جامعة دمياط تستقبل طلابها الجدد باحتفالية في كلية التربية النوعية    وزير الزراعة: «مفيش أزمات سكر تاني.. والدنيا هتبقى أحسن»    اغتيال صهر «نصر الله» في غارة على حي «المزة» بدمشق    الصين الشيوعية تحتفل بعيدها ال75    اتحاد الكرة يرحب بجهاز منتخب مصر للشباب بقيادة ميكالى    الشرقية يضم حارس الزمالك السابق    أرباح جوجل بلا دولارات.. كيف يؤثر تحصيل أدسنس بالجنيه المصري على صناع المحتوى؟    مهرجان ظفار الدولي للمسرح يفتتح فعالياته بتكريم 5 مبدعين مسرحيين    بحضور وزيري الثقافة والشباب.. انطلاق حفل افتتاح مهرجان الإسماعيلية للفنون الشعبية    البابا تواضروس: نصر أكتوبر صفحة بيضاء في تاريخ العسكرية المصرية ونشكر الله على سلام بلادنا    رئيس جامعة القاهرة يبحث تعزيز التعاون مع اتحاد الجامعات المتوسطية UNIMED    التعليم المستمر بجامعة النيل تحتفل بتخرج دفعة من برامج الأنشطة الصيفية للشباب    «الحوار الوطنى» يعقد جلسة عاجلة السبت لتعزيز الأمن القومى    إبراهيم عبد الرزاق عميدًا لكلية التربية للطفولة المبكرة    «برغم القانون» الحلقة ال13.. القبض على إيمان العاصي    6 نصائح اتبعيها مع طفلك قبل دخول الشتاء لحمايته من الأمراض فى المدارس    العراق يستقبل 5 آلاف لبناني خلال 10 أيام    نائب محافظ القليوبية تشن حملة إزالة إشغالات أعلى الطريق الدائري    تجديد حبس المتهمين فى فبركة سحر مؤمن زكريا    إصابه 4 أشخاص جراء انقلاب سيارة في المنوفية    بيان من معهد الفلك بشأن هزة أرضية جنوب شرق القاهرة    تنظيم ورشة عمل مهنية للترويح للسياحة المصرية بالسوق التركي    تفاصيل إنشاء أول منصة متكاملة لبيع وشراء السيارات إلكترونيًا    وزارة الثقافة تحتفل بذكرى انتصارات أكتوبر المجيدة الأحد المقبل    أمين الفتوى يحذر الأزواج من الاستدانة لتلبية رغبات الزوجة غير الضرورية    أمين الفتوى: مفهوم الاحتياج نسبي وهذا هو الفرق بين الحرص والبخل    خبر في الجول - إيقاف الإسماعيلي عن القيد حتى نهاية الموسم    الكشف على 1025 حالة ضمن قافلة طبية في الفيوم    في مؤتمر صحفي.. استادات تعلن التوسع في استخدام أحدث التقنيات والذكاء الاصطناعي في قطاع الرياضة    إسعاد يونس تكشف موعد اعتزالها التمثيل |فيديو    للمرة الأولى ب«الصحفيين».. العرض العام الأول للفيلم الوثائقي الدرامي «ممر الألم»    ظهرت جنوب تشيلي وفي البرازيل.. مشاهد ترصد الكسوف الحلقي للشمس    «البحوث الإسلامية»: 35 قافلة نفذت 25 ألف لقاء دعويا    الإفتاء: الجمعة أول شهر ربيع الآخر لعام 1446ه‍    واشنطن تدعم دور المغرب في تعزيز السلام والأمن في الشرق الأوسط    بيسكوف: قوات كييف تستهدف المراسلين الحربيين الروس    مصطفى الفقي: علاقة مصر مع إيران وإسرائيل وحزب الله تحتاج مراجعة    رئيس أركان الجيش الإسرائيلي: نستطيع الوصول إلى أي مكان في الشرق الأوسط    «وما النصر إلا من عند الله».. موضوع خطبة الجمعة المقبل    معارض الحضارة المصرية في الخارج تجذب 625 ألف زائر    بيلد: أديمي الخيار الأول لخلافة محمد صلاح في ليفربول    قافلة تنموية شاملة لجامعة الفيوم توقع الكشف على 1025 مريضا بقرية ترسا    تغيير كبير.. أرباح جوجل بالعملة المصرية فقط    رئيس الوزراء: نعمل على تشجيع القطاع الخاص وزيادة مساهمته    عالم أزهري: 4 أمور تحصنك من «الشيطان والسحر»    تفاصيل زيارة أحمد فتوح لأسرة المجنى