بداية يستمد شارع محمد محمود اسمه من اسم صاحبه محمد محمود باشا، الملقب ب"الرجل الحديدى", الذى شكل الوزارة أربع مرات بالعهد الملكى، وشغل فيها منصب وزير الداخلية، وكان معروفاً باستخدام القوة، وهذا الشارع كان حاضرا إبان ثورة 25 يناير بقوة، واستمرت فيه المظاهرات طوال أيام هذه الثورة، التى أدت للإطاحة بحكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك، وخلعه هو نظامه، ومن المعلوم علم اليقين أن أحداث محمد محمود بعد ثورة 25 يناير, حدث فيها حرب شوارع واشتباكات دموية ما بين المتظاهرين وقوات الأمن المختلفة، حيث قامت فيها قوات الشرطة، وقوات فض الشغب بتصفية الثوار جسدياً "وليس مجرد تفريقهم"، حيث وصفها إنذاك "مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب" بأنها كانت حرب إبادة جماعية للمتظاهرين، باستخدام القوة المفرطة وتصويب الشرطة الأسلحة على الوجه مباشر، قاصدًا أحداث عاهات مستديمة بالمتظاهرين، واستهداف المستشفيات الميدانية، وأكدت أيضا تقارير رسمية، أنه حدثت جرائم حرب فى هذه الأحداث, ومن المعروف أن هذه الأحداث وقعت فى الشوارع المحيطة بميدان التحرير، وخاصة فى شارع محمد محمود بدءاً من يوم السبت 19 نوفمبر 2011 حتى الجمعة 25 نوفمبر 2011، قامت فيها الشرطة باستخدام الهراوات وصواعق كهربائية، ورصاص مطاطى، وخرطوش، ورصاص حى، وقنابل مسيلة للدموع أقوى من الغاز القديم، وقذائف مولوتوف وبعض الأسلحة الكيماوية الشبيهة بغاز الأعصاب، وقنابل الكلور المكثف، وغاز الخردل، والفسفور الأبيض، والغازات السامة، وذلك مقابل استخدام المتظاهرين الحجارة والألعاب النارية، مثل الشمروخ وأحيانا المولوتوف، على الرغم من نفى المجلس العسكرى، ووزير الصحة الأسبق، وزير الداخلية الأسبق منصور عيسوى استخدام أى نوع من أنواع العنف فى مواجهه المتظاهريين السلميين، وأدت الأحداث إلى مقتل المئات، بالإضافة إلى آلاف المصابين، وكانت الكثير من الإصابات فى العيون والوجه والصدر نتيجة استخدام الخرطوش، بالإضافة إلى حالات الاختناق نتيجة استخدام الغاز المسيل للدموع، ومن المعروف أيضا أن منظمة العفو الدولية قامت بمطالبة وقف تصدير الأسلحة والقنابل المسيلة للدموع للداخلية المصرية، حتى إعادة هيكلة الشرطة، بعدما استوردت مصر من أمريكا 45.9 طن من قنابل الغاز والذخائر المطاطية منذ يناير 2011. فمن الغريب والمؤسف أن نجد الآن فى ذكرى أحداث محمد محمود بعد ثلاث سنوات من ثورة يناير المجيدة، أن نجد الشرطة وقوات الأمن تحتفل وتقوم هى بنفسها بمراسم الاحتفال بذكرى أحداث محمد محمود ويشاركها فيها القوات المسلحة، وتتناسى الشرطة أن تلك الأحداث وقعت عندما شهدت القاهرة، وقبلها ميدان التحرير وأحد تفريعاته شارع محمد محمود المؤدى لوزارة الداخلية مظاهرات حاشدة ضد استمرار حكم المجلس العسكرى، الذى كان يسيطر على مقاليد الأمور فى مصر ومطالبته بتسريع إجراءات تسليم السلطة لمدنيين، واستمرت المظاهرات فى الشارع لستة أيام، حيث واجهتها الشرطة وقوات من الجيش باستخدام