إن المصائب والبلاء امتحان للعبد ، وهي علامة حب من الله له ؛ إذا هي كالدواء فانه وإن كان مراً إلا أنَّك تقدمه على مرارته لمن تحب والبلاء ينزله الله تعالى على الناس ليميزهم فيعلم الصابر المحتسب ويعلم القانط الذي يسخط على قضاء الله تعالى فيجزي الصابرين الجنة ويجزي القانطين عذاباً وهمّاً وألماً في الدنيا قبل الآخرة فنحن نعلم سيره الأنبياء والرسل - عليهم الصلاة والسلام - وشدة ما مرَّ بهم من بلاء شديد فسيدنا نوح - عليه السلام - ابتلي بابن كافر وزوجة كافرة وابتلي بقوم كافرين مستهزئين يدعوهم نوح - عليه السلام ً وما آمن معه إلا قليل في دعوة بلغت ألف سنة إلا خمسين عاما وهذا سيدنا إبراهيم - عليه السلام - أُمر بذبح ولده وفلذة كبده بعدما كبُر سنه وشاب شعر رأسه فأجاب أمر خالقه ففداه ربه بذبح عظيم. وهذا سيدنا يعقوب - عليه السلام - ابتلي بفقد ابنه يوسف – عليه السلام - الذي امتلأ قلبه حباً له فعندما طال الفراق بينهما قال فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ المُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ وهذا سيدنا يوسف - عليه السلام - أُلقي في الجب وهو صغير وبيع كبيع الرقيق بثمن بخس بدراهم معدودة وابتلي بامرأة العزيز وسُجن فلبث في السجن بضع سنين وخرج فأصبح أميناً على خزائن الأرض وجاءه أهله من فلسطين. وهذا سيدنا أيوب - عليه السلام - ابتلي بفقد ماله وأولاده وأصحابه ثم ابتلي بفقد العافية في بدنه حتى تضرع إلى ربه فأجاب دعاءه فقال: أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ وهذا سيدنا يونس - عليه السلام - دعا قومه وخالفوه وعاندوه فركب البحر غضبان فمضى قدر الله – تبارك وتعالى - فوقعت القرعة عليه ورمى بنفسه في البحر فالتقمه الحوت فأصبح في ثلاث ظلمات فنادى رب الأرض والسموات فنجّاه ونبذه على شاطىء البحر بعدما قال : لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ وهذا خير الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم إمام المتقين والصابرين نُشهد الله أنه بلغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في سبيله حق جهاده وتركنا على محجَّة بيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها والله إلا هالك فكم لقي من الأذى , وكم لقي من الاستهزاء , وكم لقي من السخرية , وكم لقي من شتى صنوف الأذية , فصبر فكان إمام الصابرين ولنا فيه قدوة حسنة فأعطاه ربه - سبحانه وتعالى - على جهده وجهاده ودعوته وطاعته فقرَّبه منه وأعطاه الحوض والمقام المحمود والشفاعة ورفع ذكره وشرح صدره ووضع عنه وزره وقطع شأن من نال منه في حياته وبعد مماته. فدائما لابد ان نرجع إلى الله ونقبل على ذِكره ونجتهد في عبادته لعل انفسنا تصفو وتثبت محبته فى قلوبنا وترتاح من الهمّ والحزن .. ان الله قريب يجيب دعوة المضطر ، والله تعالى لا يبعد عن الإنسان إلا إذا أبعد هو عن الله تعالى ونأى بجانبه