الصّوم أشبه بدير ندخله، تاركين وراءنا كلّ مغريات العالم، منفتحين على رحمة الله ومحبّته. وإذ نصوم، فنحن ندخل في فرح التّحرّر من أنفسنا المثقلة بالأوجاع ونرجو العودة إلى الصّورة الّتي أرادها لنا السّيّد من قبل إنشاء العالم. هو الغوص في أعماق الذّات، متسلّحين بالصّلاة والقراءات المقدّسة، فنكتشف خفايا النّفس المظلمة، ونعبر إلى النّور والقيامة. وليس الانقطاع عن الطّعام إلّا جزءاً يسيراً من الصّوم، إذ إنّ الصّوم الأكبر هو تدريب أنفسنا على رفض كلّ عمل يسيء إلى المحبّة الإلهيّة. " إنّ الصّومالحقيقيّ هو سجن الرّذائل أي ضبط اللّسان وإمساك الغضب وقهر الشّهوات". ( القديس باسيليوس الكبير). ومتى تنقّت النّفس وتطهرّت، استطاعت أن تعاين وجه السّيّد، فلا يمكن لنفوسنا المتّسخة أن تقابل وجهه الحبيب. إنّ فرح اللّقاء بالمسيح يبدأ بالصّوم والانقطاع عن العالم ونحن فيه، مكتفين بنعمته ومشبعين بكلمته. كذا عاش آباؤنا القدّيسين، وكانوا يكتفون بالقليل من الطّعام لأنّهم كانوا يكتفون بالمسيح. " صام موسى وإيليَّا لمدَّة أربعين يومًا وعاشوا على الله وحده. فإنَّه منذ القِدم قد تقدَّس المبدأ: "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل ما يخرج من فمّ الرب يحيا الإنسان". ( القديس ترتليانوس) أهّلنا أيّها المسيح الحبيب أن نسير في هذا الصّوم المقدّس مسيرة توبة ونقاء، نصوم فيها عن العالم فيتحقّق فينا سرّ حبّك. أعطنا يا سيّد أن نتخلّى عن كلّ الرّغبات حتّى نرتقي إليك بأجسادنا وأرواحنا، فنتأهّل للقاء وجهك الحبيب، أنت الّذي يليق بك وحدك كلّ مجد وإكرام، مع أبيك وروحك الحيّ القدّوس، من الآن وكلّ أوان وإلى الأبد. أمين.