دشن الأسترالى جوليان أسانج ( Julian Assange ) صاحب الموقع الألكترونى ( WikiLeaks ) ظهور سوبرمان ( Superman ) من نوع جديد فى العقد الأول من القرن الواحد و العشرين ، حيث أتيح لأول مرة فى التأريخ البشرى لأنسان عادى - لايتمتع بأى صفات جسدية او روحية خارقة او سحر شخصية كاريزمية و ليس له اى سلطة او نفوذ سياسى او مالى او اجتماعى - ان يهز المؤسسات السياسية و العسكرية لعدة دول بينها الولاياتالمتحدة الأميركية و بريطانيا و أفغانستان و العراق و ذلك عن طريق نشر مئات الألوف من الوثائق البالغة السرية دفعة و احدة و ألأحتفاظ بالنسخ الأصلية فى أماكن سرية مجهولة و حصينة لا تطالها أيدى السلطات . وفى جعبة أسانج و ثائق كثيرة أخرى وعد بنشرها تتعلق بدول كبرى مثل فرنسا و روسيا و ربما بدول أخرى ينام حكامها اليوم فى أمان و أطمئنان ليصحوا غدا على قنابل الفضائح التى يفجرها هذا الشاب النحيل فى وجوههم فيسلبهم راحة البال و يرغمهم على مراجعة السياسات التى يتبعونها و التحقيق فى قضايا انتهاكات حقوق الأنسان و الأعتراف بأخطائهم و خطاياهم علنا .انه الأنسان العادى ، سوبرمان مناقض تماما لسوبرمان الفيلسوف الألمانى نيتشة أى الأنسان الخارق فى قدراته الجسدية و الذهنية ، أنه سوبرمان العصر الرقمى الذى خلقته التكنولوجيا المتطورة و يستمد أهميته و تأثيره الهائل من الوسيلة التى يستخدمها . البيت الأبيض و الخارجية الأميركية أدانا نشر الوثائق الفضائحية لأنه قد يعرض حياة العسكريين الأميركان و عملائهم المحليين فى أفغانستان و العراق الى الخطر . و البنتاجون ناشد أسانج بأعادة و ثائق الجيش الأميركى ( المتسربة ) و الكف عن نشر ما تبقى من مثل هذه الوثائق لديه . علما ان اسانج حذف الأسماء من الوثائق المنشورة و لكن الصور و أشرطة الفيديو توضح بجلاء من هم المتورطون فى جرائم يرقى بعضها الى جرائم حرب . ظاهرة اسانج تشير الى ان بوسع اى انسان فى اى ركن من اركان قريتنا العالمية – ان يستعين بالتكنولوجيا المتطورة و فى مقدمتها وسائل الأتصال الرقمية لأيصال صوته الأحتجاجى الى العالم بأسره متى شاء. هذا الصوت المدوى بات قوة للضعفاء و المضطهدين و المظلومين افرادا و شعوبا فى عالم اليوم . لقد أتاحت و سائل معقدة للغاية و لكنها بسيطة الأستعمال مثل الأنترنيت امكانيات واسعة لملايين الأفراد فى انحاء العالم فى الحصول على المعلومات و تبادلها و أقامة صلات بين اناس من جميع أنحاء العالم من اجل تحقيق أهداف محددة مثل الأحتجاج على التلوث البيئى أو النظام الدولى الجديد . ان التكنولوجيا الألكترونية سلاح ذو حدين و يمكن استخدامها لأهداف سلمية او عسكرية . و تقول صحيفة ( لوموند ) الفرنسية فى احد اعدادها الأخيرة ، ان برنامج ( Sky Grabber ) ، يباع فى الأنترنيت لقاء 25,95 دولار فقط و لكنه برنامج مهم و قد أتاح للمتمردين الأفغان و العراقيين السيطرةعلى طائرات أميركية بلا طيار كانت تحاول قصف مواقعهم بهدف القضاء عليهم . كما ان القوى المتطرفة تستخدم وسائل الأعلام و الأتصالات الحديثة مثل الفضائيات و الأنترنيت لبث سموم الكراهية و الخرافات و الدجل و التمييز الدينى و الطائفى و العرقى و معاداة كل ما هو جميل فى الحياة . اما عصابات الجريمة المنظمة و تجارة المخدرات فأنها وجدت في هذه الوسائل ضالتها للتواصل و التنسيق السريع فيما بينها لأهداف شريرة. و بفضل استخدام التكنولوجيا الجديدة فأن بوسع أى انسان أن يلحق الأذى بقوى عظمى او يشل حركة الطيران و التجارة الألكترونية و مجالات أخرى كثيرة تستخدم الأنترنيت و تكنولوجيا المعلومات فى أعمالها . قبل عشرين عاما كان التهديد الوحيد للأمن القومى الأميركى و الدول الغربية عموما ، هو الأتحاد السوفييتى , و لكن العدو اليوم ربما يعيش فى بيت مجاور أو حتى داخل العمارة نفسها و لكن فى طابق أعلى . جودت هوشيار – موسكو [email protected]