أبو الطيب هو أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي الكندي ولد بالكوفة سنة \ 303 هجرية – 915 ميلادية و نسب إلى قبيلة كندة نتيجة لولادته بحي تلك القبيلة في الكوفة . كان أبوه سقاءاً يسقي الماء لأهل الكوفة وقد نشأ طموحا جدا ذو نفسية ثورية وامل قوي .عزم منذ البداية وهو طفل الى مناه ومن سار على الدرب وصل. وتوفيت امه وهو صغير فاهتمت بتربيته جدته لامه فلما توفيت جدته رثاها بافضل رثاء مبينا ما في نفسه : أَلا لا أَرى الأَحداثَ حَمدًا وَلا ذَمّا فَما بَطشُها جَهلاً وَلا كَفُّها حِلما إِلى مِثلِ ما كانَ الفَتى مَرجِعُ الفَتى يَعودُ كَما أُبدي وَيُكري كَما أَرمى لَكِ اللهُ مِن مَفجوعَةٍ بِحَبيبِها قَتيلَةِ شَوقٍ غَيرَ مُلحِقِها وَصما أَحِنُّ إِلى الكَأسِ الَّتي شَرِبَتْ بِها وَأَهوى لِمَثواها التُرابَ وَما ضَمّا بَكَيتُ عَلَيها خيفَةً في حَياتِها وَذاقَ كِلانا ثُكلَ صاحِبِهِ قِدما وَلَو قَتَلَ الهَجرُ المُحِبّينَ كُلَّهُمْ مَضى بَلَدٌ باقٍ أَجَدَّتْ لَهُ صَرما مَنافِعُها ما ضَرَّ في نَفعِ غَيرِها تَغَذّى وَتَروى أَن تَجوعَ وَأَن تَظما عَرَفتُ اللَيالي قَبلَ ما صَنَعَتْ بِنا فَلَمّا دَهَتني لَم تَزِدني بِها عِلما و فطن إليه أبوه منذ الصغر فاجراه إلى كتاتيب الكوفة ومجالسها وكانت الكوفة يومذاك جامعة العلم والثقافة والادب فتعلم القراءة والكتابة وأحب مجالس الأدب والشعر وكان ذا فكر وقاد وقريحة ثاقبة وحافظة عجيبة فحفظ الشعر تعلم العربية وأصولها ثم رحل في صباه إلى بادية السماوة ليتعلم اللغة الفصحى البعيدة عن اللحن وبقي فيها سنين تعلم الكرم الشجاعة والشهامة العربية وحدة المزاج واحب الحرية حتى عاد إلى الكوفة وكأنه بدوي صميم . نشأ أبو الطيب في فترة تفككت فيها الدولة العباسية ونشوء الدويلات الاسلامية وتناثرها . تلك الدويلات التي نخرت جسم الدولة العباسية وقامت على اجزاء قسم منها بعد نضج حضاري وصل الى منتهاه وتصدعات سياسية وتوترات وصراعات شديدة عاشها العرب والمسلمون. وقيل كني ب ( المتنبي ) لقوله قصيدته الدالية منها : مَا مُقامي بأرْضِ نَخْلَةَ إلاّ كمُقامِ المَسيحِ بَينَ اليَهُودِ لا بقَوْمي شَرُفْتُ بل شَرُفُوا بي وَبنَفْسِي فَخَرْتُ لا بجُدودِي وبهمْ فَخْرُ كلّ مَنْ نَطَقَ الضّا دَ وَعَوْذُ الجاني وَغَوْثُ الطّريدِ إنْ أكُنْ مُعجَباً فعُجبُ عَجيبٍ لمْ يَجدْ فَوقَ نَفْسِهِ من مَزيدِ أنَا تِرْبُ النّدَى وَرَبُّ القَوَافي وَسِمَامُ العِدَى وغَيظُ الحَسودِ أنَا في أُمّةٍ تَدارَكَهَا اللّ هُ غَريبٌ كصَالِحٍ في ثَمودِ الخلافة في بغداد انحسرت هيبتها والسلطان الفعلي اصبح في أيدي الوزراء وقادة الجيش ومعظمهم من الاعاجم غير العرب. ثم ظهرت الدويلات والإمارات المتصارعة في بلاد الشام وغيرها وتعرضت