هل تتخيل أن فنانا أقام تجهيزا فنيا (Installation ) في بقعة بوسط المدينة عبارة عن تماثيل بالحجم الطبيعي لعائلة من ثلاثة أشخاص إحداهم جالسة باسترخاء علي مقعد بحر تحت مظلة تقيها من أشعة الشمس وتنظر للأفق المديد أمامها، وبجوارها شابة مستلقية أرضا علي بطنها مرتدية قبعة و تقرأ في كتاب، والثالث لطفل صغير يلعب في رمال الشاطئ بأدواته ( جاروف وجردل وكرة)... كان هذه هو العمل الفني الذي فوجئ به المارة بمدينة لوس انجلوس الأمريكية، وأثار انتباههم خاصة لغرابة وجود تلك العائلة في مكان غير مألوف للتمتع بدفء الشمس، وقد ظنوا في بادئ الأمر أنهم أشخاصا حقيقيون، والغريب أن الفنان الذي أقام العمل لم يكشف عن نفسه وترك الجمهور في حاله اندهاش وابتسام، وقد ظل العمل في مكانه قرابة يوم واحد فقط، ثم قام الفنان برفعه في اليوم التالي. وبسبب الظهور والاختفاء المفاجئ للعمل، ولكون أن الفنان صاحب العمل تعمد إخفاء اسمه وهويته، فقد تمت الإشارة إليه بوسائل الإعلام بفنان جوريلا الشوارع (Guerilla street artist) لكونه يتشابه مع مقاتلي حرب العصابات الذين يهاجمون أهدافهم بغير توقع مكاني وزماني ثم ينسحبون بسرعة ودون أن يكشفوا عن هويتهم، لكنه في حالتنا تلك لا يخرب أو يؤذي الجمهور، إنما يصدمهم برفق ليدخل السرور والبهجة إلي نفوسهم، ويستثير أحاسيسهم خيالهم. ألا ترون معي أن الفنون البصرية تثبت دوما، أنه لا حدود تعوقها أو تقف أمامها، فتتعدد أشكالها وتختلف وسائطها في التعبير الفني، كما وأن الفنانين المعاصرين ما زالت جعبتهم الإبداعية تنطوي علي المزيد من المفاجئات ولن تنضب أبدا.