على الرّغم من أنّ شاوول (بولس) كان من مضطهدي الكنيسة بل بلغت قسوته ذروتها، إلّا أنّ هذا الأمر مبرّر بالنّسبة له، كونه ملتزماً بالشّريعة وغيوراً على الله. كان شاوول متمسّكاً بالحرف حتّى قتل به لا المسيحيين وحسب، بل قتل نفسه أوّلاً، وشوّه صورة الرّبّ فيها. " أمّا شاول فكان يسطو على الكنيسة، وهو يدخل البيوت ويجرّ رجالاً ونساء ويسلّمهم إلى السّجن" (أع 3:8). وكان يظنّ أنّه يدافع عن الله ويعبّر عن حبّ وإخلاص له. لكنّ الرّبّ فاحص القلوب يريد منّا حبّاً إلهيّاً لا بشريّاً. فالحبّ البشريّ يجنح إلى القسوة أحياناً إذا اعتقد الإنسان أنّه وحده يملك الحقيقة. وكلّ من يسلكون على مثال شاوول يعتقدون أنّهم يعرفون الحقيقة ويمتلكونها. بيد أنّ الحقيقة ليست ملك أحد، ولا يقوى أحد على الإحاطة بها في حروف لا يكمل معناها إلّا بنفحات الرّوح. ما سيعبّر عنه لاحقاً الرّسول بولس في رسالته الثّانية إلى أهل كورنثس: " ظاهرين أنّكم رسالة المسيح، مخدومة منا، مكتوبة لا بحبر بل بروح الله الحي، لا في ألواح حجرية بل في ألواح قلب لحمية" (3:3)/ "الحرف يقتل ولكنّ الروح يحيي" (6:3). وسيختبر بولس الحبّ الحقيقة بعد أن أغرقه الحبّ الجاهل لله في انعدام الإنسانيّة. شخصيّة شاوول تتناقض كليّاً مع شخصيّة بولس، وهذا الانتقال من شاوول إلى بولس، أي من الظّلمة إلى النّور يؤكّد فعل الحبّ الإلهي، ولكنّه يؤكّد أيضاً شجاعة بولس في مواجهة نفسه أمام الحقيقة والمضيّ قدماً نحو العيش فيها وتبليغها لجميع الأمم. ليس سهلاً أن يتبدّل الإنسان من ناحية طباعه وتأثير الخبرات الحياتيّة. ومن العسير أن يقتلع قسوة قلبه ليزرع مكانها قلب المسيح. لكنّ السّيّد الحاضر أبداً، الواقف على باب قلبنا يقرع باستمرار، يقوى بفعل الحبّ على انتشالنا من شقائنا الفكري والنّفسي والرّوحي، ليرفعنا إلى مستوى مجد حبّه الفائق التّصوّر. لم يعرف بولس المسيح كما الرّسل، لكنّه حياه كاملاً في كيانه الإنسانيّ. كذلك نحن على مثال بولس نؤمن ونجتهد لنبلغ كما هو ملء قامة المسيح.