الدولة الاسلامية لغزوات الروم والصراع المستمر على الثغور الإسلامية ثم ظهرت الحركات الدموية في العراق مثل حركة القرامطة في الخليج العربي والبحرين وهجماتهم على الكوفة والمدن العربية الاخرى وقد قيل انهم هجموا على مكةالمكرمة واستحلوا الكعبة واخذوا الحجر الاسود معهم وبقي عندهم احدى عشرة سنة . و كان لكل أمير في الكيانات السياسية المتنافسة ولكل وزير مجلس يجمع فيه الشعراء والادباء والعلماء يتفاخرون بينهم ويتنافسون كوسيلة وصلة بينهم وبين الحاكمين لهذه الدويلات والمجتمع فمن انتظم في هذا المجلس أو ذاك من الشعراء أو العلماء يعني اتفق وإياهم على إكبار هذا الأمير الذي يدير هذا المجلس او الوزير . فالشاعر الذي يختلف مع الوزير في بغداد مثلاً يرتحل إلى غيره فإذا كان شاعراً معروفاً استقبله المقصود الجديد وأكبره لينافس به خصمه أو ليفخر بصوته. و كانت نشأة أبي الطيب بفكره الوقاد فوعى ذكائه الفطري وطاقته المتفتحة حقيقة ما يجري حوله فأخذ بأسباب الثقافة مستغلاً شغفه في القراءة و قوة الحفظ لديه فكان له شأن كبير في مستقبل الأيام أثمر في عبقرية في الشعر العربي. فأعلن عنها في شعره تلميحاً وتصريحاً وقد نصحه بعض اصدقائه وحذره من مغبة أمر نفسيته المتعالية وطموحه الشديد حذروه من ذلك ومنهم أبو عبد الله معاذ بن إسماعيل فلم يستمع المتنبي لاحد فانتهى به الأمر إلى السجن. وقد تفتحت منابع الشعر فيه من مناهلها الأولى منذ الطفولة المتنبي هذا ذو النفسية العالية المتكابرة كان يرى كل الناس اقل منه شأنا وانه يرى نفسه أفضل من الملوك والامراء وأولادهم في ملكهم ومن عروشهم غير هياب من احد انظر إليه في شبابه يقول:- أي محل ارتقي أي عظيم اتقي وكل ما خلق الله وما لم يخلق محتقر في همتي كشعرة في مفرقي لذا حقد على كل شيء في الزمن لعدم نيله ما يختلج في نفسه من امانيه الواسعة وتمرد على دهره وعلى المجتمع والظلم الاجتماعي المخيم على الناس في حينه ويعود ذلك الى نفسه المجبولة على التمرد والثورة وحبه لذاته واعجابه المتغطرس بنفسه المتعالية اولا وللافكار القرمطية التي تفهمها وكانت سائدة انذاك ثانيا هذه الافكار التي تحمل الردة على الدين والثورة على الاوضاع الاجتماعية السائدة يومذاك والتي لاقت صدى واسعا في نفسية هذا الشاب المراهق المتمرد على كل شىء فكان من دعات الحركة القرمطية . الا انه بعد جلاء القرامطة عن الكوفة توجه الى بغداد حاضرة الدنيا وعاصمة الخلافة لكنه لم يستقر بها . فسافر الى الشام سنة\ 321 وساح في البادية وفي نفسه ميل للفكر القرمطي متكسبا بشعره ليعيش فيه حيث ذاع صيته في الشام وحين وصل الى حلب وكان خبره قد انتشر بها من أنه شاعر فذ وانه قرمطى الافكار و انه قدم لبث الدعاية لهذا المذهب . فقبض عليه واودع السجن وكانت حلب يومذاك تحت سيطرة الاخشيد