الهراوات والصواعق الكهربائية والرصاص المطاطى والخرطوش والرصاص الحى، بينما استخدم المتظاهرون الحجارة والألعاب النارية وقنابل المولوتوف، وتركزت الاحتجاجات فى هذا الشارع على اعتبار موقعه الهام، حيث إنه الطريق الأقصر من ميدان التحرير "قلب الثورة" لمقر مبنى وزارة الداخلية الكائن بشارع الشيخ ريحان، فضلا عن أنه يضم مجمّع مبانى الجامعة الأمريكية، كما توجد فيه إحدى المدارس الفرنسية وعدد من المطاعم الأمريكية، وأدت أحداث محمد محمود بالنهاية لمقتل 42 شخصا إلى جانب جرح المئات، وكان الكثير من الإصابات بالعيون والوجه والصدر، وهو الأمر الذى أثار انتقادات حقوقية محلية ودولية، وحينها رأت قوى سياسية -خصوصا من التيار الإسلامى- فى أحداث محمد محمود أنها مؤامرة نظمها رموز الحزب الوطنى الديمقراطى المنحل تهدف لعرقلة تسليم السلطة من العسكريين للمدنيين. ونسيت الشرطة أيضا أن فى الذكرى السنوية الأولى لأحداث محمد محمود، تجمع عدد كبير من المتظاهرين والنشطاء وأهالى القتلى والمصابين، بمحاولة لإحياء ذكرى هذه الأحداث، والمطالبة بالقصاص للشهداء، غير أن الأمر الذى بدأ سلميا تحول شيئا فشيئا لمواجهات أخرى دامية سقط فيها أحد عناصر حركة 6 أبريل ويدعى محمد جابر (جيكا)، الأمر الذى أعاد الشارع للواجهة السياسية، وفى يناير 2012 قضت محكمة جنايات القاهرة بوقف سير إجراءات الدعوى الجنائية ضد 379 شخصا متهما بالتورط فى المصادمات التى وقعت بين متظاهرين وقوات الأمن باحتجاجات فى شارع محمد محمود. وأخيرا وبعد مرور ثلاث سنوات تذكرت الحكومة برئاسة الدكتور حازم الببلاوى وقررت اعتبار ضحايا أحداث "محمد محمود" الأولى و الثانية، وماسبيرو" و "مجلس الوزراء" شهداء ثورة، كما اعتبر المجلس من استشهد أثناء تأدية عمله كصحفى "شهيد ثورة"، ويتم معاملتهم مثل شهداء ثورة 25 يناير هذا على الجانب الرسمى، أما على الجانب الشعبى والميدانى ستقوم بلإقامة سرادق للعزاء لكل شهداء أحداث محمد محمود، واطلاق أسماء الشهداء على شوارع هامة ومهمة فى القاهرة، وهذا حدث مع جابر الشهيد بجيكا على شارع بمنطقة عابدين. وأنا مع الاحتفال ومراجعة الدولة والحكومة والشرطة التى هى جزء من الحكومة، أن تراجع موقفها، وأن تصحح ما وقعت فيه من أخطاء، وهذا أمر واجب عليهم، وفى نفس الوقت يستلزم ويوجب علينا نحن التقدير والاحترام، فنحن مع هذا، أما أن تخلط الأمور، وأن تقلب الحقائق، بأن الشرطة وقوات الأمن ضحية لهذه الأحداث، وأن الإخوان والتيار الإسلامى هو قاتل الشهداء، وهو الذى يقف وراء تلك الأحداث، فهذا تزييف وتزوير للحقائق والتاريخ، فقد يدفع البعض كرهه وحقده للإخوان مستغلا أحداث ما بعد 30 يونيه، ووضع الإخوان الآن بأن يلبس التيار الإسلامى وعلى رأسهم الإخوان القضية، فهذا أمر غير مقبول، أما إذا أردت الدولة أن تعقد مصالحة بين الشرطة والثوار والشعب فعليها أن تعترف بالحقيقة أولا وأن لا تزييف الحقائق ثم تقوم بالاحتفالات وإقامة المراسم كما تشاء ويكون لها الشكر والعرفان بدون قلب للحقائق.