عليه.. وعدوه بالعفو عنه دون مقابل    البورصة المصرية تتحول إلى تحقيق خسائر بعد اتجاهها الصاعد في الجلسات الأخيرة    أحمد محمود: التصريحات المستفزة عن الزمالك جعلتنا نؤدي 200% ضد الأهلي    قافلة طبية في قرية الشيخ حسن بالمنيا ضمن مبادرة بداية جديدة لبناء الإنسان    جمال شعبان: نصف مليون طفل مدخن في مصر أعمارهم أقل من 15 عامًا    منح الرخصة الذهبية للشركة المصرية للأملاح والمعادن بالفيوم «أميسال»    أستاذ جامعي: شمولية «حياة كريمة» سببا في توفير مناخ جاذب للاستثمار    «بونبوناية السينما المصرية».. ناقد: مديحة سالم تركت الجامعة من أجل الفن    النيابة تطلب تحريات مصرع عامل تكييف سقط من الطابق الثالث في الإسكندرية    عرابى: اختيار رمضان لمنصب المدير الرياضى موفق للغاية.. منح اللاعبين راحة من إختصاص الجهاز الفنى فقط    سقوط 6 تشكيلات عصابية وكشف غموض 45 جريمة سرقة | صور    وزير الري يلتقى السفيرة الأمريكية بالقاهرة لبحث سُبل تعزيز التعاون في مجال الموارد المائية    جيش الاحتلال الإسرائيلي يوسع نطاق دعوته لسكان جنوب لبنان بالإخلاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحلقة الثالثة من حلقات كشف الفساد
نشر في شباب مصر يوم 27 - 03 - 2011


أعد الملف / فريق شباب مصر لمكافحة الفساد

على مدار السنوات العشر الماضية ، دأبت وزارة الداخلية على حرمان السجناء والمعتقلين من أعضاء الجماعات الإسلامية المتطرفة من حقهم في الاتصال بالعالم الخارجي . في البداية كانت قرارات منع الاتصال والتفاعل بين هؤلاء المحتجزين وبين العالم خارج السجن " مؤقتة " وترتبط بأسباب موضوعية ، وفي أغلب الأحيان كانت وزارة الداخلية تقوم بالسماح بتلقي الزيارة سواء من الأسرة أو المحامين عندما يستخدم المحتجزين حقهم في التظلم القضائي من قرار المنع أمام محاكم مجلس الدولة([10]) كما كانت الجهة الإدارية تقوم بالسماح للمسجونين والمعتقلين بتلقي الزيارة عند إصدار حكم قضائي بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه ([11]) .
ولكن مع نهاية العام 1994 ، أصبح عزل السجناء والمعتقلين داخل السجون عزلا كاملا أو تقييد حقهم في الاتصال بالعالم الخارجي ، سياسة عامة لوزارة الداخلية تلجأ إليها في مواجهة " تصاعد أعمال العنف والإرهاب في البلاد وما توافر لديها من دلائل كافية على تورط بعض المودعين داخل السجون من أعضاء الجماعات الإسلامية في التخطيط لتلك الأعمال ".ورغم انحسار تلك الأعمال مذ بداية العام 1998 وما تتمتع به البلاد من حالة هدوء نسبي كأثر لمبادرة " وقف العنف التي أطلقها بعض القيادات الإسلامية المودعين في السجون .. إلا أن وزارة الداخلية لا زالت على موقفها إزاء إغلاق السجون الأربعة ، بالمخالفة لأحكام الدستور والقانون والتزامات مصر الدولية بموجب تصديقها على المواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان .
ففي 26/12/1993 أصدرت وزارة الداخلية قرارا حظر الزيارات نهائيا عن سجن شديد الحراسة بطره مازال ساريا حتى الآن [12]، وفي أوائل سبتمبر 1994 امتد حظر الزيارات إلى سجن استقبال طره . كما أصدرت الوزارة في بداية العام 1996 قرار بمنع الزيارات عن المودعين بسجن ليمان أبي زعبل ، ومنذ مطلع العام 1997 يعاني نزلاء سجن الفيوم العمومي من الحرمان المتواصل من تلقي الزيارات . ويبلغ عدد المودعين داخل تلك السجون حوالي أربعة آلاف سجين ومعتقل سياسي.