وواليها ابو لؤلو الغوري ولبث في السجن مدة مكابرا متعاليا متمسكا بافكاره وارائه الا ان طول مكوثه في السجن و تعرضه للمرض اذل جماح نفسه المتمرده فطلب العفو وثاب الى رشده وكان الوالي الجديد لحلب (اسحاق بن كيغلغ ) فاطلق سراحه على شرط ان يغادر حلب ولا يبق بها ابدا بقي ابو الطيب متجولا في الشام متكسبا بشعره مادحا هذا وذاك ممن يراهم دونه حتى كره هذه الحياة وبغضها وقد لبث في ا نطاكية اربع سنوات ثم غادرها ساخطا على نفسه ودهره وانحدر نحو الجنوب الى طبرية فاتصل هناك ببدر بن عمار واليها ومدحه وفي مدحه له يقول : وقَطَعْتُ في الدّنْيا الفَلا ورَكائِبي فيها وَوَقْتيّ الضّحَى والمَوْهِنَا فوَقَفْتُ منها حيثُ أوْقَفَني النّدَى وبَلَغْتُ من بَدْرِ بنِ عَمّارَ المُنى لأبي الحُسَينِ جَداً يَضيقُ وِعاؤهُ عَنْهُ ولَوْ كانَ الوِعاءُ الأزْمُنَا وشَجاعَةٌ أغْناهُ عَنْها ذِكْرُها ونَهَى الجَبَانَ حَديثُها أن يجُبنَا نِيطَتْ حَمائِلُهُ بعاتِقِ مِحْرَبٍ ما كَرّ قَطُّ وهَلْ يكُرُّ وما کنْثَنَى فكأنّهُ والطّعْنُ منْ قُدّامِهِ مُتَخَوِّفٌ مِنْ خَلفِهِ أنْ يُطْعَنَا نَفَتِ التّوَهُّمَ عَنْهُ حِدّةُ ذِهْنِهِ فقَضَى على غَيبِ الأمورِ تَيَقُّنَا يَتَفَزّعُ الجَبّارُ مِنْ بَغَتاتِهِ فَيَظَلّ في خَلَواتِهِ مُتَكَفِّنَا أمْضَى إرادَتَهُ فَسَوْفَ لَهُ قَدٌ واستَقرَبَ الأقصَى فَثَمّ لهُ هُنَا يَجِدُ الحَديدَ على بَضاضةِ جِلْدِهِ ثَوْباً أخَفَّ مِنَ الحَريرِ وألْيَنا وكان هذا واليا عباسيا بعد ان طرد العباسيون الاخشيد من ارض الشام ولما كثر حساد ابو الطيب على حضوته لدى بدر وكثرة الوشايات وخال المتنبي نفسه في مازق فر من طبرية عائدا الى انطاكية واتصل بابي العشائر الحمداني والي انطاكية من قبل الامارة الحمدانية فكان سببا في اتصاله بامير الدولة الحمدانية حيث توجه الى حلب مقا م الامارة الحمدانية في سنة \337 هجرية. انقطع المتنبي الى مدح سيف الدولة الحمداني وكانت شهرته قد طبقت الافاق وقد اناله هذا الامير منزلة عظيمة منها انه كان ينشد شعره في حضرة الامير جالسا ووهبه ما لم يهب احدا من الشعراء من قبله لا بعده فعاش بترف ورفاه وكانا في عمر واحد تقريبا وأحب المتنبي سيف الدولة لمكانته الكبيرة عنده طيلة مكوثه عنده وقد منح الشاعر سيف الدولة قصائد في المدح والفخر خلدت ذكراه على مدى العصور وستبقى .. حيث قال فيه ما لم يقله شاعر في خليفة او امير ومدح المتنبي سيف الدولة ما لم يمدح شاعر خليفة او اميرا مثلما مدحه يقول:- وقفت وما في الموت شك لواقف كأنك في جفن الردى وهو نائم تمر بك الابطال كلمى هزيمة ووجهك وضاح وثغرك باسم تجاوزت مقدار الشجاعة والنهى الى قول قوم انت بالغيب عالم ولست مليكا ها زما لنظيره ولكنك التوحيد للشرك هازم تشرف عدنان به لا