احترام وتقدير التفكبر مسألة غاية فى الأهمية ..وهى امرمكن المجتمعات المتطورة من التقدم السريع والمحافظة عليه .. نضرب بعض الأمثلة من دولة مثل اليابان .. التقيت ذات مرة باالملحق التجارى اليابانى من خلال عملى .. مما مكننى من قضاء عدة ساعات معه قضيناها منفردين – كان يتحدث عربية ( مكسرة ) لذيذة مثل حديث انجليزية التلامذة –كان فى زيارة تسويقية للتكنولوجيا اليابانية فى عملية التخلص من (القمامة)بنوعيها ..الرخوة والصلبة وعرض كيفية نجاحهم فى الاستفادة منها .. فيما يسمى علميا واقتصاديا عملية ( تدوير القمامة) ..عرض افلاما .. وجرت حولها حوارات ..حدث هذا فى اواخر ثمانينيات القرن الفائت فى حضورالمحافظ والقيادات ورجال الاعمال .. وللأسف ماتزال (الزبالة ) المصرية حتى هذه اللحظة قضية شائكة تقض مضاجع الناس حتى فى أهم شوارع القاهرة وليس فى المنصورة وحدها او الدقهلية وغيرها من المدن.. وتعكس صورة سيئة وقميئة عن شعب استطاع أن يقهر (الجيش الذى لايقهر) وأخفق ومايزال فى قهر(غول الزبالة)..المهم ..دارالحديث حول كيفية بناء اليابان بعد حادث قنبلتى هيروشيما وناجازاكى وكيف أن اليابانين تحدوا امريكا التى أحرقتهم وشوهت حياتهم والمجتمع الدولى الذىتخلى عنهم معتمدين على أنفسهم و بالافكار التى تنتجها عقول أبنا ئهم .. وأول مظاهر هذا الأعتماد – الذى حدثنى عنه - هو احترام العقل وتقديره ..عقل الصغير قبل عقل الكبير.. لافرق فى المعاملة بين عقل المتعلم ونصف المتعلم المثقف ونصف المثقف .. الجميع يملكون عقولا وهبها الله التفكير بدرجات متباينة .. الكل يسعى فى اطار منظومة واحدة هى بناء اليابان الذى قوضه التوحش والطغيان والانطلاق به الى حيث لانهاية لاحلام النجاح والتفوق .. الكل يفكر ..الكل يعمل ..الكل يقدم ما عنده .. الكل يقد م مالديه..الكل يحث الكل على العمل بصدق واخلاص وتفان .. الولاء للوطن أولا وعاشرا واخرا.. حتى أصبح متوسط دخل الفرد اليابانى نتيجةهذاالاصرار والتفانى( ذكر رقما كبيرا جدا بالدولارلاأذكره .. بعد أن كان دولارا واحدا عن نفس الفترة) .. أذكر لحظتئذ أنه لمح الدهشة على وجهى وسألنى عن ذلك فلم استطع التعليق .. اسوق المقدمة السابقة لأدخل الى (فكرة بنك الأفكار) ..عرفت بعد ذلك ومن خلال متابعتى لنجاح اليابانيين وسلوكهم الخاص فى التعاملات اليومية بينهم وبين غيرهم .. أنهم نتيجة نجاحهم أنشأوا بنكا أطلقوا عليه اسم (بنك الأفكار) .. بنك له نظام ادارى يشبه أنظمة البنوك المالية العادية .. لكنه يختلف عنها أنك تبيع للبنك افكارا وتاخذ مقابلها نقودا (ينات يابانية) .. نشاط البنك يدورفقط فى مجال تجميع الافكار ..وفى كل المجالات علمية وخدمية وغير ذلم مما يدخل فى اطار تيسير حياة الناس ..ولكل الأعمار والمهن والثقافات .. لائحة البنك تدعوك الى كتابة اى فكرة تخطر على بالك فى اى موضوع من الموضوعات ..لاتشغل بالك بأهمية الفكرة اوعدم اهميتها أو حتى سخافتها ( اليس هذا هو الاحترام للعقل أو للاخر فى أسمى معانيه وصوره وتشجيعه على التفكير).. مسئولية البنك هى ترتيب هذه الأفكار بصورة علمية دقيقة يرجع اليها الباحثون والعلماء للاستفادة منها فى حال عجزهم أو صعوبة استكمال ابتكاراتهم او اختراعاتهم الجديدة..فقد يجدون مايبحثون عنه لاكمال ما بدأوه ..من هنا تكتمل الصورة عن التعليم والثقافة واحترام عقول الأخرين وليس تسفيهها كمانرى فى معظم حواراتنا.. كنت فى غاية السعادة منذ ايام عندما سمعت رئيس المركز القومى للبحوث وهو يشير الى تنفيذ مثل هذه الفكرة ..حيث قام المركز بتنفيذ فكرة(بنك الافكار) داخل المركز ..لكنها بالطبع ليست بمقابل مادى مثل اليابان ..وقاصرة على المشتغلين بالبحث العلمى .. اليابانيون ايها السادة يعلمون أطفالهم كيفية التعامل فى الطريق .. مثلا .. يؤكدون لهم على ضرورة التقاط (حبة الأرز) من الطريق والاحتفاظ بها فى جيبه وتسليمها لاسرته عند عودته والمعنى واضح طبعا .. قد يقول البعض مستخفا : ماهذا التهريج الذى تقول ؟.. ولمن يجد نفسه يسال هذا السؤال أدعوه الى التأمل فقط وسوف يصل الىقناعات أن هؤلاء الناس عرفوا وأدركوا سرالتقدم والنجاح باحترام العقل وتقديس العمل .. لن انسى رجلا شيخا معمما كان يعتلى المنبر فى قريتى خطيبا مفوها فى خمسينيات القرن الماضى وهو يحمل فىيديه من الطريق كل مايتخيل انه يمكن ان ينتفع به (قالب طوب مثلا ..أعواد البرسيم التى تتساقط من الفلاحين اثناء عودتهم من الحقول يقدمها طعاما للارانب التى يربيها ) ألم يكن هذا الرجل ابعد بصرا من الكثيرين ؟ .. الم يكن هذا درسا فى التربية والتنشئة الحسنة ؟.. أعرف رجلا بنى بيتا من مخلفات الاخرين ومن تجميع سواقط الشوارع .. وبالطبع ليست هذه دعوة منى لأن يسير الناس يبحثون عن سواقط الشوارع .. وانما لاحترام افكار الاخرين وعدم الاستهانة باصغر الافكار الت التى تقدم من الصغار والكبار على السواء .. كما يمكن لكل هيئة او مؤسسة أن تقيم لديها بنكها الخاص بطبيعة عملها ..ومكافاة كل صاحب فكرة يقدمها فى اطار تقدم هذه الهيئة أو المؤسسة أو الوزارة ..ليس من العاملين فيها فقط ..وانما من كل المواطنين .. دعوة أقدمها لكل المسئولين الجادين أن يفكروا مثل هؤلاء الناس .. ولكل المواطنين أن يحترم كل منا راى الاخر وتذكروا ان ثورة الخامس والعشرين من ابريل انطلقت فى البداية من عقل شاب واحد صغير اقتنع بها من حوله من اصدقائه الصغار فاحدثت هذه الفكرة وأطلقت شرارة الحرية والتغيير بين كل طوائف الشعب الصغير منهم والكبير.. هذا علينا وعلى الله التوكل والتدبير.. ودمتم ودام كمايقولون( ممشاكم ومسعاكم ) ..