لا اظن أن هناك إحصائية دقيقة تحدد عدد مستخدمي الفيس بوك في البلدان العربية، لكن من المؤكد أن عدد مرتاديه كبير جدا. فقد أصبح الفيس بوك المدونة اليومية التي نصب فيها كل ما يدورفي خلدنا، بل أصبح مجتمعنا الذي نلجأ إليه في كل ظروفنا الحياتية سواء كانت سعيدة أم حزينة، وذلك بالرغم من كل التحذيرات التي تؤكد أن الفيس بوك من أهم المواقع التي تخدم وكالات التجسس العالمية. وبالإطلاع على المنشورات اليومية التي تنشر في صفحات الفيس بوك يمكننا التعرف على على معظم ما يدور في مجتمعاتنا العربية من أحداث على جميع الأصعدة. فلم تترك المنشورات مادة إلا وقد تطرقت لها. فلو أخذنا مثلا المنشورات التي تخص الحالة الإجتماعية في بلادنا العربية لاستطعنا قراءة أحوالنا بالمجمل لأنها لم تترك مجالا اجتماعيا الا وقد تعرضت له. ومن أهم الأمور الإجتماعية التي نقرأها في صفحات الفيس بوك بشكل يومي تقريبا والتي آل بعضها إلى أن يتحول إلى ظاهرة إجتماعية ما يلي: المناسبات الإجتماعية كأعياد الميلاد ، حفلات الخطوبة، الزواج، التخرج، ارتياد المطاعم، حالات المرض، الوفاة، الرحلات، وغيرها. وبهذا نستطيع أن نجزم بأن الفيس بوك قد استطاع أن يخترق أبواب بيوتنا بأريحية كبيرة ليقتحم خصوصياتنا ودقائق حياتنا بالتفصيل سواء كان ذلك بقصد منا أو من دون قصد. وقد يعزى الشروع بنشر مثل هذه المواضيع إلى عدة عوامل: منها الظروف السياسية السيئة التي تمر بها بلادنا بعد موجة ثورات ما يسمى بالربيع العربي الذي لم يخلف وراءه سوى الدماء والدمار والجثث، والذي جعلنا جميعا نعيش في غربة قاسية سواء كنا في داخل الوطن أو خارجه. بيد أن نشر هذه المناسبات يخفف عنا ألم هذه الغربة، فنستأنس بتواجد الأصدقاء مما يدخل إلى نفوسنا بعض الراحة ويشعرنا بأننا ما زلنا على تواصل مع هذه البشرية التي باتت عرضة الى الإنقراض. ومن العوامل المساعدة على نشر هذه المواضيع أيضا ،التنفيس لعشاق المظاهر الذين لا يتركون صغيرة أو كبيرة إلا وقد وضعوها من خلال الصور. فهناك من يعرض صورا لسيارته الجديدة وهناك من يعرض آخر المدن التي زارها أو بعض المقتنيات التي حصل عليها وغير ذلك. وبالطبع لا يمكن التعميم كما دوما، إذ أن لكل نفس ميولها التي لا نستطيع التعرف على حقيقتها إلا عن قرب. فهل وصلت الغربة بنا إلى أن تجد الصور طريقها إلى كل صغيرة وكبيرة في حياتنا. لدرجة أن بعضنا يلتقط الصور على سرير المرض بقصد الدعاء له بالشفاء. أما في مجال السياسة فقد استطاع الفيس بوك كشف البنية النسيجية الهشة التي تعاني منها مجتمعاتنا العربية. إضافة الى كشف حقيقة الاختلاف الفكري الكبير بين ما يدعون أنفسهم بالمثقفين. فالمقالات السياسية تتشتت بأهدافها وقد تمشي على حذى خطوط متوازية من المستحيل التقاؤها بالرغم أن الجميع يقبع تحت نفس الظروف، فيبدو لنا من خلالها أن الأفكار مشتتة وأن كل يغني على ليلاه. إذ لا يوجد هدف سياسي مشترك تقوم عليه أفكارهم مما أفقدها المصداقية وبالتالي المتابعين. أما على مستوى الصفحات الشخصية، فيتفنن الجميع بالتنوع في الشتائم والمسبات والتخوين. كما تكثر المجموعات السياسية التي توضح طبيعة ثقافة شعوبنا المنحدرة في الحضيض، وتبين مدى تشتت كلمتنا واختلاف توجهاتنا السياسية التي بدلا من أن تثمر عن تنوع وازدهار، تقوم بدور عكسي يعمل على تفتيت مجتمعاتنا وإضعافها إلى أقصى الحدود. أما في الشأن الديني فقد انتشرت الصفحات الدينية في هذا العالم الأزرق كما يحلو للبعض أن يسميه التي تنشر أفكار علماء الدين والشيوخ باختلاف مذاهبهم وأصبح كل شيخ يفتي على ليلاه، وكل يحلل ويحرم حسب أهوائه وحسب الجهة التي تموله مما أضاع هيبة معظم الشيوخ وأصبحت مسبتهم أمرا مستساغا بعد أن كان للشيوخ وعلماء الدين هيبتهم وكلمتهم المسموعة. وكما دوما لا نعمم. ويتشابه الحال في عالم الثقافة والأدب والأدباء، لقد أتاح الفيس بوك الفرصة للجميع بالكتابة، فاعتقد كل من كتب جملتين أنه الشاعر الهمام. فبتنا نرى معظم الأسماء وقد سبقها لقب شاعر وأديب وروائي. كما انتشرت االمجموعات الادبية بأعداد مهولة، ونشأت الندوات الأدبية التي تقوم على المجاملات والمحسوبيات والمصالح فلم يعد للأدب هيبته ولم يعد للشعر مكانته المرموقة. وانعكس الأمر على الكتب الأدبية والدواوين الشعرية المطبوعة التي ستبكي رفوف المكتبات لاحتوائها. حتى من يسمون أنفسهم أدباء الأمة، لم يستطيعوا أن يكونوا القشة التي تعلق بها الغريق ،بل كانوا انعكاسا مشابها لانحدار مجتمعاتنا فبدلا من المناظرات الشعرية بتنا نستمع إلى عبارات الردح والشتائم الناتجة عن الخلافات الشخصية التي تعزى أسبابها إلى الغيرة والحقد والحسد. لكن رغم كل هذه السلبيات لا شك أن للفيس بوك ايجابياته، فانتقاء قائمة الأصدقاء بدقة قد تنتج فكرا جديدا ينتشل هذه الأمة من الضلال التي أغرقها. إذ أن هناك العديد من الروابط الأدبية التي يشهد لها بالنزاهة ورقي الفكر . كما أن هناك مجموعات أدبية ترتقي بقرائها ومرتاديها. أيضا هناك الكثير من المقالات الإصلاحية في علوم النفس والإجتماع والتنمية البشرية التي تساهم في التوعية وإنشاء جيل يحمل ثقافات تنموية قد يكون لها دورها في انتشال مجتمعاتنا من الوحل الذي أغرقها. فيس بوك سعيد للجميع… هناء عبيد شيكاغو-امريكا