قاضي دمشق ، وصاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبو الدرداء عويمر بن زيد بن قيس ويقال : عويمر بن عامر ، ويقال : ابن عبد الله . وقيل : ابن ثعلبة بن عبد الله - الأنصاري الخزرجي حكيم هذه الأمة . وسيد القراء بدمشق . وقال ابن أبي حاتم : هو عويمر بن قيس بن زيد بن قيس بن أمية بن عامر بن عدي بن كعب بن الخزرج . قال : ويقال : اسمه عامر بن مالك . روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- عدة أحاديث . وهو معدود فيمن تلا على النبي -صلى الله عليه وسلم- ، ولم يبلغنا أبدا أنه قرأ على غيره . وهو معدود فيمن جمع القرآن في حياة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- . وتصدر للإقراء بدمشق في خلافة عثمان ، وقبل ذلك . روى عنه : أنس بن مالك ، وفضالة بن عبيد ، وابن عباس ، وأبو أمامة ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ; وغيرهم من جلة الصحابة ، وجبير ابن نفير ، وزيد بن وهب ، وأبو إدريس الخولاني ، وعلقمة بن قيس ، وقبيصة بن ذؤيب ، وزوجته أم الدرداء العالمة ، وابنه بلال بن أبي الدرداء ، وسعيد بن المسيب ، وعطاء بن يسار ، ومعدان بن أبي طلحة ، وأبو عبد الرحمن السلمي ، وخالد بن معدان ، وعبد الله بن عامر اليحصبي . وقيل : إنه قرأ عليه القرآن ولحقه ; فإن صح ، فلعله قرأ عليه بعض القرآن وهو صبي . وقرأ عليه عطية بن قيس ، وأم الدرداء . وقال أبو عمرو الداني : عرض عليه القرآن : خليد بن سعد ، وراشد بن سعد ، وخالد بن معدان ، وابن عامر . كذا قال الداني . وولي القضاء بدمشق ، في دولة عثمان . فهو أول من ذكر لنا من قضاتها . وداره بباب البريد . ثم صارت في دولة السلطان صلاح الدين تعرف بدار الغزي . ويروى له مائة وتسعة وسبعون حديثا . واتفقا له على حديثين ، وانفرد البخاري بثلاثة ، ومسلم بثمانية . روى سعيد بن عبد العزيز ، عن مغيث بن سمي : أن أبا الدرداء ، عويمر بن عامر من بني الحارث بن الخزرج . وقال ابن إسحاق مرة : هو عويمر بن ثعلبة . مات قبل عثمان بثلاث سنين . وقال البخاري : سألت رجلا من ولد أبي الدرداء ، فقال : اسمه عامر بن مالك . ولقبه : عويمر . وقال أبو مسهر : هو عويمر بن ثعلبة . وقال أحمد ، وابن أبي شيبة ، وعدة : عويمر بن عامر . وآخر من زعم أنه رأى أبا الدرداء ، شيخ عاش إلى دولة الرشيد ، فقال أبو إبراهيم الترجماني : حدثنا إسحاق أبو الحارث ، قال : رأيت أبا الدرداء أقنى أشهل يخضب بالصفرة . روى الأعمش ، عن خيثمة : قال أبو الدرداء : كنت تاجرا قبل المبعث ، فلما جاء الإسلام ، جمعت التجارة والعبادة ، فلم يجتمعا ، فتركت التجارة ، ولزمت العبادة . قلت : الأفضل جمع الأمرين مع الجهاد ، وهذا الذي قاله ، هو طريق جماعة من السلف والصوفية ، ولا ريب أن أمزجة الناس تختلف في ذلك ، فبعضهم يقوى على الجمع ، كالصديق ، وعبد الرحمن بن عوف ، وكما كان ابن المبارك ; وبعضهم يعجز ، ويقتصر على العبادة ، وبعضهم يقوى في بدايته ، ثم يعجز ، وبالعكس ; وكل سائغ . ولكن لا بد من النهضة بحقوق الزوجة والعيال . قال سعيد بن عبد العزيز : أسلم أبو