في فضاء دار الأوبرا المصرية يلفت نظرك مبنى صغير يتمتع بأناقة معمارية خاصة، وبمجرد الاقتراب منه سيتناهى إلى سمعك أصداء أنغام وموسيقى تتناثر في الهواء، حينئذ سيشدك الفضول لتتعرف إليه وعلى ما يضمه ويحتويه. إنه المكتبة الموسيقية، التي يمكنك من خلالها الاستماع لتسجيلات موسيقية يعود تاريخها لعام 1904. أي منذ بدأت التسجيلات، والاطلاع على أفلام وصور فوتوغرافية وكتب وقصاصات جرائد، إضافة لكافة الأوعية السمعية والمرئية من أسطوانات فون وليزر وشرائط فيديو وشرائط كاسيت حسبما ترغب وتحب، كل هذا تجده في هذه المكتبة التي تعد خزانة التراث الموسيقي، وهي الأولى والوحيدة من نوعها في مصر ومنطقة الشرق الأوسط. تأخذ على عاتقها مهمة توثيق للتاريخ الموسيقي في المنطقة العربية، وتتيح لروادها سواء دارسين أو من محبي الفنون الثقافية الاستمتاع بالأعمال الموسيقية والفنية من مختلف دول العالم والاطلاع على النوت الموسيقية والكتب والمراجع المتخصصة والاستماع لتسجيلات موسيقية منذ بداية القرن الماضي، وكل هذا بسعر رمزي جدا بالمقارنة بما تحمله تلك المكتبة من محتويات ثمينة في عالم الموسيقى. وتعود نشأة المكتبة الموسيقية إلى شهر ديسمبر (كانون الأول) عام 1994 أي منذ 18 عاما، وتتكون من 4 قاعات رئيسية وهي قاعة الاطلاع، وقاعة الفيديو، وقاعة الاستماع، وقاعة النوت الموسيقية إضافة لقسم التدوين الموسيقي. وفي حوار مع احد العاملين بالمكتبة يلقي الضوء عليها قائلا: «المكتبة مفتوحة لجميع الأعمار. ولكن من خلال عملي بها منذ بدأت أستطيع القول: إن هناك نوعين من الرواد الأول المستفيد الهاوي الذي يحب الفنون ويستمتع بالاستماع ومشاهدة أعمال موسيقية لم يسمع عنها أحد. والثاني المستفيد المتخصص في مجالات الموسيقى والباليه والأوبرا، هذا إضافة لطلبة من كليات الهندسة الذين يستفيدون بالاطلاع على شكل المباني الموسيقية من خلال المراجع الموجودة في المكتبة وطلبة معهد السينما أيضا، وكذلك الطلبة المتخصصين من معهد الموسيقى العربية والكليات الموسيقية، إضافة لطلبة المكتبات للتدريب وإعداد كوادر مؤهلة بالتعاون مع أقسام المكتبات في الجامعات المصرية لتفعيل دور المكتبة بشكل عام في المجتمع». حيث تقوم المكتبة بمجهود ذاتي في الحصول على تسجيلات نادرة من خلال علاقتها ببعض الأفراد أو تسجيل الحفلات التي تقام على مسرح دار الأوبرا المصرية، وتنقسم التسجيلات لنوعين كاسيت وفيديو، ويوجد لدى المكتبة مجموعة نادرة لعمالقة الموسيقى والتراث في وطننا العربي، مثل منيرة المهدية وسيد درويش ويوسف المنيلاوي ومحمود طه ومحمد عبد الوهاب في نحو 1500 شريط نادر، وحصلنا عليها من الأستاذ عبد العزيز عناني أحد رواد دار الأوبرا المصرية. كما تضم المكتبة معظم أعمال السيدة أم كلثوم من خلال شركة «صوت القاهرة» ومكتبة معهد الموسيقى العربية، وقمنا بنقل الشريط من أسطوانات فون حجرية إلى شرائط كاسيت بمجهود ذاتي من المكتبة الموسيقية والعاملين فيها. ويتابع: تمتلك المكتبة الموسيقية نحو 200 ألف شريط ما بين حفلات الموسيقى العربية وغيرها، وقمنا حتى الآن بجمع نحو 3150 نوتة موسيقية لتراث الموسيقى الشرقية، واخيرا المكتبة تتبنى جمع أعمال عبد الحليم حافظ وشادية وهذا الجيل تحديدا رغم أنه يخالف نظرية التراث التي تقول بأن العمل الفني أو الموسيقي يصبح تراثا بعد مرور أكثر من 50 عاما عليه، كما أقوم بجمع أعمال الجيل الحديث أمثال عمرو دياب وحكيم وغيرهما لأنهم يوما ما سيصبحون تراثا لذا نقوم بجمع أعمالهم حتى تكتمل لدينا. ومثلما يوجد أعمال لبديعة مصابني وأسماء الكمسارية وأمينة العراقية وسيد الصفتي الذي لم يسمع عنه أحد يوجد أعمال للجيل الحديث حتى تكتمل أعماله ويصبح يوما ما تراثا. ومن ثم يوجد لدى المكتبة المجموعة الكاملة حتى الآن للمطرب محمد منير من خلال حفلاته التي أحياها في دار الأوبرا المصرية. وبالنسبة للكتب والمراجع العلمية التي تتناول تاريخ الموسيقى وفنونها يوجد بالمكتبة نحو أكثر من 25 ألف كتاب ومرجع باللغتين العربية والإنجليزية.