مقدمة ديوان " على نوافد صمتك " تعود إلينا الشاعرة بهيجة البقالي القاسمي من جديد ، في عملها الشعري الوليد ( على نوافذ صمتك )، لتفتح نوافذ الشعر و نوافذ الصمت في آن. و لا بِدعَ،فالشعرُ و الصمت عند الشاعرة صنوان لا يفترقان ، و لحنان ملتحمان في اللسان و الوجدان. و ذلك منذ إطلالتها الشعرية الأولى علينا ، التي اقتحمت فيها بجرأة عالم الصمت ( صراخ الصمت ).. و ها هي ذي تِيمة الصمت تعود من جديد لتتوطن شغاف هذه المجموعة الجديدة. و العنوان المختار لها، ( على نوافذ صمتك) ، يشي للوهلة الأولى ، بالشحنة الدلالية الثاوية في نصوصها،و أطراف معادلتها. إن العنوان، من منظور نحوي ، هو شبه جملة ، تكتمل و تشتق بفعل محذوف تقديره على الأزحم ( أطل على نوافذ صمتك). أو ( أهيم على نوافذ صمتك ) ، بالأحرى. فالحديث الشعري في المجموعة إذن ، ينحو منحى وجدانيا و عاطفيا رومانسيا. طرفاه ، هي و هو. أو أنا ( الشاعرة ) و أنت ( المخاطب ) . و هو العالم الأثير- و الأثيري الذي تخلق فيه نصوص الشاعرة ، منذ باقتها الشعرية الأولى ( صراخ الصمت)، إلى هذه الباقة الجديدة المزيدة ( على نوافذ صمتك) . و ما أحوجنا في هذا الزمن الجهم الأغبر، إلى نسمات و لمسات الرومانسية ، التي غادرت شواطئها الشعرية ، مع هبوب رياح العولمة الكاسحة.. تعود الشاعرة بهيجة إذن، لتواصل شدوها الشعري و مناجاتها الحارة للصمت. و كأن صراخها الأول في وجهه ، لم يشف منها الغليل ، أو كأن هذا الصمت قدر مقدور لا فكاك منه إلا بالوقوع فيه. نقرأ في نص ( شلالات العيون ) من المجموعة الجديدة: - قال : ما هي أمنياتك للعام الجديد؟ - قلت : أن أحقق أمنياتي. - قال : و ما هي؟ - قلت : أن أبقى أنثى الصمت ...طوال حياتي . و من ثم تفتح و تشرع نوافذ الصمت على سعتها ، فيرف هواء الشعر عليلا- بليلا ، و يتنزل بردا و سلاما على الوجدان ، فيما يشبه التطهير الأرسطي catharsis. في قراءة لي سابقة لعملها الأول ( صراخ الصمت)، قلت في خاتمة المطاف: " لعل بعد فورة الصراخ الأول للشاعرة ، سيهدأ و جيب هذا الصراخ ، ليبدأ بوح شعري آخر ، و شجون شعرية أخرى. و النبع كلما تدفق، كان ماؤه زلالا. " و الملاحظ في هذه المجموعة ، أن هاجس الصمت مقيم لا يريم ،لكن حدة صراخه بدأت تخف و تخفت ، و تقترب من الهمس و البوح و النجوى ، بعد أن نضج هذا الصمت كفاية ، على نار الوجدان. - همس عازف - تناغمت حروفه - رسمه النبض على الشريان - شدو ناعم - بنسيم هدوء ليله - أسامره باشتياق و حنين ص 2 هذا الهمس الرقيق ، هو أول ما تطالعنا به المجموعة في نصها الأول ( كل العناوين لك ). و بعد هذه الفاتحة مباشرة ، ينهمر شلال الصمت غدقا ، و تنفتح نوافذه على مصاريعها . فهو حاضر بقوة في المجموعة و بشحنة عاطفية حارة ، تسري هذه المرة همسا لا صراخا/ " أشتاق إلى صمتك فلا أجد غير صمتي يكلم صمتك و يخاطب الذكرى أعشق صمتك حين تشتهيه كل النساء و أسمعه يهمس لي : أنا لك وحدك يا كل النساء " ص3 و في صفحة واحدة ( ص5 ) من نص ( شلالات العيون ) تكررت لفظة الصمت 16 مرة. و قبلها في صفحة 3، تكررت اللفظة 15 مرة. بما ينهض قرينه بليغة على قوة هذا الحضور. و لا غزو ، فهي أنثى الصمت في محفل الصمت – الناطق ، تمارس طقوسها العاطفية و الصوفية الخاصة. و للحب أبواب عدة ، كل يدخل إليه من باب. و المفارقة الشعرية هنا ، كيف ينشأ و يتوقد كل هذا الحب ، في ظلال الصمت ؟ ! كيف يلتقي الساخن مع البارد ؟ ! " ربما كلانا يحب بصمت لكن كيف يصمت من يحب ؟ " ص 10 تلك هي مسالة هذا الصمت. بل تلك هي جماليته و شعريته و جاذبيته على وجه التحديد. " بصحبة صمتي ، كل الأوقات أحلام جميلة تتجدد " ص 4 " لصمت الصمت مذاق آخر ، لن يفهمه أحد غيري " ص 6 ها هنا ، بلاغة الصمت ، التي تنوب مناب بلاغة الكلام . و الشاعرة إلى ذلك ، تأنف من البلاغة و من العروض ، في الحب كما في الشعر. " أمن الضروري البحور لأكتبك ؟ أمن الضروري البلاغة لأحبك ؟ ص 12 و هي إذ تأنف من البلاغة و العروض ، تخلق لنفسها بلاغة خاصة و حميمية ، طلقة و إنسيابية ، تفيض من الذات ، كما يفيض الماء من النبع ، و الشوق من العين. و أحيانا كما تفيض الدمعة من العين . و في قرارة الشعر ، ثمة دائما لوعة دفينة. و صمت لا يقوله إلا الصمت. تراوح الشاعرة في مجموعتها الجديدة ، بين النفس الطويل و القصير. تطلق العنان أحيانا لبوحها الشعري فيسترسل نصا طويلا ، كما في مطولتها ( شلالات العيون ) و ( نبض على الشريان ) . و تجنح أحيانا نحو الومضات الشعرية – الشذرية ، كما في نصيها ( من قعر الكلام ) و ( كي تراني ) . و في جميع الحالات و المقامات الشعرية - و الشعورية ، تعيدنا نصوص الشاعرة بهيجة إلى نبع الشعر الحالم. إلى دفء الحب و رومانسيته و شعريته . في جميع الحالات و المقامات الشعرية - و الشعورية ، يبقى هوى الشاعرة دائما ، موزعا بين الحب و الصمت و الشعر . في ذلك ، تجد دائما ضالتها و أناها و مبتغاها . و لا يهمها ، بعدئذ ، شيء. " عاشقة قالوا، فما همّني ! " ص 14 لكن ، ثمة شيء آخر يهمها ، كما جاء في خاتمة المجموعة / " لا يهم من أكون و لا في أي رف أكون، ما يهم ، هو أن تقرأني قراءة صحيحة . ص 29 و أرجو أن أكون اقتربت من هذه القراءة .