لقد استطاعت الحركة الإسلامية في مصر أن تربي الشعب المصري برمته, بل وتوفقت لدرجة أن المسيحيين أنفسهم يعرفون عن الإسلام ما لا يعرفه عنه المسلمون في بعض الدول العربية الأخرى. الحركة الإسلامية الأم التي هي تنظيم الإخوان المسلمين, ولدت العديد من التنظيمات التي يختلف بعضها عن والدتها اختلافا كليا أو نسبيا, وخرج من التنظيمات الأبناء تنظيمات أخرى أكثر تنوعا ورادكالية. لكن جميع التنظيمات تحترم على الأقل أصولها ولا تتصرف بقناعاتها التي لا تعرفها في الغالب إلا الحركة الأصل التي تفرعت منها تلك التنظيمات, أما اغلب المواطنين وحتى مصالح الأمن فهي لا ترى في مصر إلا الإخوان المسلمين وتعتبر كل ملتحي أو كل مرتاد على المساجد هو من الإخوان المسلمين. الحال أن جماعة الإخوان المسلمين جماعة تربوية أكثر مما هي سياسية, جماعة عاقلة كسبت الخبرة وسيق اغلب أعضائها خلال الخمسين سنة الماضية إلى السجون, قليل منهم من يخرج محتفظا بفكر الجماعة, لكن الغلبة السياسية والتمثيلية تكون دائما للمحتفظين بتلك القناعة ولو ظاهريا. أرى أن حكومة مصر التي أبعدت جماعة الإخوان المسلمين عن البرلمان المصري, حكومة جاهلة للغاية, حكومة تضم متطرفين علمانيين, لا يهمهم مستقبل مصر وأمنها. إذ لو كانوا يعقلون حقيقية, ما تجرؤوا على احتقار الأم ولها من الأبناء كثير قادرون على الانتقام شر انتقام لمن أهان أمهم. صحيح أنهم يخالفون نهج وسياسة والدتهم, لكنها عنهم مسيطرة من باب الطاعة فقط. مستقبل مصر أراه في كف عفريت. هذا إن لم تتدخل حكومة مصر وفتحت لجماعة الإخوان المسلمين الباب على مصراعيه للولوج لجميع الميادين التي كانت عنها مغلقة, ووجدت الجماعة ما تسكت به أبنائها وأحفادها ووجهتهم للعمل التربوي والاكتساح القاعدي وشغل جميع المهمات غير السياسية في المجتمع المصري. لقد كانت جماعة الإخوان المسلمين مهيمنة على جميع أبنائها وأحفادها بما لها من تمثيلية على المستوى السياسي, والحقيقية أنها أصبحت مسنة وخائرة القوى وغير قادرة على مجارات أبنائها وأحفادها في ميدان الاستقطاب الدعوي, ولم يعد لها ما تمني به الشباب من الولوج للميدان السياسي التمثيلي فأصبح مكانها هو الزاوية, حيث ستبقى لحين حلول أجلها ليحملها الأبناء والأحفاد لتوارى التراب وتقبر بالمرة. لقد أيقن شباب المسلمين أن الفكر الديموقراطي الانتخابي مع المسلح المدعي القوة, غير مجدي بالمرة, والدليل اتضح في الجزائر وتكرر في مصر وسيتكرر في جميع بلدان العالم الإسلامي. لذا أصبح الشباب مقتنعا يوما بعد يوم بالفكر السلفي الجهادي الذي يواجه القوة بالقوة والعصا بالعصا, يبشر الشباب بعالمية الإسلام وحكم الشرق والغرب والشمال والجنوب. إسرائيل نفسها أيقنت أنها ارتكبت خطأ فادحا حين أملت على مصر أن لا تبقي في برلمانها غير لون واحد, لأنها كانت تريد أن تقنع الشعب المصري بضعف وموت الإخوان المسلمين, وهي لم تدرك يقينا أن أبنائها اخطر منها وأشد عداوة لإسرائيل, ولا يمكنهم المرة أن ينظروا حتى في إسرائيل فكيف لهم أن يحاوروها بغير الرصاص. التنظيمات الأبناء والأحفاد فهمت الرسالة جيدا, وأصبحت تتأهب لخوض الحرب التي تراها على وشك الاندلاع, ستعلنها إسرائيل على مصر أو تعلنها جماعات الأقباط المصريين بتعاون ومؤازرة من قوات مصر. مصر ستدخل في دوامة الحرب الداخلية العنيفة لتهدم جميع ما بني على مدى الخمسين سنة. أمر واحد يمكنه أن يجنب مصر المصير المحتوم هذا, هو أن يجلس الرئيس حسني مبارك شخصيا مع زعماء الإسلاميين على اختلاف تلاوينهم وزعماء الأقباط بعيدا عن أي سياسي آخر من حزبه, غير ولده الذي يهيئه لحكم مصر. يمكن لحسني مبارك إن بادر بهذه المبادرة ودعا أولائك الشخصيات المؤثرة في مصر, اعني القواعد في مصر, وليس أولائك الذين فازوا بالتزوير. إن جالسهم في جلسة خاصة بعيدا عن الأضواء والإعلام وجمعهم وأقنعهم أن مصير شعب مصر ودولته, رهين بتعقل الجميع وصبر الجميع, فسيخرج مصر من عنق الزجاجة. إسلاميو مصر غير راغبين في الحكم حاليا, لكن لا يرضيهم الذل الذي تفرضه إسرائيل على دولتهم. ولو كان حسني مبارك محنكا لما فرط في أي من الجهتين, يمسك شعبه وأبناءه القادرين على الدفاع عنه بيد ويمسك الغرب وأمريكا بيد, يرعب ويخيف كل منهما بالآخر. مؤخرا لقد مال أو أميل إلى جانب إسرائيل, لذلك احتقره الطرفين, إسرائيل لأنها أدركت أنه أصبح أعجز عن تهديدها, والإخوان لأنه أصبح أعجز عن منافستهم في استقطاب الشعب, الذي أيقن أن الرئيس أصبح ضعيفا ولا يشرف مصر في وجه الأعداء.