نعيش هذه الايام ، ومعنا الملايين من شعوبنا المغلوبة على أمرها ، ايامآ ، كنا نحلم بها لعقود طويلة ونتحدث عنها وعن حركة الجماهير وهبتها وثورتها في حلقاتنا وكتاباتنا ، وهاهي اليوم تسمرنا امام احداثها ، ولا تسمح لنا حتى بمفارقة صورها واصواتها من خلال شاشات التلفزة . نعم ، لقد انطلقت الهبة ، وتوسعت لتشعل ايامآ من الثورة ، مازالت مستمرة ، لتضفي على حياتنا طعمآ اخر ومذاقآ مختلفآ يلّونُ ايامنا وساعاتنا ، وينشرُ في اجوائنا عطرآ من الماضي الجميل ، له عبقهُ الخاص ، المتجدد بحركة جموع المصريين وصرختهم ، وارتفاع سواعدهم ، التي حركت الهواء مُداعبآ الوجنات والانوف والعقول والضمائر والمآقي ، التي تمتلآ بدموع الانفعال والتعاطف والغبطة ، لتغسل شيئآ من صدآ السنيين ولتزيل بعضآ من مرارتها . لقد تحرك الساكنون وتكلم الساكتون ، فآلفوا سمفونية رائعة للثورة الجديدة ، لِهبةِ شبابٍ وانتفاضةَ شعبٍ وثورة اجيال ، سمفونية تقول لننشد جميعآ نشيد الحياة ، فعزفت الاوركسترا حركتها الاولى سريعةً على نمط سوناتا ، وفيها انطلقت الحناجر في فضاءات المدن وشوارعها ، لِتهز بأصواتها طبول الأذان ، وتجذب عقول وقلوب وعيون الساكنيين ، مُطلةً على جحافل الاوركسترا الشبابية وهي تعزف وبأصرار الجزء الآول من سمفونيتها رغم اصوات النشاز وافعال طلقات القُساة ، ولتتواتر حركات أجزائها على التوالي ، في مشهدٍ قيامي فريد ، تشابكت فيه واندمجت اوتار الحناجر والآلات ، لتكتمل عناصر العزف السمفوني لموجات الصوت الهادرلسمفونية الثورة والولادة . لقد تمايلت مع ألحان الحياة المنطلقة ، اركان مصر، من الحجر والبشر ، التي نفضت عنها جزيئات الخوف ، وفكت قيد أسرها ، لتشكل أفواجآ وأمواجآ لهندسة صوت زمنها الجميل ، ولتشكل الروافد لمسرح الولادة في ميدان العزف والحب والشهداء والتحرير ، ميدان الوطن ، الذي فيه توجت اوركسترا شباب مصر وشعبها عزفها السمفوني ، فتعانق فيه الداخل والخارج والنهار والليل ، وتجسدت فيه فلسفة التعبير عن اصواتها وأصولها ، فعقدت لوائها في وسطه وامام تأريخه ، معنلةً وجوب ولادة حياة جديدة لشعب ارض الكنانة . لقد كتب اهل مصر وعازفي سمفونية ثورتها الشعبية نوتاتهم بحروف غير مألوفة ، وطبعوا عصرهم ببصماتها ، ليقدموا للعالم صورة ارقى للوحة الوطن والثورة ، التي صاغوها بحلمهم وبأرادتهم وبتصميم ايقونات الثورة من الشباب ، الذي فتح الآفاق بعدما هزَّ واسقط الاستبداد والفساد . أنها ليست ثورة جياع ، بل ثورة المستردين كرامتهم وحريتهم والطالبين للعدالة في حياتهم ، انها ثورة طبقات وفئات وشرائح ، فاض بها ورفضت ان تُهرس تحت عجلة الأوتقراطية الليبرالية ونظامها الأمني ، اصحاب السلطة والقابضين على اصول الاقتصاد والمالكين له بالنهب والسرقة . أنها ليست ثورة ألوان برتقالية او بنفسجية ، وهي ليست مُخمليةٍ ، من صناعةِ إعلام العُهر الليبرالي الذي يصنع ثوراته الملونة في ساحات بعض العواصم ، ويطوق رقاب من فيها بشالات العولمة المتوحشة . فتبآ لمحاولات اختزال هذه السمفونية الثورية الأنسانية المتميزة بلون ، وتبآ لأنصاف الكُتاب الذين يقزمون عقول الثورة ووقودها بمرجعية الفيس بوك ، وتبآ للحكام والعاقرين وابواقهم واعلامهم الذي يعيق عودة الروح واستعادة وطنية الشعوب . في أيامها الخالدة ، أكدت مصرحضارتها ، وخطَ شبابها وشيبها ثقافة مختلفة في الاحتجاج والثورة ، ثم صاغة تواضعها وكرست قيمها الجماعية اليومية ، وهي تعزف سمفونيتها ، فكان الشعر والزجل والكتاب والرسم والغناء والحوار والجدل . لقد صار مسرح ثورتها منتدى ، ولوحة تشكيلية في السياسة ، للقومي واليساري والاسلامي والمستقل ، اطارها الوطن وقيمها الوطنية المغروسة في الوجدان . لشعب مصر وشهدائها ، الذين كتبوا بداية جمهوريتهم الثانية ، تحية الكرامة ، ولدور المرأة المصرية ، فتيات وشابات وسيدات ، محجبات وسافرات نحني االرؤوس ، وكل صباح وانتم بكرامة .