ربيعة وتفخر الدنيا به لا العواصم أصبح المتنبي من شعراء بلاط سيف الدولة في حلب الذي أجازه على قصائده بالجوائز السنية وقربه إليه فكان من أخلص خلصائه وكان بينهما مودة واحترام وخاض معه المعارك ضد الروم وتعد قصائده السيفية أصفى شعره واسماه . غير أن المتنبي حافظ على عادته في أفراد الجزء الأكبر من أي قصيدة يقولها لنفسه وتقديمه إياها على ممدوحه لكبريائه وهوى نفسه وحبه لهذه النفس المكابرة . فكان أن حدثت بينه وبين سيف الدولة فجوة دخل منها منافسوه واعداؤه وقد كثروا في بلاط سيف الدولة. و ازداد أبو الطيب اندفاعاً وكبرياءا واستطاع في حضرة الامير سيف الدولة في حلب أن يلتقط أنفاسه وظن أنه وصل إلى شاطئه الأفضل وعاش مكرماً عزيزا مميزاً عن غيره من الشعراء في حلب. وهو لا يرى إلا أنه نال بعض حقه ومن حوله يظن أنه حصل على أكثر من حقه. وظل يحس بالظمأ إلى ما تصبو اليه نفسه من مدارج المجد الذي لا يستطيع هو نفسه أن يتصور حدوده إلا أنه كان مطمئنا إلى إمارة حلب العربية الذي يعيش في ظلها وإلى أمير عربي يشاركه طموحه وإحساسه. وسيف الدولة يحس بطموحه العظيم ويتفهم ما في نفس شاعره وقد ألف هذا الطموح وهذا الكبرياء منذ أن طلب منه أن يلقي شعره قاعداً وكان الشعراء يلقون أشعارهم واقفين بين يدي الأمير واحتمل أيضاً هذا التمجيد لنفسه ويضعها أحياناً بصف الممدوح إن لم يرفعها عليه. ولربما احتمل الامير على مضض تصرفاته العفوية إذ لم يكن يحس مداراة مجالس الملوك والأمراء فكانت طبيعته على سجيتها في كثير من الأحيان.الا انه في بعض المواقف القليلة التي كان المتنبي مضطرا لمراعاة الجو المحيط به فقد كان يتطرق إلى مدح آباء سيف الدولة في عدد من القصائد لكن ذلك لم يكن إعجابا بالأيام الخوالي وإنما وسيلة للوصول إلى ممدوحه إذ لا يمكن فصل الفروع عن الاصول كقوله: من تغلب الغالبين الناس منصبه ومن عدّي أعادي الجبن والبخل ان طول بقائه وحضوته الكبير ة اكثر الحساد والاعداء بحيث اوغروا قلب سيف الدولة عليه فجفاه وتغير عليه ولم يترك المتنبي هذه الحالة فشكاها الى سيف الدولة في شعره مرات واستنجد به منهم عليهم ورجاه عدم سماع الوشايات الكاذبه يقول: ازل حس الحساد عني بكبتهم فانت الذي صيرتهم لي حسدا والشاعر المتنبي معتد معتز بنفسه تجد ذلك في في اغلب قصائده ومنها قصيدته الميمية المشهورة والتي انتشرت على كل لسان نظمها في مدح سيف الدولة وفخر بنفسه فيها واشار الى حساده واعداءه فيها يقول :- أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي و أسمعت كلماتي من به صمم أنام ملء جفوني عن شواردها ويسهر الخلق جراها ويختصم و جاهل مده في جهله ضحكي حتى أتته يد فراسة وفم إذا رأيت نيوب الليث بارزة فلا تظنن أن الليث يبتسم و مهجة مهجتي من هم صاحبها أدركته بجواد ظهره حرم