إن النجاح عكس الرسوب ولكن النجاح بهذه النسبة يقف بين عدم الرسوب وعدم تحقيق النجاح المرغوب فيه وأن كنا نُعنى أن النجاح عكس الفشل فإن الناجح بتلك النسبة هو فاشل حقيقى ولكن اسمه لا يمكن ان يُدرج ضمن قائمة أسماء الراسبين ولكنه لن يُدرج ايضاً ضمن قائمة المتفوقين الذين حققوا هدفهم الذى يتلخص فى رفع شأنهم وتحقييق مرادهم فهم إذاً اما أنهم لم يبذلوا المجهود المفروض عليهم بذله لتحقيق النجاح ك خطوة مصيرية هامة نحو مستقبل أفضل مما يعكس قدر لا بأس به من اللامبالاة وسوء التصرف وغياب الحكمة او أنهم لم يكن لديهم هدف من الأساس يخططون من أجله ويتخذون خطوات ثابتة تجاه تحقيقه او أن هدفهم كان مجرد العبور من مرحلة الى مرحلة حتى لا يصبح زملائهم فى مرحلة متقدمة وهم فى مرحلة متأخرة عنهم فى جميع الأحوال هم امتلكوا مصطلح ( ناجح ) لكن لم يحصلوا على ( النتيجة ) التى من المفترض ان تكون هى جوهر الهدف المطلوب انجازه والوصول اليه وفى الحقيقة أنا لا أقصد اطلاقاً الحديث عن النجاح والرسوب الدراسى أنما المقصود هو الأخطر والأهم على الاطلاق وهو النجاح والرسوب للوالدين فى تربية وتنشئة ابنائهم تنشئة سليمة وبالذات القدرة على التفاهم معهم واحتوائهم إنه النجاح والرسوب الذى يتوقف عليه ويحدد مستقبل أجيال وراء أجيال سيصنعون مجتمع وليس أسرة فقط , فكل الأباء يعملون لتوفير احتياجات الأسرة وكل الأمهات يبذلن قصارى جهدهن فى أعمال المنزل وتحمل أعباء ومسئولية المنزل ورعاية الأبناء ولكن الوالدين الذين اقتصر دورهم فى حياة ابنائهم على توفير احتياجاتهم المادية ورعايتهم والتى تتمثل فى التنظيف والغسيل وإعداد الطعام وكل ما يشبه ذلك هم فى الحقيقة لم ينجحوا فى تربية ابنائهم بل نجحوا فى نصف المسئولية فقط وهو رعاية الأبناء وتوفير احتياجاتهم الأولية اما النصف الأخر وهو تربيتهم تربية سليمة وتنشئتهم تنشئة إجتماعية سوية وبناء شخصيتهم وتكوين فلسفتهم والإهتمام ببنائهم النفسى وإتزانهم العصبى واختيار اساليب معاملة والدية إيجابية واقامة علاقات حب وود وتعاطف بين الابناء بعضهم البعض وخلق جو أسرى جيد يتمتع بالصحة النفسية والمرونة والود والاجتهاد فى محاولة الإحتواء العاطفى للأبناء وتعويدهم على اساليب الحوار والمناقشات الموضوعية وتبادل الأراء دون استهزاء او سخرية من مشاعرهم ودون نقد لوجهات نظرهم مما يجعل منهم اصدقاء لأبنائهم والقلوب والأرواح الأقرب لهم ويجعل من منزل الأسرة الوطن الحبيب حيث الأمان والحب والاستقرار هذا هو الانجاز هذا هو النجاح الحقيقى . وفى الحقيقة والتى صَرَحَ بها الواقع بل صرخ بها وبأعلى صوته أن الوالدين يخلطون خلط قوى بين رعاية الأبناء وتربيتهم معتقدين انهم يبذلون قصارى جهدهم ولكن فى الحقيقة ان الجهد المبذول فى نصف المسئولية وليس فى المسئولية بأكملها ف نجد الأب يهتم بتلبية احتياجات الأسرة لكن لايهتم ببناء علاقة صداقة مع