كل المؤشرات توحي أن حزب الأصالة والمعاصرة يسير في نفس المسار الذي سار فيه حزب الإستقلال مع بداية حصول المغرب على الإستقلال. حيث شن الحزب القوي آنداك حملة عدوانية شرسة على كل قيادات حزب الشورى والإستقلال, وقمع كل ذي فكر حر يرفض الخنوع والركوع لقيادات حزب الإستقلال. المغفور له محمد الخامس طيب الله تراه, كان يدرك أن سيطرة حزب واحد على المجال السياسي في المغرب, سيشكل تهديدا للملكية في المغرب, وسيشكل زعيم الحزب الوحيد ندا ولو بعد حين للملك الذي يعتبر رمز الأمة المغربية. لذلك عمل المغفور له محمد الخامس وخلفه, الحسن الثاني طيب الله تراهما على دعم خلق أحزاب أخرى, تكون منافسة أو على الأقل منوعة للحقل السياسي في المغرب, حيث يكون التنافس بين القيادات الحزبية على جلب أكبر عدد من المواطنين, لكن تبقى جميع الأحزاب متنافسة فيما بينها, وكلها خاضعة وغير قادرة على التفكير في الحد من سلطات الملك أو الظهور بمظهر المهيمن في حضرته. حاليا يسعى حزب الأصالة والمعاصرة إلى ابتلاع أكبر عدد من الأحزاب السياسية في المغرب. قد يبدوا أن العملية هذه مفيدة نسبيا لكون الأحزاب في المغرب تسير نحو الشردمة لدرجة أن أغلب المواطنين لا يعرفون حتى عدد الأحزاب المغربية فبالأحرى أن يعرفوا أسمائها. يستغرب العديد من المواطنين من تنوع الشعارات الانتخابية, واصبح المواطن يسمي الأحزاب بشعاراتها, المصباح, الجرار, الوردة والميزان, وغيرها كثير. جميل جدا أن تكون في المغرب أحزاب قوية وأن ترفع عتبة الأصوات الكافية للفوز إلى أكثر من 10 في المائة, كي يقضى على الأحزاب التافهة والغير الموجودة أصلا إلا في الحملة الانتخابية. الدكتور محمد ضريف الذي يقول عن نفسه أنه خبير في فهم الحركات الإسلامية, يفتي في مدينة طاطا بجهة كلميمالسمارة, بضرورة الحد من قوة حزب العدالة والتنمية, وفي نفس الوقت الحفاظ عليه, لأنه حسب فهم الدكتور يقاوم مد تنظيمات إسلامية أخرى أكثر رادكالية في المجتمع المغربي. قد تبدوا نظرتك هذه يا دكتور ملائمة, لكن ما لا تعلمه أن الواقع التونسي, أثبت لك ولغيرك أن العاقل هو من يدخل جميع مكونات المجتمع في الحقل السياسي العلني, وإلا فسيكون مصيره تورة شعبية عارمة, تأكل الأخضر واليابس. إن أكبر ضربة يمكن أن توجه لأي تنظيم سياسي كيفما كان, هو إقحامه في العمليات الانتخابية, عندها ستبرز بعض عيوبه, كما يكون هو مجبرا على تغيير مجموعة من قناعاته ورغما عنه. إعلان الحرب على التدين في المغرب, بادرة جد خطيرة, لأن النظام في المغرب مؤسس على الدين وإمارة المؤمنين. محاولة الخلط بين التدين والارهاب, سعي لتأجيج المجتمع ودفعه مجبرا للسقوط في حزب العدالة والتنمية. الإسلاميون في المغرب, أكثر من نصفهم يقاطع الانتخابات. لكن القمع الممنهج الذي تعرضوا له جميعا بمختلف تلاوينهم, دفعهم إلى إعادة النظر في خلافاتهم السابقة, وسيتنازل كل لون منهم عن بعض خاصياته ليتوافق مع الآخرين. لقد عرفت الساحة الطلابية سنة 1990 توحدا لجميع الفصائل الطلابية اليسارية, بعد أن كان بينها التنافلس والحرب. توحدت الفصائل اليسارية معلنة الحرب على جميع الطلبة الإسلاميين الذين كانوا أقلية. الحرب عليهم وحدتهم جميعا, وخاضوا مواجهات مع الفصائل اليسارية, وتمكن الطلبة الإسلاميون بعد سنوات من السيطرة على أكثر المواقع الجامعية في المغرب. بالمثل, يظن حزب الإصالة والمعاصرة, أنه قادر على حرب الإسلاميين, ويحاول أن يقنع الجميع أن الاسلاميون هم حزب العدالة والتنمية, والحزب هذا لا يمثل من الإسلاميين بالمغرب إلا أقل من الخمس. الإسلاميون في المغرب, هم البديل السياسي المتوقع في المجال السياسي, والعالم باسره يعرف تنافسا بين العلمانيين والإسلاميين, لذلك فقد اصبح الإسلاميون في المغرب يشكلون نصف المجتمع, والدليل هو إعلان الحرب عليهم. الحرب هذه تزيدهم شعبية وتشجعهم عل الاستقطاب وجمع الشمل وتنسيهم الخلافات وتشغلهم حتى عن التفكير في قناعاتهم. المغربي من طبعه أنه مناصر لمن يراه مظلوما, ومنتصرا على من يراه ظالما. لقد