أكذوبة السحر والشعوذة. تقول أمي: "إذا أردت أن تكذب فما عليك إلا أن تتحدث وتكثر التحدث." :"إن الكذب يصنع أرجل وأيدي خفية تصنع لك عالم لا نظير له." لقد صنع لنا رجال الدين عالما مملوءا بالفوضى والاضطراب ثم عمت الكارثة على الأخبار والأحاديث التي مازالت تحظى باهتمام الكثير منهم نحو: حادثة سحر النبي –صلى الله عليه-التي لاقت رواجا كبيرا، لأنها تتعلق بأفضل الخلق وأكرمهم وأحسنهم خلقنا ،لهذا حاولوا التعتيم على هذه الخرافة وصنعوا لها مجدا كبيرا دون البحث عن صحة هذا الخبر الذي يناقض عصمة النبي محمد –صلى الله عليه وسلم-فجعلوه عرضة لمجموعة من المهازل والسخرية تحت وابل من النيران ... فالحديث الذي نقل عن السيدة عائشة –رضي الله عنها-قالت: " عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : ( سُحِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَانَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَمَا يَفْعَلُهُ , حَتَّى كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ دَعَا , وَدَعَا ثُمَّ قَالَ : أَشَعَرْتِ أَنَّ اللَّهَ أَفْتَانِي فِيمَا فِيهِ شِفَائِي ؟ أَتَانِي رَجُلانِ فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي وَالآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ , فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلآخَرِ : مَا وَجَعُ الرَّجُلِ ؟ قَالَ : مَطْبُوبٌ ؟ قَالَ : وَمَنْ طَبَّهُ ؟ قَالَ : لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ . قَالَ : فِيمَا ذَا ؟ قَالَ : فِي مُشُطٍ وَمُشَاقَةٍ وَجُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ . قَالَ فَأَيْنَ هُوَ ؟ قَالَ : فِي بِئْرِ ذَرْوَانَ . فَخَرَجَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ لِعَائِشَةَ حِينَ رَجَعَ : نَخْلُهَا كَأَنَّهُ رُؤوسُ الشَّيَاطِينِ . فَقُلْتُ : اسْتَخْرَجْتَهُ ؟ فَقَالَ : لا , أَمَّا أَنَا فَقَدْ شَفَانِي اللَّهُ , وَخَشِيتُ أَنْ يُثِيرَ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا , ثُمَّ دُفِنَتْ الْبِئْرُ ) ."(1) فهذا الحديث يبعث لدى المسلم الكثير من التساؤلات والانتقادات في صحته فهو يصور لنا النبي محمد-صلى الله عليه وسلم –مضطربا تسوده كومه من التخيلات والأوهام فتضعه في السراب فيحاول التجديف في فضاء الشرف والعرض فيحوم ويحوم فيخيل إليه -صلى الله عليه وسلم-أنه وطئ زوجاته ولم يكن قد فعل ذلك استنادا بأن الانسان ما يخيل إليه في المنام فلا يبعد أن يخيل اليه في اليقظة. وفسره بعضهم أنه كان يأتي النساء ولا يأتيهن وأمام هذا الاختلاف يتضح لنا إفتراض وبهتان هذا القول في حق النبي محمد-صلى الله عليه وسلم-فهو يمتص فيه حق النبوءة ويدحض في مكانته السامية العالية التي نص عليها النص الديني لقوله تعالى :﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67) ﴾.(2) وقوله سبحانه عندما وصف قول المشركين والكفار عندما دحضوا رسالته –صلى الله عليه وسلم –قال تعالى :﴿ نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَىٰ إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَّسْحُورًا (47) ﴾.(3) ولهذا فالقران ينهى ويجرم كل من يصف النبي –محمد-صلى الله عليه وسلم-بهذا الوصف –بأنه مسحور- وبالأخص من يهودي، فهو البركة والخير كله والشافي إذا شاء الله. ومنه يتضح لنا أن هذا الحديث اتسع وأخذ دائرة كبيرة بين المسلمين نتيجة العداوة الكبيرة بينهم وبين اليهود فحاولوا توطيد الجرم لهم بقولهم-لبيد بن الاعصم-لتحيا لدى المسلمين بذرة الخلاف والاختلاف بينهم وزرع بذور الأحقاد بالطعن في عصمة الرسول –صلى الله عليه وسلم-. ------------------------------- 1 -الامام البخاري، صحيح البخاري،3268 ومسلم، صحيح مسلم، 2189. مطبوب: مسحور. (مُشط): آلة تسريح الشعر. (مشاقة) أو (مشاطة): ما يسقط من الشعر. (وجف طلع نخلة ذَكَر): هو الغشاء الذي يكون على الطلع، ويطلق على الذكر والأنثى، فلهذا قيده بالذَّكَر. 2-المائدة، الآية 67. 3-سورة الإسراء،الاية 47.