رجلاه في الركض رجل واليدان يد وفعله ما تريد الكف والقدم ومرهف سرت بين الجحفلين به حتى ضربت وموج الموت يلتطم الخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم وكان اخر عهده بسيف الدولة الحمداني مجلسه بمناظرة لغوية بينه وبين (ابن خالويه ) النحوي المعروف الذي شج وجهه بمفتاح كان معه بعد غلبة المتنبي له واجرى دمه امام مرآى ومسمع سيف الدولة ولم يحرك سيف الدولة ساكنا فغضب المتنبي وترك المجلس وولى مغادرا حلب سنة\ 346 هجرية فتوجه الى دمشق ثم الى الفسطاط بمصر قاصدا الاخشيد بعد ان اغروه الاخشيد واطمعوه بالولاية ان قدم هو اليهم . فذهب اليهم ومدح كافورا الاخشيدي الذي كان اميرا على راس الدولة الاخشيدية في مصر يقول : قواصد كافور توارك غيره ومن قصد البحر استقل السواقيا فجائت بنا انسان عين زمانه وخلت بياضا خلفها وماءقيا وظل يمدحه مدة من الزمن ويشعره في مدحه بما وعده به : أبا المسك ، هل في الكأس فضلٌ أناله فإني أغني منذ حين وتشرب ويقول مذكرا اياه ما وعده ايضا : وهل نافعي أن ترفع الحجب بيننا ودون الذي أملت منك حجاب وفي النفس حاجات وفيك فطانة سكوتي بيان عندها وجواب لكنه لما يئس من حصوله على ما يريد .عزم على السفر فاستاذن الامير كافور في سفر ه فلم ياذن ل ه وشدد عليه . الا انه استطاع مغادرة مصر خلسة والناس مشغولون بافراح عيد الاضحى وقال يومها قصيدته الشهيرة التي ضمنها ما بنفسه من مرارة على كافور وحاشيته والتي كان مطلعها: عيد بأية حال عدت يا عيد بما مضى أم لأمر فيك تجديد أما الأحبة فالبيداء دونهم فليت دونك بيدا دونها بيد وفي القصيدة هجوم شديد على كافور وأهل مصر بما وجد منهم من إهانة وحط من منزلته وطعنا في شخصيته ثم إنه بعد مغادرته لمصر قال قصيدةً يصف بها منازل طريقه وكيف أنه قطع القفار والأودية المهجورة التي لم يسلكها أحد وفي مطلعها يصف ناقته : ألا كل ماشية الخيزلى فدى كل ماشية الهيذبى وكل نجاة بجاوية خنوف وما بي حسن المشى ضربت بها التيه ضرب القما رِإما لهذا وإما لذا إذا فزعت قدمتها الجياد وبيض السيوف وسمر القنا وفيها يصف منازل طريقه: وجابت بُسيطة جوب الرَّداء بين النَّعَام وبين المها إلى عُقدة الجوف حتى شَفَت بماء الجُرَاوِيّ بعض الصدا ولاحَ لها صورٌ والصَّبَاح ولاحَ الشَّغور لها والضَّحَى وبعد سفره هجا كافورا هجاءا مقذعا وصب عليه خزي الدهر كله وكذلك الشعراء اذا ما غضبوا يفعلون يقول: امينا واخلافا وغدرا وخسة وجبنا اشخصا لحت لي ام مخازيا تظن ابتساماتي رجاءا وغبطة وما انا الا ضاحك من رجائيا وتعجبني رجلاك في النعل انني رايتك ذا نعل اذا كنت حا فيا توجه المتنبي بعد هروبه من مصر الى الكوفة مسقط راسه وفي الكوفة شارك في قتال القرامطة الذين كان من دعاة مذهبهم في صباه ثم قصد بغداد ولبث فيها اشهرا ثم