لو ان شخص قد قرر العودة الى ارض الوطن بعد سنوات خارج الحدود إنقطعت فيها كل الصلات بينه وبين اخبار الوطن لشعر بمجرد ان يقضى ما لا يذيد عن بضعة ايام قليله انه لا يمكن باى حال من الاحوال أن يكون فى مصر التى تركها منذ سنوات ليست بالبعيده . مصر التى تركها وقد إمتلأت بالرحمه والشفقه والحب ، مصر التى تركها وقد أحب الجار لجاره ما يحبه لنفسه ، مصر التى تركها وقد ضحى فيها الشاب من اجل ان يستر " بنت حتته " ، مصر الذى تركها وقد إحترم فيها الصغير الكبير ، مصر التى تركها وقد فاض فيها الخير وأصبح الشر فيها غريباً منبوذاً لا يجد له مكان على أرض هذه الامه المكافحه الشريفه ، مصر التى تركها وقد إتخذ أهلها مبدأ " يا بخت من بات مغلوب ولا بات غالب " ، مصر التى تركها وقد إعتنق أهلها أفكار تبنى ولا تهدم وتجمع ولا تفرق ، مصر التى تركها وصفحات الجرائم والحوادث نادرة الوجود وإذا وجدت تراها وقد إمتلأت بالدعايه والاعلانات لشغل المساحات الفارغه الا من بعذ الحوادث الفرديه ، مصر التى تركها وقد إتصف فيها من تسول له نفسه بإرتكاب جريمة قتل " بالسفاح " ومن يوسوس له شيطانه بجريمة إغتصاب " بالذئب البشرى " ومن يجول بخاطره أن يؤذى والديه " بالمراق العاق " . ينظر هذا العائد من غربته الى هذا الوطن الحبيب فيشعر انه قد أخطأ الطريق ، أو أنه قد إستقل الطائره بالخطاً الى بلد أخر ربما تكون من بلدان أمريكا الجنوبيه أو إفريقيا الوسطى ، يشعر بشعور غريب وكأنه شعور الكهرباء وقد إنقطعت فجأه فخلفت ورائها ظلمات لا تيكاد يرى يديه ولا يعرف من أين يأتى الخطر . ماذا حدث لوطننا ، محط الاديان ، و الشاهد على الرسالات السماويه التى كان ختامها مسك بعد أن أضاء الاسلام جنبات هذا الوطن وأصبح مناره للعلم ، وأصبح مقصداً لتحصيل الثقافه والحضاره والفن ، وأصبح منارته الشريفه " الازهر " مثل شعاع من نور يطوف فى أنحاء المعموره فيملؤها ضياع وعلم . لم يتمالك هذا العائد نفسه من الانخراط فى نوبة بكاء ونحيب بمجرد ان قرر أن يتصفح بعض صفحات الحوادث ، فوجد مالم يكن يخطر بباله أن يراه فى مصر فى يوم من الايام ، وجد انه لم يعد يمر يوم بدون ان تغتصب فتاه أو سيده والكارثه المروعه أن الامر لم يعد يقتصر على ذلك بل تعداه الى أن وصل إلى حد إستهداف الرجال والاطفال . إخذ يسترسل فى القراءه ووضع يده على قلبه وهو يكاد يشق صدره هرباً ورعباً فهل كان أحد يحلم أن يرى فى مصر أن هناك أطفال قد إغتصبوا طفلاً ، وأن هناك أخرون قد إختصبوا طفلاً أخر وقطعوا عضوه الذكرع بالسلاح ، وأخر يقتل أمه ، وأخر يحرق زوجته ، وهذا يقوم بتصوير زوجته وهى فى أحضان عشيقها فتقوم زوجته بذبحه ، وهذه تتخلص من رضيعها فى صندوق القمامه . ثم علا صوت نحيبه وهو يتصفح عندما وجد هذا يغتصب أمه وهذا يغتصب إبنته ، وهؤلاء يعبدون الشيطان ، وهؤلاء يعتدون على الامنين تحت شعارات واهيه هم ابعد عنها من بعد المشرق عن المغرب ، وهذا يفر هربا بعد أن استولى على أموال من هنا وهناك . ووصل الى مرحلة الغثيان وقرر أن يوقف مهزلة تالتصفح عندما وصل الى هذه المستشفى التى تسرق الاعضاء ، وهؤلاء الذين يقومون بخطف الاطفال من اجل ممارسات الرذيله أو سرقه أعضائهم . أغلق هذا المسكين متصفحه البائس وقرر ان يطالع بعض الاخبار الاقتصاديه فقد كان فى أشد الحاجه لمعرفة الظروف الاقتصاديه وأحوال المجتمع فى هذه الايام قبل ان ينخرط فى المعاملات الماليه وخاصة بعد ان قضى عمره فى تجميع هذه الاموال التى تحصل عليها وبسببها ، لم يرى أطفاله وهم يكبرون ، ولم يقف فى عزاء والديه حينما توفاهم الله ولم يشعر بالمتعه طيلة سنوات وسنوات . ولكن الرجل بدى وكأنه فى ذهول بعد ان أخذ إنتباهه صوره لحبة طماطم تملأ صفحى جريده كان يتصفحها ومكتوب تحتها " مجنونه ياقوطه – الكيلو ب 18 جنيه " أخذ يفرك فى عينيه غير مصدقاً ولكنه وجد الخبر صحيح ، وفوراً وبغريزته الاقصاديه أخذ يبحث عن أسعار " اللحمه " فكانت الدهشه أشد وأعمق بعد ان وجد ظالته ، وبغريزته الاجتماعيه أخذ يبحث عن متوسط الراتب للمواطن المصرى ، فكانت دهشته أشد عمقاً وحسره بعد أن وجد غايته . الرجل أصيب بحاله من الاعياء النفسى الشديده ، قرر على أثرها أن يقلب بعض الشىء فى قنوات التلفاذ الفضائيه المتخصصه فى التسليه لكى ينسى بعض ما قرأ وسمع . بحث عن هذه القنوات وبدأ يتابع ، ثم أخذ يدقق النظر فى أسماء هذه القنوات وقد جال بخاطره انه قد إنتقل الى القمر الاوربى عن غير قصد ولكنه تأكد من انه للأسف على القمر " نايل سات " فأخذ يضرب كف بكف على ما يرى من قنوات ليس لها هدف الا العرى والاثاره الجنسيه وغيرها ليس لها هدف الا زرع الشعوذه والدجل وأخرى ليس لها أى غايه الى النصب والخديعه تحت مسمى المسابقات . عقد الرجل الجبين وبدى مهتماً وكأنه قد بدأ يفكر وكأنه قد بدأ يربط الاحداث ببعضها البعض ، وكأنه قد توصل الى الاسباب الرئيسيه فيما رأه من أحوال الجريمه فى هذا الوطن وهى الاسباب التى تتلخص فى أحوال إقتصاديه متدهوره فى مجتمع يحتوى على أثرياء واغنياء يتباهون بما لديهم ويضعون الفقراء وأبناء هذا الوطن فى نهاية الصفوف ولا يتركون لهم الا الفتات ، فلا يجد من تسول له نفسه سبيل الا الجريمه بعد ان يسول له شيطانه انه سيصل الى مصاف هؤلاء العظماء الذين وصل بعضهم سالكاً نفس السبيل . ثم الاثاره الجنسيه منقطعة النظير فى هذه الايام من مسلسلات وكليبات وقنوات تقوم على الاثاره وتحريك الغرائز فلا يجد المواطن الفقير الذى لا يجد ما يساعده على صيانى نفسه بما احل الله فيضع يده بيد الشيطان الاصغر وهة إبليس وفى أيدى الشياطين الحقيقيين وهم صنلع هذه المواد المسفه ويتجه الى الجريمه . ماذا حدث لهذه البلد المرهفه المشاعر ، الرقيقه التى جلست على شاطىء النيل الخلاب فى ليلة قمريه لتنظر الى صورتها المنعكسه فى المياه وتقول لنفسها " من مثلى من البلاد فى حسنى وجمالى وسحرى وقوتى " فيأتيها صوت عاشقها ، نيلها الخالد " انت يا أم البلاد ، أنت فى حسنك ما رأيت " علينا ان نعالج المرض قبل أن يستشرى وقبل ان يطولنا جميعاً ، وقبل ان نتحول الى مقاطعه من مقاطعات أفريفيا الوسطى . نريد ان نشعر بالامان على الابناء وما أبئسهم أن كانوا فى ظل هذا العصر الذى يفسده الناس . نريد ان نشعر بالطمئنينه على أنفسنا ، وعلى هذه البلد التى نعشقها ولا نريد أن يخرج جيل جديد لا يشعر بالانتماء لهذا الوطن الذى إغتسلت أرضه بدماء الشهداء . تامر عزب