ربح الاسلاميون نفسا جديدا ودماء جديدة, بعد أن كادت جادبيتهم تدبل, بفعل الدور السلبي لحزب العدالة والتنمية الذي يصور المغرب على أنه جنة للإسلاميين, لكن إعلان الحرب عليه وإعلان بنكيران أنه لن يسكت بعد أن اعتقل المعتصم, دليل على أنه كان ساكتا أو أنه تعاقد على السكوت. بعد أن فرغ التيار العلماني من الثور الأبيض والأسود جاء دور الثور الأحمر. ندب هذا الأخير حظه, وهو الغبي الذي لم يكن يعلم أن فقدان اخيه في الميدان معناه موته المحقق. استوعب بنكيران الدرس متأخرا, وهو الآن يحرض أعضاء حزبه والحركة التابع لها حزبه, نحو التصعيد ومعناه التوحد والتنسيق مع الإسلاميين الآخرين. حزب العدالة والتنمية, كان يقوم بدور الحاجب لأي دور للتنظيمات الإسلامية الأخرى في المغرب. ضربت جماعة الدعوة للكتاب والسنة, وهي جماعة دعوية مسالمة, وضربت جماعة العدل والاحسان, وضربت قبلهم جماعة السلفيين, بقي التبليغيون الذين يعانون من التضييق شيئا فشيئا. الاسلاميون سيوحدون جهودهم مجبرون, كما وحد التونسيون أنفسهم مجبرون وسار الماركسي جنبا إلى جنب مع الإسلامي, وتوحدت جميع المتناقضات في تونس. كذلك سيكون حال الإسلاميين, عندها سيكون حزب الأصالة والمعاصرة, الذي مؤكد سيعرف ايام كأيام المشمش في انتخابات 2012 وبعدها بسنتين, لكن سيكون مصيره الفشل والزوال. حزب الأصالة والمعاصرة, يجمع حاليا كل الراغبين في التسلق, ظانين أن سلم الحزب قادرا على السماح بتسلق الجميع, والحقيقة أن الصاعدين في سلم الحزب لن يسمحوا هم آنفسهم لآخرين بالتسلق, لذلك بعد سنتين أو ثلاث سيكتشف المواطنون ذلك, وسيتفرقون بنفس السرعة التي تجمعوا بها على الحزب. الحزب يغريهم بالصعود والرقي, وهو حقيقة سمح للعديد من كوادره بالبلوغ لما لم يكونوا يحلمون به, لكن الجمهرة التي يسخرها الحزب حاليا, ستخبوا يوما بعد يوم. الحزب سيبقى لسنوات عدة كما بقيت العديد من الأحزاب المصنوعة في يوم وليلة, يبقى الحزب من خلال العناصر التي تسلقت بفضله, ما بقيت تلك العناصر. عناصر العدل والاحسان, والدعوة للكتاب والسنة, أمام خيارين لا ثالث لهما, إما الدخول في المسار الانتخابي كمستقلين من أجل التوسع في نشر الدعوة وقناعاتهم, وإما السير في طريق التصعيد العنيف. التنظيمين اصبحا غير قادرين على ضبط عناصرهما, ووجب فتح مجال لتصريف الضغط الذي على وشك الإنفجار. النظام المغربي, سيسير في مسار تخفيف الضغط ودفع العدل والاحسان للمشاركة الانتخابية ولو كمستقلين من أجل تقسيم الحركة الاسلامية وخلق صراعات علنية في صفوفها, على غرار التقسيمات التي أحدثها في اليسار المغربي سابقا, كي لا يتوحدوا تحت راية واحدة ويشكلوا القوة المسيطرة. كل الخطوات حاليا ومستقبلا في صالح الحركات الاسلامية, قد تتمزق صحيح, لكن ستكون خلافاتها وصراعاتها حديث الناس جميعا, وبذلك سيفرضون النقاشات السياسية الدينية في الميدان, ولن يكون على خصومهم إلا اللجوء إلى المال والتزوير الفاضح لكي يحصلوا على مكان لهم في مقاعد الانتخابات. الذي يمكن أن نخلص إليه هو أن المستقبل في العالم العربي والإسلامي, سيكون للتنظيمات الإسلامية, وكل هزيمة يتلقاها المسلمون من أعدائهم تشكل وقودا لقوة الإسلاميين في العالم, وتعطي الإنطباع على أنهم البديل الحقيقي للشعوب الاسلامية, وغيرهم خدام للصهيونية بطريق مباشر أو غير مباشر. لم نسمع في المغرب عن الافتخار بالشدود وبتأسيس جمعيات له ونوادي, إلا مع بروز الحزب الجديد, الذي يريد أن يصور المملكة المغربية على أنها بلد الفسق والفجور, والحال أن أولائك الشادور التافهون, وكذلك العاهرات,الآتي يلقين الملايير مقابل الظهرو في الشاشات وإظهار المرأة المغربية على أنها عاهر, أولائك لا مكان لهم حقيقية وهم أقلية تافهة وضعيفة, ولو لم تكن محمية كفاية لأقيم فيها الحد في يوم وليلة. إن سار المغرب في مسار تقوية حزب واحد, فإنه من حيث لا يعلم سيبلغ إلى حزبين قويين, أحدهما إسلامي, والآخر علماني. العلماني إن فقد وسيفقد دعم اليهود المغاربة, فسيكون عاجزا عن المنافسة.