غادرها الى الاحواز فمدح فيها ابن العميد : نسيت وما أنسى عتاباً على الصّدّ ولا خفراً زادت به حمرة الخدّ الابيات : يَحيدونَ عن هَزْلِ المُلُوكِ إلى الذي تَوَفّرَ مِن بَينِ المُلُوكِ على الجِدِّ وَمَن يَصْحَبِ اسمَ ابنِ العميدِ محَمّدٍ يَسِرْ بَينَ أنْيابٍ الأساوِدِ وَالأُسْدِ يَمُرُّ مِنَ السّمِّ الوَحيِّ بِعَاجِزٍ وَيَعْبُرُ مِنْ أفواهِهِنّ عَلى دُرْدِ كَفَانَا الرّبيعُ العِيسَ من بَرَكاتِهِ فجاءتْهُ لم تَسمَعْ حُداءً سوَى الرّعدِ إذا ما استَجَبنَ الماءَ يَعرِضُ نَفْسَهُ كَرِعْنَ بِسِبْتٍ في إنَاءٍ من الوَرْدِ كأنّا أرَادَتْ شُكرَنا الأرْضُ عندَهُ فَلَمْ يُخْلِنا جَوٌّ هَبَطْناهُ من رِفدِ لَنَا مَذْهَبُ العُبّادِ في تَرْكِ غَيرِهِ وَإتْيَانِهِ نَبْغي الرّغائِبَ بالزّهْدِ رَجَوْنَا الذي يَرْجُونَ في كلّ جَنّةٍ بأرْجانَ حتى ما يَئِسنَا من الخُلْدِ ثم تلقى رسائل من عضد الدولة يرجوه التوجه اليه فذهب ومدحه وظل مدة بشيراز ثم استاذن وغادر شد رحاله الى بغداد يقول بقصيدة يمدحه ويودعه فيها ومطلعها : فِداً لَكَ مَن يُقَصِّرُ عَن مَداكا فَلا مَلِكٌ إِذَن إِلّا فَداكا منها هذه الابيات : وَلَو أَنّي اِستَطَعتُ خَفَضتُ طَرفي فَلَم أُبصِر بِهِ حَتّى أَراكا وَكَيفَ الصَبرُ عَنكَ وَقَد كَفاني نَداكَ المُستَفيضُ وَما كَفاكا أَتَترُكُني وَعَينُ الشَمسِ نَعلي فَتَقطَعُ مِشيَتي فيها الشِراكا أَرى أَسَفي وَما سِرنا شَديداً فَكَيفَ إِذا غَدا السَيرُ اِبتِراكا وَهَذا الشَوقُ قَبلَ البَينِ سَيفٌ فَها أَنا ما ضُرِبتُ وَقَد أَحاكا إِذا التَوديعُ أَعرَضَ قالَ قَلبي عَلَيكَ الصَمتُ لا صاحَبتَ فاكا وَلَولا أَنَّ أَكثَرَ ما تَمَنّى مُعاوَدَةٌ لَقُلتُ وَلا مُناكا قَدِ اِستَشفَيتَ مِن داءٍ بِداءٍ وَأَقتَلُ ما أَعَلَّكَ ما شَفاكا فَأَستُرُ مِنكَ نَجوانا وَأَخفي هُموماً قَد أَطَلتُ لَها العِراكا إِذا عاصَيتُها كانَت شِداداً وَإِن طاوَعتُها كانَت رِكاكا وَكَم دونَ الثَوِيَّةِ مِن حَزينٍ يَقولُ لَهُ قُدومي ذا بِذاكا وَمِن عَذبِ الرُضابِ إِذا أَنَخنا يُقَبِّلُ رَحلَ تُروَكَ وَالوِراكا يُحَرِّمُ أَن يَمَسَّ الطيبَ بَعدي وَقَد عَبِقَ العَبيرُ بِهِ وَصاكا والتقى فيه بمنتصف الطريق في قرية الصافية قرب النعمانية من اعمال واسط فاتك الاسدى واعراب من جماعته وكان المتنبي قد هجاه وجدته ووسمها بالطرطبة : ما أَنصَفَ القَومُ ضَبَّةْ وَأُمَّهُ الطُرطُبَّةْ رَمَوا بِرَأسِ أَبيهِ وَباكَوا الأُمَّ غُلُبَّةْ فَلا بِمَن ماتَ فَخرٌ وَلا بِمَن نيكَ رَغبَةْ وَإِنَّما قُلتُ ما قُل تُ رَحمَةً لا مَحَبَّةْ وَحيلَةً لَكَ حَتّى عُذِرتَ لَو كُنتَ تيبَه وَما عَلَيكَ مِنَ القَت لِ إِنَّما هِيَ ضَربَةْ وَما عَلَيكَ مِنَ الغَد رِ إِنَّما هُوَ سُبَّةْ وما