هناك في ذلك الركن تجلس، تتركُ برودةَ المقهى تُطفئ ولو شيئاً يسيراً من اتقادِ نفسها. تنظر لدرجاتِ سُلم المقهى من النافذةِ القريبةِ، ترانا أنا وأنتَ!.. ندخل المكان فتضمنا العيونُ قبل المقاعدِ ووساداتها الوثيرة.. نجلس في الركنِ المقابلِ لها. لا تتخلى عيناكَ عن أسرِ نظراتي فتبقى ممغنطةً بلفتاتكَ.. تتنامى رجفةُ أناملي المستسلمة في دنيا كفيكَ.. يرتفعُ ضجيجَ نبضاتها.. تتُابعنا عيناها ببسمةٍ تلتمعُ بريشةِ الدموع. "أيمكنُ أن يكونَ الحلم بهذة الروعة؟!!.." كلمات نقشتها أهدابي على جفنيكَ، تنُصت هي إليكَ إذ تهمسُ لي: "أحبكِ.. ولستُ أنا حلم ولا عيوني أوهام." أدمعُ أنا، أسحبُ منديلاً بشعار المقهى و تسحبُ قلمكَ، تنقشُ بسوادِه تلكَ الكلمات.. تذيله باسمكَ.. وأذيله بشفاهي اللاثمة.. و.. أحفظه للآن. هي تنظر إلينا وبين يديها منديلاً شبيه، تلثمه بدموعٍ منهمرةٍ من خلفِ بسمتها الأليمة. يختلجُ فؤادي كما تفعلُ أناملي بين يديكَ، ينقبض... يتسائل، لم الخوف؟!.. ألقي نفسي في عينيكَ أكثر.. تتلاحق أنفاسي بكلماتٍ مرتجفة أكثر وأكثر: "دائماً الكذبُ أروع والخديعةُ ألذ من الحقيقةِ، فياخوفي لو تكون.. رائعاً!.." فلا تجيبني.. أراها تبكي!.. أتبكيني الحزينة؟!.. تنسحبُ لتتركني مبتعداً جداً.. قائلاً في وثوق جداً: "تعالى، أنتِ تحبينني.. تعالى." حاولتُ أن أفعل صدقني، حتى هي- تلك الحزينة- حاولت أن تقويني..همت إليَّ لتُنهضني.. رأيتَ عيونكَ يا حبيبي كُثر..كُثر، تتهاوى منها معاً كل اثنتين!.. عيون هوى.. عيون صدق.. عيون أمان وحنان.... عيون أوهام!.. رأيتها كلها تتهاوى، حتى أهدابكَ تتساقطُ كصُفر أوراق الخريف. رأيتَ كلماتكَ وهي تسعى مختفيةً ببحورِ الصمت!.. رأيتَ تلكَ الحزينةَ تبكي في ركن المقهى العزيز، برودةُ المكان أضحت جليداً. لأول مرة تخيفني يدكَ الممدودة نحوي!.. توسلتْ إليكَ الحزينة: "عُد كما أنتَ لبرهة، حتى ولو بألفِ عينٍ، عُد.. ولو بألفِ وجهٍ وآلافِ الأحاديثِ، عُد.. لكن عُد لأجلي!.." نعم.. تلك الحزينة في ركنِ المقهى العزيز الشاهد عليكَ هي أنا، ولا أبغي منكَ سوى كذبة واحدة أخرى يا أروع من كذب... هل لي في كذبةٍ أخيرةٍ.. لأجلي؟!