وكانت الحجة الأساسية التي اعتمدت عليها وزارة الداخلية في منع الاتصال والتفاعل بين المسجونين والعالم الخارجي هي " الدواعي الأمنية " وذلك بالاستناد إلى نص المادة 42 من قانون تنظيم السجون. فعلى سبيل المثال ، أصدر وزير الداخلية يوم 26/12/1993 القرار رقم 549 لسنة 1993 بمنع الزيارة عن جميع المسجونين المودعين بالسجن شديد الحراسة بطره . وقد جاء في تسبيب قرار المنع ما يلي : " نظرا للظروف الأمنية التي تمر بها البلاد وتصاعد نشاط لجماعات المتطرفة ([13]) وفي مواجهة احتمال صدور تكليفات من قيادات التطرف المودعة بالسجون لعناصرها بالخارج لارتكاب عمليات عدائية تجاه المنشآت والمرافق وبعض الشخصيات العامة ورجال الشرطة .. تقرر منع الزيارة عن المعتقلين لنشاطهم المتطرف بسجن شديد الحراسة بطره لدواعي الأمن إعمالا للمادة 42 من قانون تنظيم السجون التي تجيز منع الزيارة منعا مطلقا أو مقيدا بالنسبة إلى الظروف وفي أوقات معينة ، وذلك لأسباب صحية أو متعلقة بالأمن " .
وفي يوم 23/7/1999 أصدرت وزارة الداخلية القرار الإداري رقم 556 لسنة 1999 جاء نصه على النحو التالي ([14]) : " بعد الاطلاع على القانون رقم 396 لسنة 1956 في شأن تنظيم السجون والقوانين المعدلة له ، والقرار الوزاري رقم 79 لسنة 1961 باللائحة الداخلية للسجون والقرارات المعدلة له .. ولدواعي الأمن لتتابع توافر معلومات عن استهداف السجون في المرحلة الحالية . قرر : مادة (1) تمنع الزيارة لمدة ثلاثة شهور عن سجون " استقبال طره شديد الحراسة بطره القسم الثالث " شديد الحراسة " بليمان أبي زعبل العناصر المتطرفة بسجن الفيوم العمومي . مادة (2) يعمل هذا القرار من تاريخ صدوره " .
واضح من القرارين السابقين أن مسلك وزارة الداخلية بإغلاق السجون الأربعة سالفة الذكر وعزلها بشكل كامل عن العالم الخارجي منذ عدة سنوات ، له ما يبرره من الواقع " دواعي الأمن " وله سنده أيضا من حكم القانون " المادة 42 " من القانون 396 لسنة 1956 بشأن تنظيم السجون ..والسؤال الآن : هل تتوافر في الواقع الفعلي المعاش " أسباب أمنية " استثنائية تبرر لجهة الإدارة الخروج عن الأصل العام وهو " حق السجناء والمعتقلين في الاتصال بالعالم الخارجي " واستخدام الرخصة المقررة لها بمقتضى المادة 42 سالفة الذكر بمنع الزيارة نهائيا عن تلك السجون ؟ وهل التزمت الإدارة بالضوابط الدستورية والقانونية عند استخدام الرخصة المتاحة لها ؟
الضوابط والشروط القانونية لمشروعية القرارات الصادرة بمنع الزيارة عن السجون واقع الأمر ، أن المشرع رخص للإدارة بمقتضى المادة 42 من قانون تنظيم السجون منع الزيارة عن السجون منعا مطلقا أو مقيدا بالنسبة إلى الظروف وفي أوقات معينة ، وذلك لأسباب صحية أو متعلقة بالأمن . ولكن بقراءة النص السابق نجد أن المشرع حدد شروط وضوابط محددة يجب أن تتوافر ليكون قرار منع الزيارة صحيحا في حكم القانون ، وهي :
حرص المشرع على تأكيد احترام آدمية الإنسان وكرامته وعدم المساس بها ماديا أو معنويا ، فجعل للمحكوم عليه بأي عقوبة الحق في الزيارة ، وهو حق " مزدوج " مقرر للمحكوم عليه ولذويه ولأي منهم أن يطلب ممارسة هذا الحق وفقا للضوابط التي رسمها قانون السجون واللائحة الداخلية له .وهذا الحق مقرر كأصل العام لجميع المسجونين أيا كانت جرائمهم التي اقترفوها . وانه استثناءَ من هذا الأصل يجوز للجهة الإدارية أن تمنع زيارة المسجون أو المعتقل أو المحبوس احتياطيا لأسباب " صحية " أو " أمنية " طارئة . ومن ثم يجب أن يرتبط قرار المنع " وجودا وعدما " بالعلة أو السبب من إصداره ، وهي وجود أسباب صحية طارئة مثل وجود حالة تفشي للأمراض المعدية داخل السجن ، أو أسباب متعلقة بالأمن مثل حدوث حالة هياج عام داخل السجن أو خارجه ([15]) أو لمواجهة احتمال صدور تكليفات من قيادات التطرف المودعة بالسجون لعناصرها بالخارج لارتكاب عمليات عدائية تجاه المنشآت والمرافق وبعض الشخصيات العامة ورجال الشرطة إذا كان هذا الاحتمال قائم على أسباب فعلية تبرره .
