في معرض هجر فيه الفنانون سحر الألوان وتركبيتها المعقدة، وتوجهوا للبحث وراء القيم الجمالية والفنية المستوحاة من علاقة الأسود بالأبيض، افتتح بمركز الجزيرة للفنون بالزمالك صالون فن الرسم، الذي حملت دورته الثانية عنوان "أسود و أبيض"، وشارك به 100 فنان وفنانة تشكيلية من أجيال مختلفة، قدموا مختلف الاتجاهات التشكيلية الواقعية والتعبيرية والتأثيرية والتجريدية والسريالية، وطرحوا معالجات وحلولا تشكيلية جمالية. الأعمال يمكن وصفها بأنها أعمال حملت انطباعات ارتجالية ترجمها الفنان بالخطوط، وانطباعات تكمن بين الفنان وبين واقعه الذاتي، ونقلا عن رصيد وتراكمات بصرية، وحالة تفاعلية متفردة ومتميزة وذاتية ولها خصوصية، يسقط فيها الفنان خطوطه ومساحاته بلا نظام أو قصد واع. من بين الأعمال المشاركة لوحة الفنانة هيام عبد الباقي التي خلقت من عدة خطوط وملامس متشابكة ومتتداخلة، بورتريها لا ينفصل عن ذاته بخطوطه المتعانقة، والفنانة إيمان عزت التي ارتجلت زهور تنمو علي سطح المساحة البيضاء، وتعلن عن تواجدها داخل هذا الكم من المساحات المتدرجة من الأسود وصولاً إلي الأبيض. أما حصان الفنان فاروق شحاتة فهو حالة فنية خاصة وتعبيرية علي درجة من الاختزال العميق، حالة انطلاق وقفز للحصان من داخل مساحة، ليعلن خروجه من نفس المساحة، وأثناء هذا الخروج، أحدث الحصان ظلالاً خطية، في حالة فنية لا مرتبطة بلحظة يصعب تكرارها. بالإضافة إلي أعمال أخري، اعتمدت علي الأساليب الخطية وتنوعاتها، باستخدام طريقة التشهير الخطية الجرافيكية، وهي تنوعات الخطوط واتجاهاتها الأفقية والرأسية والمتقاطعة، وتشابكها وترابطا وتفكيكها، لإعادة تجمعيها تشكيلياً داخل نفس العمل الفني، إظهار انسجام بين العناصر. الفنانة رباب نمر، عبرت عن القطة الكبيرة الأم، التي تسير خلفها قطتها الصغيرة، علي حافة بلكونة، في وضع مستقر وآمن، وهذا الاستقرار أيضا اتزان فني محسوب ومدروس، والفنان جميل شفيق قدم بترتيب ذهني وفني عن حالة روحانية لملاك يحتضن طيور السلام، فمن اللون الأسود أخرج أنواراً فنية، ومن اللون الأبيض نبعت ظلال علي العناصر. الفنان مصطفي عبد المعطي قدم في لوحته حالة خطية منتظمة الخطوط هادئة لقصة الرمز الخاص به، الذي كونه من اخترالاته العميقة الفلسفية، جعل الرمز تحتضن الشكل الهرمي وتتخلها، ومع ذلك وقع الرمز في حيرة بين سكون اللون الأسود وحركة اللون الأبيض. الفنان أحمد عبد الغني بتقنية الخطوط وتنوعاتها الدقيقة، عبر عن أهم لغة تفاهم تربط بين الأسود والأبيض، وهي لغة التماسك والتتابع، حيث عبر بثلاث لوحات متتابعة، لأجزاء بسيطة من مركب، وطرحها بمعالجة فاقت بها واقع الرؤية المعتادة. وأيضا تواجدت الأعمال الفنية، التي استخدم فيها الفنانون الاسود والأبيض وما بينهما من درجات رمادية بشكل مساحات تأثيرية بالفرشاه تقنية تشبه تقنيات الألوان المائية ، ودمج بين الأساليب الفنية الخطية والمساحات، مثل لوحة للفنان صلاح المليجي، الذي قدم العلاقة التجريدية الحائرة بين النقيضين الأسود والأبيض وما بينهما من حوار صارخ، لا يسمح إلا بمرور الدرجات الرمادية الهادئة. أما الفنان محمد الطرواي فاستغل كل خبراته ورصيده الفني والبصري، وقدم عمل فني جمع فية بين أكثر من اتجاه فني، الواقعية في وجود بعض تفاصيل، وتجريدية في بعض استقرار المساحات، حتي يتخلها تهشير خطي ممسوح بدرجات تأثيرية، وتعبيرية في مبالغة وتحريف الأشكال، تلك تعد إضافة ورؤية جديدة مما أعطي العمل سمات إبداعية. وقدم خلف طايع ومريام واصف وغيرهما أعمالا فنية مكتملة، تضم كل النسب والقواعد والمنظور الإيقاع والاتزان والتباين والكتلة وإحداث الظل والنور، حيث عبر الفنانون عن مشاهد من الطبيعية والشارع المصري، أما الفنان أشرف رسلان فعبر ببورترية لطفل حالما بمستقبل ولكنها غامضة، وكإنها في حالة شجن وملامح الرومانسية تثير التساؤلات المشاهد، استخدم الفنان الدرجات الناتجة من علاقة اندماج وانصهار اللونين، ليحفر ملامحها الإنسانية من لقاء الظلال. أوضح الفنان محمد رزق مدير مركز للفنون وقوميسيرعام الصالون، أن الدورة الثانية لصالون فن الرسم "أسود ذ أبيض"، وتجمع 100 فنان وهذا اللقاء النوعي يفتح مسارات فنية جديده تضمن استمرار التوهج، وتضع يدها علي مفاتيح حوار من داخل تلك التجربة النوعية أن ذلك التحدي يواجهه الفنانين في هذا المعرض بطرح علاقة فن الرسم بقية الفنون ليظل السؤال، هل بأمكاننا الأخذ ببعض المعاير التصنيفية إزاء فن الرسم والنحت والتصوير والجرافيك والفوتوغرافيا وغيرها؟. وقد رصد الدكتور رضا عبد السلام في مقدمة الكتالوج دراسة حول تعريف الرسم وأنواعة وأهميته، أوضح فيها أن الرسم هو التعبير عن الاشياء بالخط، ويمكن تصنيف الرسوم إلي أربعة الأول: الرسوم البسيطة السريعة الكروكيات أو الاسكتشات، والثاني: الرسوم الأولية التحضيرية المسودات، وهي رسوم لعمل فني جديد بوصفه عملاً فنياً مستقلاً، والثالثة: الرسوم العفوية اللأوعية، وهي حالة شرود الذهن غير مرتبط بمشهد أو نموذج، والرابعة: الرسوم التي تؤخذ علي أنها عمل فني متكامل، وهذا التكامل من حيث الشكل والموضوع والأسلوب.