الدرداء يوم بدر ، ثم شهد أحدا ، وأمره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يومئذ أن يرد مَنْ على الجبل ، فردَّهم وحدَه . وكان قد تأخر إسلامه قليلا . قال شريح بن عبيد الحمصي : لما هُزم أصحاب رسول الله يوم أحد ، كان أبو الدرداء يومئذ فيمن فاء إلى رسول الله في الناس ، فلما أظلهم المشركون من فوقهم ، قال رسول الله : اللهم ، ليس لهم أن يَعْلُونا فثاب إليه ناس ، وانتدبوا ، وفيهم عويمر أبو الدرداء ، حتى أدحضُوهم عن مكانهم ، وكان أبو الدرداء يومئذ حسن البلاء . فقال رسول الله : نِعْمَ الفارس عُوَيْمِر! . وقال : حكيم أمتي عويمر . هذا رواه يحيى البابلتي : حدثنا صفوان بن عمرو ، عن شريح . ثابت البناني ، وثمامة ، عن أنس : مات النبي -صلى الله عليه وسلم- ، ولم يجمع القرآن غير أربعة : أبو الدرداء ، ومعاذ ، وزيد بن ثابت ، وأبو زيد . وقال زكريا ، وابن أبي خالد ، عن الشعبي : جمع القرآن على عهد رسول الله ستة ، وهم من الأنصار : معاذ ، وأبو الدرداء ، وزيد ، وأبو زيد ، وأبي ، وسعد بن عبيد . وكان بقي على مجمع بن جارية سورة أو سورتان ، حين توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم . إسماعيل ، عن الشعبي ، قال : كان ابن مسعود قد أخذ بضعا وسبعين سورة ، يعني من النبي -صلى الله عليه وسلم- ، وتعلم بقيته من مجمع ، ولم يجمع أحد من الخلفاء من الصحابة القرآن غير عثمان . قال أبو الزاهرية : كان أبو الدرداء من آخر الأنصار إسلاما وكان يعبد صنما ، فدخل ابن رواحة ، ومحمد بن مسلمة بيته ، فكسرا صنمه ، فرجع فجعل يجمع الصنم ، ويقول : ويْحَكَ! هلاّ امتنعت! ألا دفعت عن نفسك؟! ، فقالت أم الدرداء : لو كان ينفع أو يدفع عن أحد ، دفع عن نفسه ، ونفعها ! . فقال أبو الدرداء : أعدي لي ماء في المغتسل . فاغتسل ، ولبس حلته ، ثم ذهب إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ; فنظر إليه ابن رواحة مقبلا ، فقال : يا رسول الله ، هذا أبو الدرداء ، وما أراه إلا جاء في طلبنا ؟ فقال : إنما جاء ليسلم ، إن ربي وعدني بأبي الدرداء أن يسلم . روى من قوله : "وكان يعبد ... إلى آخره" معاوية بن صالح ، عن أبي الزاهرية ، عن جبير بن نفير . وروى منه ، أبو صالح ، عن معاوية عن أبي الزاهرية ، عن جبير ، عن أبي الدرداء : قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : إن الله وعدني إسلام أبي الدرداء ، فأسلم . وروى أبو مِسهر ، عن سعيد بن عبد العزيز : أن أبا الدرداء أسلم يوم بدر ، وشهد أحدا . وفرض له عمر في أربع مائة -يعني في الشهر- ألحقه في البدريين . وقال الواقدي : قيل : لم يشهد أحدا . سعيد بن عبد العزيز ، عن مكحول : كانت الصحابة يقولون : أرْحَمُنَا بنا أبو بكر ; وأنْطَقُنَا بالحقِّ عمر ; وأمِينُنَا أبو عبيدة ; وأعْلَمُنَا بالحرام والحلال معاذ ; وأقْرَأُنَا أُبَيُّ ، ورجل عنده علم ابن مسعود ، وتبعهم عُوَيْمِر أبو الدرداء بالعَقْلِ . وقال ابن إسحاق : كان الصحابة يقولون : أتبعنا للعلم والعمل أبو الدرداء . وللحديث بقيه مع تحيات الشاعر الثائر/ نبيل عبدالعزيز