وسلطة الإدارة في تقرير مدى توافر الأسباب " الأمنية " أو " الصحية " التي تستوجب منع أو تقييد الحق في الزيارة ليست سلطة مطلقة ، فللقضاء ( مجلس الدولة ) حق مراقبة أسباب المنع أو التقييد وفقا للواقع والقانون . وضمن الإطار السابق ، يراقب القضاء مدي جدية أسباب المنع أو التقييد ، وان يكون المنع ضروريا لتحقيق الغاية التي أرادها المشرع ، أو بعبارة أخرى يجب أن يكون الضرر الذي يهدد المصلحة المحمية ( الصحة أو الأمن العام ) من الخطورة بمكان بحيث يستحيل معها دفع الضرر بدون اللجوء إلى تقييد حق السجناء في الاتصال بالعالم الخارجي . كما يجب ان يزول المنع أو التقييد بزوال الأسباب التي دعت إليه .
وتطبيقا لما تقدم ، قضت محكمة القضاء الإداري بقولها([16]) :
" ان المشرع التزاما منه بموجب أحكام الدستور حرص على تأكيد احترام آدمية الإنسان وكرامته وعدم إيذاؤه ، وجعل للمسجون أو المحكوم عليه حق التراسل وحق ذويه في زيارته في الأوقات المحددة ، ورخص لمحاميه مقابلته على انفراد بإذن كتابي " .. وبالنسبة للمادة 42 من قانون السجون التي تجيز للإدارة حق منع الزيارة في أوقات محددة منعا مطلقا أو مقيدا أكدت المحكمة على أن " المشرع جعل ذلك لأسباب صحية أو أمنية ، وأوجب ان يقوم قرار المنع على أسباب سائغة تبرره قانونا .. وان تذرع الإدارة بالأسباب الأمنية التي تحددت في الحيلولة دون ذوي المدعين من المعتقلين والاتصال بعناصر الإرهاب.. لا يصلح سندا للمنع المطلق أو حرمانهم من حق الزيارة الذي يمكن لها ان تجريه مع وضع الضوابط الكفيلة برعاية الجانب الأمني ، وإلا كانت الذريعة بحالتها هذه مانعا مطلقا من الزيارة مما لا يجوز قانونا ولا يبرره الواقع . ومن ثم فان قرار منع الزيارة المطعون عليه يكون قد صدر فاقدا سنده من صحيح حكم القانون " .