في هذه القصيدة من الكلام الفحش بحيث نال من عرضه ووصمه او صب عليه عار الدهر كله . فقاتله فاتك الاسدي ومعه اخرين من جماعته واقاربه حتى قتله مع ولده وغلمانه ونهبوا اموالهم وكان مصرعه بالقرب ديرالعاقول جنوببغداد وكان ذلك سنة \354 هجرية الموافق في يوم 23 \ ايلول سبتمبر \ 965 ميلادية . ابو الطيب شاعر العربية الاكبر ولم تنجب الامة العربية شاعرا مثله جمع بين الشعر والعاطفة والحكمة والخيال والعلم واللغة والبلاغة وروحه الشعرية شذية فواحة غلابة وكانت عواطفه هي الدم في جسد قصائده فكسبتها الحياة الابدية والروعة والجمال والكمال فهو ذو شاعرية فريده وهو شاعر العربية بلا منازع . مذهبه الشعري عجز الشعراء ان ياتوا بمثله او مجاراته حتى عد شاعر العربية الاكبر حتى قيل المتنبي (مالئ الدنيا وشاغل الناس ) فديوانه في كل مكتبة صغيرة اوكبيرة اوقل في كل بيت و دار واشعاره على كل لسان ولم يحض شاعر حضوة مثل حضوته فقد سار شعره في الافاق مثل اشعة الشمس وذلك يعود لسببين : الاول : رعاية الملوك والامراء له وعنايتهم به وبشعره الذي خلدهم بمدحه . والثاني: قوة شاعريته وتظلعه في اللغة والادب فقد خاض المتنبيى كل فنون الشعر وابدع فيها فكان شعره تصويرا لحياة عصره وما فيه ومن اهم الاغراض التي قال فيها واكثر : المديح والفخر –:حيث مدح عددا من الامراء والقادة وخص مدحه سيف الدولة الحمداني وهو الاغلب ثم كافور الاخشيدي ثم مدح ابن العميد ثم عضد الدولة بشيراز ومن مدحه لسيف الدولة يقول: عَلَى قَدرِ أَهلِ العَزمِ تَأتِي العَزائِمُ وتَأتِي عَلَى قَدرِ الكِرامِ المَكارِم وتَعظُم في عَينِ الصّغِيرِ صِغارُها وتَصغُر في عَينِ العَظِيمِ العَظائِمُ وقفت وما في الموت شكٌّ لواقف كأنك في جفن الرَّدى وهو نائم تمر بك الأبطال كَلْمَى هزيمةً ووجهك وضاحٌ، وثغرُكَ باسم تجاوزت مقدار الشجاعة والنهى إلى قول قومٍ أنت بالغيب عالم اما الوصف فقد وصف معارك سيف الدولة وقد اشترك الشاعر فيها مقاتلا ووصف الحمى افضل وصف وفي ديوانه الكثيرمن الوصف يقول في وصف شعب (بوان) : مَغَاني الشِّعْبِ طِيباً في المَغَاني بمَنْزِلَةِ الرّبيعِ منَ الزّمَانِ وَلَكِنّ الفَتى العَرَبيّ فِيهَا غَرِيبُ الوَجْهِ وَاليَدِ وَاللّسَانِ مَلاعِبُ جِنّةٍ لَوْ سَارَ فِيهَا سُلَيْمَانٌ لَسَارَ بتَرْجُمَانِ طَبَتْ فُرْسَانَنَا وَالخَيلَ حتى خَشِيتُ وَإنْ كَرُمنَ من الحِرَانِ غَدَوْنَا تَنْفُضُ الأغْصَانُ فيهَا على أعْرافِهَا مِثْلَ الجُمَانِ اما قوله بالهجاء فكان قليلا الا ان هجاؤه مقذعا مرا كما مربنا من هجاء كافور او هجاء الطرطبة اما حكمته وانشاده شعرالحكمة ضمن قصائده فكثير كثير منه : بذا قضت الأيامُ ما بينَ أهلِها مصائبُ قوم ٍ عندَ قوم ٍ فوائدُ وقوله ايضا : إذا أنتَ أكرمتَ الكريمَ ملكتَهُ وإنْ أنتَ أكرمتَ اللئيمَ تمردا اما قوله في الحب والشوق والغزل : فقد تغزل في صباه وقال اجمل قصائد الغزل وكذلك في مقدمات بعض قصائده . اضف الى ذلك انه امام العربية ومعجمها حافظا لاصولها ومفرداتها وتعابيرها و معانيها وبلاغتها جم شعره فنون موسيقية شعرية اهتم بالبديع والبلاغة وادخل الفلسفة والحكمة الى شعره واكثر منها فهو شاعر حكيم وحكيم شاعر لا يشق له غبار فهو شاعرالعربية وكفى . ومن شعره في الحب والغزل اخترت هذه القصيدة : عَذْلُ العَواذِلِ حَولَ قَلبِ التائِهِ وَهَوى الأَحِبَّةِ مِنهُ في سَودائِهِ يَشكو المَلامُ إِلى اللَوائِمِ حَرَّهُ وَيَصُدُّ حينَ يَلُمنَ عَن بُرَحائِهِ وَبِمُهجَتي يا عاذِلي المَلِكُ الَّذي أَسخَطتُ كُلَّ الناسِ في إِرضائِهِ إِن كانَ قَد مَلَكَ القُلوبَ فَإِنَّهُ مَلَكَ الزَمانَ بِأَرضِهِ وَسَمائِهِ الشَمسُ مِن حُسّادِهِ وَالنَصرُ مِن قُرَنائِهِ وَالسَيفُ مِن أَسمائِهِ أَينَ الثَلاثَةُ مِن ثَلاثِ خِلالِهِ مِن حُسنِهِ وَإِبائِهِ وَمَضائِهِ مَضَتِ الدُهورُ وَما أَتَينَ بِمِثلِهِ وَلَقَد أَتى فَعَجَزنَ عَن نُظَرائِهِ القَلبُ أَعلَمُ يا عَذولُ بِدائِهِ وَأَحَقُّ مِنكَ بِجَفنِهِ وَبِمائِهِ فَوَمَن أُحِبُّ لَأَعصِيَنَّكَ في الهَوى قَسَمًا بِهِ وَبِحُسنِهِ وَبَهائِهِ أَأُحِبُّهُ وَأُحِبُّ فيهِ مَلامَةً أ ِنَّ المَلامَةَ فيهِ مِن أَعدائِهِ عَجِبَ الوُشاةُ مِنَ اللُحاةِ وَقَولِهِمْ دَع ما بَراكَ ضَعُفتَ عَن إِخفائِهِ ما الخِلُّ إِلّا مَن أَوَدُّ بِقَلبِهِ وَأَرى بِطَرفٍ لا يَرى بِسَوائِهِ إِنَّ المُعينَ عَلى الصَبابَةِ بِالأَسى أَولى بِرَحمَةِ رَبِّها وَإِخائِهِ مَهلًا فَإِنَّ العَذلَ مِن أَسقامِهِ وَتَرَفُّقًا فَالسَمعُ مِن أَعضائِهِ وَهَبِ المَلامَةَ في اللَذاذَةِ كَالكَرى مَطرودَةً بِسُهادِهِ ذ وَبُكائِهِ لا تَعذُر المُشتاقَ في أَشواقِهِ حَتّى يَكونَ حَشاكَ في أَحشائِهِ إِنَّ القَتيلَ مُضَرَّجًا بِدُموعِهِ مِثلُ القَتيلِ مُضَرَّجًا بِدِمائِهِ وَالعِشقُ كَالمَعشوقِ يَعذُبُ قُربُهُ لِلمُبتَلى وَيَنالُ مِن حَوبائِهِ لَو قُلتَ لِلدَنِفِ الحَزينِ فَدَيتُهُ مِمّا بِهِ لَأَغَرتَهُ بِفِدائِهِ وُقِيَ الأَميرُ هَوى العُيونِ فَإِنَّهُ ما لا يَزولُ بِبَأسِهِ وَسَخائِهِ يَستَأسِرُ البَطَلَ الكَمِيَّ بِنَظرَةٍ وَيَحولُ بَينَ فُؤادِهِ وَعَزائِهِ إِنّي دَعَوتُكَ لِلنَوائِبِ دَعوَةً لَم يُدعَ سامِعُها إِلى أَكفائِهِ فَأَتَيتَ مِن فَوقِ الزَمانِ وَتَحتِهِ مُتَصَلصِلًا وَأَمامِهِ وَوَرائِهِ مَن لِلسُيوفِ بِأَن تَكونَ سَمِيَّها في أَصلِهِ وَفِرِندِهِ وَوَفائِهِ طُبِعَ الحَديدُ فَكانَ مِن أَجناسِهِ وَعَلِيٌّ المَطبوعُ مِن آبائِهِ امير البيان العربي د. فالح نصيف الكيلاني العراق- ديالى – بلدروز