي الأرامل، لا تريد أن تكون منبوذة مبعدة في مدينة الأرامل تلك، لا تريد… صبي عالمة.