وفي حكم آخر قضت المحكمة بأنه([17]) :
" لا يجوز أن تمنع الزيارة عن المسجون منعا مطلقا من أي قيد ، وذلك بعدم تحديد مدة هذا المنع سلفا ، وأن تكون الأسباب التي دعت إلى المنع من الزيارة تبرر هذا المنع ، ولا تتجاوز حدوده وقدره ، لان حرمان الإنسان الذي تسلب حريته من زيارة أهله وذويه في محبسه ، يشكل إهدار لأدميته وإيذاء معنويا له وحرمانه من حق طبيعي مقرر له ولذويه . ولا يمكن ان يكون ذلك هو هدف المشرع من نص المادة 42 من قانون السجون .. "
إذا كان لمشرع قد أجاز أن يكون نطاق المنع من الزيارة " مطلقا " بحيث يشمل جميع نزلاء السجن أو" محدودا " وقاصرا على بعض النزلاء دون غيرهم .. ألا انه قد اشترط في الحالتين ،أن يصدر قرار المنع لفترة محددة ولا يجوز أن يستمر تطبيقه بعد زوال أسباب المنع ( زوال الحالة المرضية أو استقرار الحالة الأمنية ) . وفي ذلك تقول المحكمة ([18]):
" ومن حيث أن مفاد ما تقدم ان المسجون أيا كانت الجرائم التي ارتكبها ، تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامة ويكون لأهله وذويه أن يزوره ولا ينبغي حرمانهم من هذا الحق إلا لفترة مؤقتة لأسباب صحية أو أمنية . فالمنع يرد على الوقت أي محدد بزمن معين ولا يجوز ان يمتد هذا الوقت أجلا طويلا بما يعتبر مصادرة لحق الزيارة . وعلى ذلك فإذا كان المبين من الأوراق ان إدارة السجن لم تمكن المدعيات من زيارة أزواجهن منذ أمد طويل وكان هذا المنع أيا كانت بواعثه ومبرراه لا يصح ان يستطيل طوال هذه المدة التي زادت على عام وهو ما يعتبر مصادرة لحق حث عليه الدستور وكفله القانون ، الأمر الذي يضحي معه القرار المطعون فيه غير مشروع .. "
كم قضت محكمة القضاء الإداري بوقف تنفيذ قرار وزير الداخلية بمنع الزيارة عن أحد السجون وقالت في أسباب حكمها ([19]):
" ومن حيث ان المنع من الزيارة قد قام على أسباب أمنية ، فانه بانقضاء هذه الأسباب كان يتعين على جهة الإدارة أن تعيد الأمر إلى ما كان عليه وتسمح بالزيارة التي هي حق للمسجونين طبقا للقانون . ذلك ان الضرورة تقدر بقدرها ، وما دامت أسباب المنع من الزيارة قد انقضت فان الاستمرار في هذا المنع يكون مخالفا للقانون ، ذلك ان المنع في هذه الحالة يتحول من كونه مؤقتا كما أراده القانون ليصير دائما كما يريده مطبقو القانون وهو أمر مخالف تماما لمبدأ سيادة القانون "
من حيث المدة أوجب المشرع أن يكون قرار المنع في " أوقات معينة " وبناء عليه فلا يجوز المنع المطلق لغير فترة محددة أو غير المرتبط بظروف محددة . وفي ذلك قضت محكمة القضاء الإداري بقولها : " ومن حيث انه في ضوء ما تقدم ، فان ما ذكرته جهة الإدارة سببا لقرارها المطعون عليه لا يستقيم سببا صحيحا له . وآية ذلك انه على فرض ان المدعين محكوم عليهم بعقوبات جنائية وليسوا مجرد معتقلين يعاملون قانونا معاملة المحبوسين احتياطيا ، فان المشرع ولئن أجاز منع زيارة المحكوم عليه منعا مطلقا إلا انه قيد هذه السلطة بوقت معين ولأسباب متعلقة بالأمن أو الصحة ، فالإطلاق الوارد في النص مقيد في حقيقة الأمر بالوقت ، فضلا عن قيام موجباته ، ومن ثم لا يجوز القول بان نص المادة 42 من قانون السجون يجيز منع الزيارة عن المحكوم منعا مطلقا طالما وجدت أسباب أمنية ، بل يجب ان تمارس هذه السلطة ففي أوقات معينة فقط وليس في كل الأوقات وبصفة دائمة تستغرق فترة وجود المسجون أو المعتقل في محبسه . والقول بغير ذلك يتعارض مع صراحة النصوص ويؤدي إلى الإخلال بحق الزيارة الذي حرص المشرع على النص عليه تأكيدا للصلة التي تربط المسجون أو المعتقل بذويه .. ومن حيث ان ما ذكرته جهة الإدارة سببا لقرارها بمنع الزيارة عن المدعين لمدة زادت على ستة أشهر لا يصلح لحمل قرارها على الصحة إذ فضلا عن ان هذا المنع المطلق غير جائز قانونا ، فان الأخطار المحتمل ان تحدث أثناء زيارة المعتقل واتصال الغير به يمكن تداركها بأساليب اخرى غير أسلوب المنع المطلق للزيارة .."