ابناءه لا يهتم ان يزرع فيهم انه حبيبهم وانه الأكثر حب وحرص على مصلحتهم من العالم كله وربما يميل الى السخرية والنقد الدائم اللاذع لتصرفات الابناء وتفكيرهم واسلوبهم فى الحياة ف يقدم لهم دائما نقد وليس توجيه مما يترتب عليه انصراف الابناء عنه وتجنب الحوار معه ونجد الأم شديدة الاهتمام بتغذية الأبناء بالطعام الصحى والمفيد لكن لا تهتم ان تغذى قلوبهم بالحب تجاه بعضهم البعض , شديدة الاهتمام بنظافة ملابسهم وحجراتهم ومواعيد الوجبات ولكنها لا تهتم بالاستماع اليهم والى مشكلاتهم وتَفهم مشاعرهم واحتياجاتهم ومحاولة احتوائهم عاطفياً وفكرياً مما يجعل الابناء يتجهون بقلوبهم وعقولهم ومشاعرهم الى الخارج ....... مما يؤدى الى ان الذكور يصبح زملائهم واصدقائهم الأقرب إليهم والأكثر تأثيراً عليهم فهم لا يجدون معهم نقد او سخرية او اعتراض على مظهرهم او اسلوبهم او اى شىء يخص شخصيتهم ولا يشعرون معهم انهم مجرد اطفال بل كبار ! وايضا يتجهون نحو علاقات يشعرون فيها بكيانهم ورجولتهم ويكتسبون منها ايحاء بأنهم كيانات ذات قيمة كبار وليسوا صغار وأسهل شىء يتجهون نحوه هو السعى خلف علاقات نسائية بفتيات مراهقات سناً او فكراً و هن ايضا ساقطات فى بئر من الحرمان والوحدة وهذا هو نفس الطريق الذى ستسلكه الفتيات التى لا تجد الحب والإحتواء بين اركان اسرتها ستلقى بنفسها بين احضان وهم مزيف ينسجه حولها أول ذكر يحاصرها بالاهتمام والحب والود والرعاية النفسية وإن كان كل ذلك زيف ودرب من خيال إلا انها تسقط فيه بمنتهى البساطة والتلقائية فقط لأنها تعيش فى وحدة وحرمان والأسوء انها تعيشهم بين اركان اسرتها اى ان اسرتها مجرد شخصيات متحركة حولها لكن لا احد بقلبها ولا هى بقلب احد ولا تجرؤ ان تفصح عن مشاعرها واحتياجاتها لاحدهم خوفا من السخرية والنقد اللاذع والاستهزاء بها ومحاصرة تصرفاتها ووضعها تحت المراقبة وتعرضها للعقاب المعنوى بينهم ومنهم .......... ومما اثار انتباهى فى الفترة الأخيرة ليست العلاقات العاطفية التى صنعها وهم ونسجها محروم وسقط فيها الوحيد الذى بلا سند او دعم او قلب يحتويه وينقذه لأن تلك العلاقات انتشرت منذ زمن بسبب الحرمان العاطفى والخلط بين الحب وأشياء أخرى والميل الى العمليات التعويضية ومحاولة الاحساس بالذات وقيمتها ولكن لفت انتباهى على مواقع التواصل الاجتماعى وخاصة الفيسبوك أن هناك فتيات اتخذت فى منشوراتها الشكل الدينى او ماشبه ذلك او هناك فتيات وسيدات ينشرون دائما مقاطع فيديو ينتقدون فيها احداث او يتحدثون عن مشكلات اجتماعية او ماشبه ذلك باسلوب ساخر او لكل منهن اسلوبها الخاص وشباب ايضا واجد الكثير من الفتيات يتهافتن على الحديث معهن وارسال ارقام تليفوناتهن للتواصل على الواتس اب ورسائل خاصة بحكايتهن وقصصهن العاطفية ومشكلاتهن وكثير من خصوصياتهن لطلب النصيحة والإرشاد والتوجيه , وكأنهن فى صحراء خالية من البشر او بلا اهل او سند او ليس لديهن من يؤتمن على الخصوصيات والمشاعر الحساسة , فيلقون بها بكل بساطة عند الغريب الغير معروف حقيقته بالضبط فيكفى انه اسلوبه خاطب مشاعرهن ولمس وتر حساس فى كيانهن او شعروا بالراحة معه او الاعجاب باسلوبه وبعض اراءه ووجهات نظره !!! لماذا يتجه انسان للثقة وطلب الرأى والمشورة من شخص غريب ؟؟؟؟ لماذا انسان يلقى بقلبه فى يد شخص غريب لا يعرف عنه شىء سوى بعض من كلماته التى ربما تعكس حقيقته وربما لا ؟؟؟؟ لماذا انسان يأتمن شخص غريب على أدق خصوصياته و يتجنب الافصاح عنها لشخص من اسرته ؟؟؟؟ هل الشاب الذى لديه من يحتويه ويشعره بقيمة ذاته سيتجه الى علاقات مريضة تعويضية ؟؟؟ هل سيجد نفسه وراحته مع الغرباء أكثر من أهل بيته واسرته ؟؟؟ هل الفتاة التى لها صديق داخل اسرتها سواء كان هذا الصديق الاب او الام او الاخت او الاخ ستلقى بقلبها وخصوصياتها فى يد غريب لا تعرف من يكون وماهى حقيقته ؟؟؟؟ لا اعتقد ذلك من لديه حبيب وصديق وقلب يشعر به وعقل لا يسخر منه وحضن يحتويه فى لحظات ضعفه وكيان حريص على اشباع احتياجاته داخل اسرته لن يتجه نحو الغريب ولن يفكر مجرد تفكير فى ذلك وسيضع بين خصوصياته واطلاع غريب عليها ألف ألف حاجز ولكن الوالدين بمنتهى البساطة والتلقائية ساعدوا ابنائهم على وضع ألاف الحواجز بينهم وبين اسرتهم حتى تحولت الى حواجز قوية صعب اقتلاعها وعلى صعيد أخر ساعدوهم على اذابة الحواجز بينهم وبين الغرباء بمنتهى البساطة والتلقائية فاتجهوا بكل عواطفهم نحوهم وبكل ثقة !!! , لقد ساعدوا ابنائهم على الانجراف خارج الأسرة ومهدوا للغرباء الطريق الى قلوب ابنائهم وتمكنهم منها واختراقهم لكيانهم وخصوصياتهم ووقوعهم تحت تأثيرهم مع الأسف الشديد . فهل هذا هو النجاح الذى حققتموه ؟؟؟ أكنتم تريدون فقط ان تمتلكوا ابناء ؟؟؟ هل تعتقدون ان الابناء ليس لهم احتياجات سوا الاحتياجات المادية والاحتياجات الأولية فقط ؟؟ سؤال يطرح نفسه هنا وبكل قوته .... ما الفرق بين ماقدمتموه لأبنائكم وما قدمه صاحب حظيرة البهائم للبهائم ؟؟؟ على فكرة هو ايضا يحرص على نظافة الحظيرة وتقديم الطعام والشراب لهم ويهتم بصحتهم الجسدية ويهتم ايضا ان يخرج بهم فى نزهه الى الحقل لتغير جو خارج الحظيرة . وهذا ليس سؤالى انه سؤال فتاة غريبة بين افراد اسرتها تتسول العاطفة والإحتواء من الغرباء عندما قالت لى " بابا وماما محسسنى اننا مجرد بهايم مش محتاجين حاجة غير الأكل وبس ايه الفرق بينهم وبين اللى بيربى بهايم !!!" اذاً النتائج التى ترتبت على نجاحكم بتلك النسبة التى تشير الى الفشل لم يترتب عليها إلا أبناء حاملون لسلبيات عميقة ومشكلات واضطرابات نفسية, يعانون تائهون بين مايحتاجون وما يجدون وبين ما يشعرون وما يظهرون وبين قيمتهم فى نظر الأخرين وقيمتهم فى نظر انفسهم والتى زُرعت فى اعماقهم من خلال الأسرة .... انه الصراع والوحدة وهذه هى نتيجتكم الحقيقية .