p style=\"text-align: justify;\"فراس حج محمد p style=\"text-align: justify;\"لم أفطن لأهمية \"الانتصاب\" إلا حديثا، عندما سمعت سميح القاسم ينشد \"منتصب القامة أمشي\"، وفكرت مليّا كيف لك أيها الإنسان أن تكون منتصب القامة وأنت تعيش ما تعيش من حياة \"كلها زفتُ، لا حظٌّ فيها ولا بختُ\"، فبدا أن للانتصاب هنا معنى مراوغا وعقيما، فلم أحفل كثيرا بالمعنى العام لهذا الانتصاب المطلوب دون أن تجده! ثمّة نوع آخر من \"الانتصاب الثقافي\"، وليس النصب الثقافي، نعم الانتصاب الثقافي، ربما بدا مفهوما جديدا عليّ أولا، ولكنّي سأحاول تعريف الانتصاب الثقافي بأنه \"محاولة استطالة العنق الثقافية لتبدو أكبر مما هي عليه\"، وهنا يتبادر إلى ذهني رتل كبير من المثقفين المنتصبين/ النصّابين في بقاع كثيرة من هذا العالم! لم تقف حدود الانتصاب عند هذين الحدين من الكرامة الإنسانية والثقافية، ربما دخل مصطلح \"الانتصاب\" إلى عالم السياسة والاقتصاد معا؛ لتشهد الانتصاب السيو-اقتصادي، في ظل الحملة المعروفة من مقاطعة البضائع الإسرائيلية، فثمة بعض المنتجات الإسرائيلية التي ما زالت منتصبة على \"النصبات\" و\"البسطات\"، \"تتحدى عيونك\"، ولعلها ستبدأ موشحها المعروف على ألسنة الكثيرين بأنني منتصب القامة أسحّ لعابا من أفواهكم فأنا ألذ من منتوجاتكم الوطنية، وأكثر جودة، وهنا يعاني الانتصاب الوطني من كارثة حقيقية، تنذر بالانزلاق ثانية إلى أحضان المنتجات الإسرائيلية، فحاذروا \"الانتصاب\" الأجنبي! ومن الدلالات غير المهمة لمصطلح \"الانتصاب\" \"الانتصاب الأخلاقي والروحي\"، هل يوجد انتصاب بهذا المعنى؟ بمعنى الانتفاخ المفضي للتعرق والسيلان، ثمة أناس منتفخون شامخون بكبريائهم واعتدادهم بأنفسهم، وبمجرد أن جفلوا من \"قطة عابرة\" كما يقول مريد البرغوثي، تصفرّ وجوههم، وتذهب حمرة انتصابهم، ويتراجعون لحجمهم الطبيعي! والحال نفسها في الانتصاب الروحي، فنحن نجرّبه في المواسم الدينية كثيرا، وفي الحركات الدينية، تجده في \"الداعشية والداعشيين\"، وتجد في رمضان مع الرمضانيين، حتى إذا ذهب رمضان، بقيت القامات منتصبة لم تنحنِ لتصلي ولا لتقرأ شيئا من القرآن، وهنا يصبح للانتصاب معنى مخالفا شرعيا ودينيا، وعابرا غير مستقر! ربما لو فتشتم في معاني \"الانتصاب\" لوجدتم أشياء كثيرة، تغري بالحديث المرّ أو السخرية البكائية، ولم تحتاجوا إلى المعجم كما أنا لم ألجأ إلى المعجم وأنا أكتب عن \"الانتصاب\"، ولكنكم ستعرفون وأنتم تبتسمون خبثا كما أفعل أنا الآن تماما، أن كل تلك الدلالات هي غير مهمة على الإطلاق ل \"الانتصاب\"... هناك معنى وحيد شاغل للعقل والروح والجسد، هو الدلالة المهمة لمعنى الانتصاب، ولستم بحاجة للتصريح عنه، فقط اسألوا أي امرأة فهي ليست معنية بغير هذا المعنى من كلّ معاني \"الانتصاب\" غير المهمة عندها بطبيعة الحال، فالحبّ والحياة في كفة وذلك \"الانتصاب\" في كفة أخرى، ولربما رجحت كفة الانتصاب، لما لها من مدلولات نفسية وعصبية ومائية وروحية وخلقية وثقافية واقتصادية واجتماعية، فلا شيء يعدل قامة منتصبة يسح منها الماء لتروي الخلايا الميتة، فمن فقد ذلك المعنى لا ودّ له وليس له أمانة. رحم الله الشاعر الجاهلي الذي كان عارفا بهذا المعنى فقال تصريحا لا تلميحا عن النساء كيف تكون علاقتهن بمن فقد هذا المعنى الخلّاق للانتصاب عندهن (بفعل شيب الرأس): p style=\"text-align: justify;\"إذا شاب رأس المرء أو قلّ مالُه فليس له من ودهنّ نصيبُ!