وقد دأبت الجهة الإدارية على التحايل على نص القانون بإصدار قرارات إدارية متعاقبة بمنع الزيارة لمدة ثلاثة شهور عن سجون الاستقبال بطره شديد الحراسة بطره القسم الثالث شديد الحراسة بليمان أبى زعبل العناصر المتطرفة بسجن الفيوم العمومي على أن يبدأ تنفيذ القرار اللاحق عقب انتهاء القرار السابق عليه مباشرة .. وقد أدانت محكمة القضاء الإداري هذا التحايل ، حيث قالت ([20]) :
" إن تتابع القرارات الإدارية بمنع الزيارة لمدة معينة تلو الأخرى دون اصل زمني وذلك بسبب تتابع تحذيرات الجهات الأمنية من استهداف العناصر لإرهابية لبعض السجون . أشبه بالحرمان الدائم من الزيارة الذي حرص المشرع على عدم جوازه للاعتبارات الدستورية و القانونية التي من أجلها قرر لذوي المسجون الحق في زيارته ، كما أن تهديد بعض الخارجين على القانون بتنفيذ بعض العمليات الإرهابية لا يخول الإدارة منع الزيارة عن السجون بصفة دائمة ، و إنما على الإدارة أن تقرر المنع لمدة تتخذ خلالها من الإجراءات والاحتياطات ما يمكنها من كفالة الحقوق التي حرص الدستور والقانون على النص عليها دون أن تصل تلك الإجراءات والاحتياطات إلى حد الحرمان الدائم بتتابع المدد التي تمنع الزيارة خلالها واتصالها ببعضها ، ومن ثم فان القرار المطعون فيه يكون بحسب الظاهر من الأوراق مشوبا بمخالفة المشروعية ويتوافر بذلك ركن الجدية في وقف التنفيذ " .
ومن حيث نطاق قرار المنع من الزيارة والفئات التي يشملها ، فقد ميز المشرع بين زيارة الأهل والأقارب وبين زيارة محامي المسجون أو المعتقل والمحبوس احتياطيا ، فأجاز للجهة الإدارية ان تفرض قيودا على زيارة الأهل والأقارب على النحو السالف بيانه ، أما بالنسبة لزيارة المحامي لموكله في السجن سواء كان مسجونا أو معتقلا أو محبوسا احتياطيا ، فالأصل انه لا يرد عليها قيد .فقد نصت المادة 141 من قانون الإجراءات الجنائية على " حق المتهم بالاتصال دائما بالمدافع عنه بدون حضور أحد " رغم ان صدر ذات المادة أجاز للنيابة العامة ولقاضي التحقيق ان يأمر بعدم اتصال المتهم المحبوس بغيره من المحبوسين وألا يزوره أحد . وهو ما رددته أيضا المادة 39 من قانون السجون بقولها " يرخص لمحامي المسجون في مقابلته على انفراد بشرط الحصول على إذن كتابي من النيابة العامة أو من قاضي التحقيق ، في القضايا التي يندب لتحقيقها سواء كانت المقابلة بدعوة من المسجون أو بناء على طلب المحامي " .
وبناء على ما تقدم استقر القضاء الإداري في أحكامه على عدم جواز فرض قيود على زيارة المحامي لموكله في محبسه ، فقالت في ذلك ([21]): " وحيث ان اتصال المسجون أو المعتقل أو المحبوس احتياطيا بمحاميه أو المدافع عنه بدون حضور أحد أو على انفراد لا يتحقق إلا بتواجدهما في مكان واحد لا يفصل بينهما عائق يحول دون تبادل الحديث بينهما وليتمكن المحتمي من اطلاع المسجون على ما قد يحمله من مستندات . ومن ثم فان زيارة المسجون أو المعتقل لا تؤتي أكلها إذا وجد مانع أو عازل يحول دون لقائهما والتقابل معا في مجلس واحد . ويعتبر من قبيل المانع أو العائق الذي يحول دون إتمام هذه الزيارة وفقا للقانون وجود سلك أو زجاج أو التباعد بينهما على نحو لا يتمكن معه للطرفين التحدث معا بحديث هامس . لأن من شأن أيا من هذه العوائق إفشاء ما يفضي إليه به المسجون ، كما يمتنع حضور زيارة المحامي أحد من إدارة السجون ، لأن الانفراد أو عدم حضور أحد لا يتحقق إلا إذا كانت زيارة المحامي للمسجون وحده ولا يتواجد معهما إنسان آخر أيا كانت صفته " .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.