فى أعمال الفنان مصطفى عبد المعطى الملونة ملمح لا يمكن تجاهله حيث يفرض نفسه على المتلقى، كونه أحد مداخل الرؤية الفنية التى يتجول بها الفنان على مسطحاته البيضاء والتى لا يهدأ حتى يكسيها بظلال مكان يجمع بين الواقعى والمتخيل، بين المُتعين والافتراضى، بين الأرضى والكونى. من خلال مفردات تجنح إلى التكرار فى غير تنميط لتصبح إحدى السمات والخصائص لديه مع الأبيض والأسود يتحرر الفنان من أسر اللون ليلقى بمفرداته فى مجهول يختزلها فى قيم جمالية مغايرة، جعلها أكثر تحديداً، عبر توكيد وقصديه منه لفضاء يعبأ بهذا الأبيض فقط، ما جعلها تستدعى دلالات ووجود مختلف، وحالة خاصة تتعاطى مع مفهوم البراح والمطلق أكثرمما هى مختزلة لأجل منطق تشكيلى وفروض جمالية بحتة. بحسب منطق الفنان، سوف نجد ثمة تعانق بين الفرض الجمالى، وما يحتمل من فروض ثقافية واجتماعية لا تفتأ تنبعث دلالاتها من لدنها، رغم معايشتها لمنطق الموروث الجمعى و مانعيه عن خصوصية مصرية وتلونت بها إيقاعاته. فى قلب هذا الجمع تتشكل لغة الفنان مصطفى عبد المعطى فى مفردات تستقى وجودها من جذور تمتد الى فرعونية مصرية نلمح أثراً لها فى فكرة المصرى القديم عن "الكا" التى تحمل فى طياتها مظهراً من مظاهر الطاقة الحيوية والقوة الخلاقة عند الإنسان. ما بين الفرعونى لأعلى، وبين الدائرة التى تمثل رغبة فى الإحاطة والحماية، وربما دفء البيت ومفهومه كما يطرحه باشلار فى فلسفته الظاهراتية. عبر هذا الفهم، لابد وأن تتواكب حقائق لا تخفى عن إدراكنا لظاهر الشكل الهرمى الذى يشى بولع الفنان به شكلاً ومضموناً، بيد إنه شكل قد يقف عند حده الهندسى، إن هو عجز عن كشف دواخله وان ابتعدنا نحن به عن مفاهيم السمو والتطلع ومحاولة التجاوز والسكون. ففى مثل هذه المفاهيم يمكننا إدراك مساعى الفنان لتجاوز عالمنا الأرضى عبر مستويين، يتحدد أولهما بالروحى الذى هو أقرب إلى البعد الصوفى الكامن بداخلنا بعيداً بعيداً، بينما يتحدد ثانيهما بوعى حاد بقيمة العلم والمعرفة. عند الأخير نتوقف زمنياً فى ستينيات القرن الماضى وتجربة يورى جاجارين التى أدركها مصطفى عبد المعطى تكتب تاريخاً جديداً مع العلم والتكنولوجى مثلما أفصحت فى حينها، عن قدرات إنسانية هائلة. هو الأمر عينه ما سوف يتكرر مع الشكل الكروى حينما يستدعى بعضاً من معارفنا عن الأرض، ومن ثم عن هذا الكون العامر بالمجرات المجهولة والذى قد يرتبط بشكل ما مع هذا الكائن الحلزونى المتماهى مع فراغات اللوحات الأبيض. فى تلك القراءة، ثمة ما يجمع بين جنوح لتوقيع أشكال مجردة فى هندسية تتحرى ايقاعاً وتوازناً وأداء ينأى بها عن الزخرفة بجماليتها المسطحة. إذ يوجد، وبشكل قسرى أيضاً ما يجعلنا ندرك كائنات إنسانية وحيوانية لا يفرغعا اختزالها الشكلى من قيم جمالية مقروءة عبر حالاتها الخاصة التى تتضافر مع حس ينسرب فى لاوعى بطبيعة المكان الحاوى لها. إنه الاختزال عينه الذى نلمسه تارة فى تحاورات وتماسات المربع والدائرة والمثلث، وتارة أخرى فى اجتماعها فى علاقة مع شكل ثمانى الأضلاع أينما حلت، زمنياً ومكانياً، تحمل تلك التجربة للفنان مصطفى عبد المعطى، فلسفتها. فهى تشكيلياً غير منفصلة او منبتة الجذور عن روافدها فى الأعمال الفنية الملونة، مثلما هى حاملة لإطار فكرى يتسق ماضيه مع حاضره، ومنذ أن تحددت وجهة التجريبيين كجماعة تحركت فى سياق المشهد الفنى المصرى لأجل ان تكتب جملتها الخاص.