لا تلومها … ما دمت آتيا و أنت في منتهى الذهاب !!! اعتاد الغياب عن زوجته و إهمالها ، و كلما عاد وجدها تنتظره و هي غاية في التسامح ، فاعتبرها حقا مكتسبا و أضحى يعاملها كإحدى ممتلكاته ضامنا بقاءها تحت تصرفه ، لكنها أخيرا عقدت العزم أن تضع حدا لاستنزاف مشاعرها. قال لها مداعبا: كيف حالك يا قطتي؟! أجابته و لأول مرة بدهاء النساء: مادمت قطتك فأنا بخير إن كنت بخير يا أرواحي السبعة!! فابتسم ثغره في خيلاء فهي التي فاض قلبها و روحها به عشقا، و سألها بتعجب يملؤه الثقة: ألا يكفيني روح واحدة ؟! فأومأت برأسها لا و عيناها تحدقان به للمرة الأخيرة و استرسلت قائلة : أما الأولى فهي روح الحب … تلك الروح التي تنام بعدك و تستيقظ قبلك و تهتم بأدق تفاصيلك، تفرح لفرحك و تبكي لحزنك، تدمنك أكثر من أي مخدر على وجه الأرض، و تحج إلى محرابك في كل لحظة ألف مرة، و إن وجدت ألف سبب للرحيل ستبقى. و الثانية روح العقل … و هي نور القلب التي تحتويك بحكمتها، فبالحكمة تسعد الزوجة بزوجها و إن كان من الدرجة العاشرة و من دونها تشقى و إن كان من الدرجة الأولى، و الحكمة نور يفرق بين الإلهام و الوسواس ، و هي التي تلهمني بفعل ما ينبغى فعله على أتم وجه في أفضل توقيت. و الثالثة روح الأم … التي تبقى قريبة من أبناءها ففي الأعماق مثواهم و في الأحشاء تهواهم، فتراهم روح الحياة فهم الحاضر و المستقبل، و هي على استعداد أن تتجرع مرارة الأحداث و تتحمل قساوتها بدلا عنهم، تجوب الدنيا شمالا و جنوبا و شرقا و غربا فقط لأجل راحتهم و إسعادهم، تلك الروح التي لن تخذلك أبدا. و الرابعة روح الزوجة … التي تكرس حياتها لتكوين أسرة ناجحة مثالية، فتحتضنك و تحتويك و تجاورك و تدفعك للأمام في كل خطوات حياتك لتكون الرجل العظيم في النور التي هي تتوارى في الظلام وراءه، و تربي أبنائك و تصون عرضك و تحفظ مالك و سرك و تتغاضى عن حقوقها و تنسى ذاتها و تذوب فيك فترى العالم بعينيك و من خلالك، و تقدرك و تؤمن بك أكثر من أي شخص و لا تهتز ثقتها و إيمانها بك في أسوأ الظروف و أحلك الأيام ، فما من يوم أتيتني منطفيء إلا و أضأتك بوهج روحي فسطعت أنت و أصبحت أنا رمادا. و الخامسة روح الإبنة … التي ترى فيك الأب و تعتبرك السند و الأمان، نبع الحنان السامي و الحب الصافي، تزهو صورتك في عيني على كل الصور كيف لا و الأب أعظم من في الوجود، و لطالما تحتار الأبنة في وصف أبيها هل هو رجل انطبقت عليه أوصاف الملائكة أم ملاك انطبقت عليه أوصاف الرجال؟! و أزكى عطر تتعطر به هو عطر أبيها حين يضمها، فهو ظلها الذي تأوي إليه في كل حين. و السادسة روح الشباب … تلك الروح المتجددة التي لا ينضب معينها، فهي كالثمر الناضج على أغصان العمر، و هي روح الوجود التي تضم الكون بأسره رغم اتساعه، و تأبى الركوع أمام صعاب الوجود فالوجود ضياع بلا شباب، البعيدة كل البعد عن قيود الخوف و الرهبة و الخنوع للماضي المهتريء و الواقع المؤلم ، تخطو على الثرى فيزهر و تنظر للسماء في الظلام الدامس فتتلألأ بالنجوم، تلك التي عاهدت نفسي منذ زواجنا أن اصطحبك خلالها في رحلة أبدية. أما الروح السابعة و الأخيرة فهي روح الكبرياء و عزة النفس … تلك التي تطوق الأرواح الست جميعها، و تدور بسببها أكبر المعارك داخل نفسي، فتكون معك تارة و تنصرك علي و تقنعني بأنك انت الرجل و هذا حال أغلب الرجال في مجتمع ذكوري في معتقداته و موروثاته فيجب أن أغلب كبريائك على كبريائي رغم كل تقصير و تجاوز في حقي … و تارة أخرى تنازعك و تذكرني بحق نفسي على نفسي ، فصمتي كان لحكمتي و عزة نفسي و لم يكن لجهل مني بما يدور حولي، و لكن الأوجاع قد تزاحمت و قلبي لم يعد يهوى و روحي لم تعد تشتاق، فمراقبتك عن بعد هي مفهوم آخر للاختناق، أتريد أن تعرف قمة الوجع ؟ أن أراك آتيا و انت في منتهى الذهاب، حاضرا بجسدك فقط و روحك تهوى الترحال، فقد مل قلبي و القلوب تمل كما تمل الأبدان، و حبي لك لم يحييني و لم يقتلني بقدر ما جعلني بين الحياة والموت ، فلا تراهن على قلوب كثر تسامحها و طال صبرها و دام تنازلها، فهي ذاتها القلوب التي إن اتخذت من الرحيل قرارا لن تعود يوما عنه، فإغلاق الباب في كثير من الأحيان خير من مواربته. خلاصة القول : خلف الاهتمام تختبيء كل معاني الحب … و الإهمال يهدم قصور المحبة … و كل أنثى مريضة باهتمام من تحب … فإن أهملها سترحل عنه حتما – ان لم تستطع بجسدها فبروحها- و إن كانت متيمة به … فحافظوا على أحبتكم فالقلوب الصادقة نادرة و احمدوا الله على نعمة وجودهم في حياتكم قبل فوات الأوان !!! بقلم د. إيمان أنيس