ما أكتبه عادة هو شعور مر بي، أو حالة أصابتني، وليس بالضرورة أن تكون الكتابة عن أشخاص بأعيانهم، فقد أكتب عن موقف حدث أمامي في الشارع أو مكان ما، أو حكي لي عن فلان، أو بلغني عن فلان، أو فعل يستقبحه أرباب الأخلاق، وها أنا أخبر أصحابي بأني عكفت في بحر الصمت عن الكلمات والنشر سنوات، وقد سبق أن وصفت نفسي بأني: إنسان أضاع عمره في بحر الصمت، فلا يجاوز كلامه لسانه، فإن أظهره ندم، وإن أخفاه تعب وتألم، فهل هناك وجع أكثر من وجعه؟! وقد وجدت نفسي أخيرا فرأيت أن أنشر عبارات وكلمات وكتابات تشفي العليل وتروي الغليل، ولعل ما أكتبه هو شعور كثير من قلوب أصحابي الذين لم يستطيعوا الكتابة عما في قلوبهم، أو التعبير عن أحزانهم، فأحاول جاهدا إيصال مشاعرهم وأحزانهم بكتاباتي؛ لعلي بذلك أخفف بعض أوجاعهم وأحزانهم عنهم بجميل عباراتي. وأشعر كما يشعر كل كاتب عندما يكتب بشيء من السعادة، فإذا انتهيت من الكتابة غمرتني الراحة، وانتشرت من حولي السعادة، ولعل سبب ذلك يرجع لأني استطعت أن أبوح عن طريقها بأوجاع مستترة أو مشاعر وأحاسيس مخفية، ولذا أنصح الجميع بكتابة ما يدور في أذهانهم، فهي من وسائل الراحة والسعادة، ولو علم من يكرهونا سر متعتنا في الكتابة .. لمنعوا عنا الدفاتر والأقلام، فاكتبوا. والكتابة في حد ذاتها لا تحتاج ورقا وقلما فقط، بل تحتاج لمشاعر وأحاسيس أكثر، فاكتبوا بأرواحكم لا بألسنتكم؛ فالكتابة باللسان يحسنها كل أحد، والكتابة بالروح تنزع سمع وروح ولب المستمع أو القارئ. أيها السالك: لا تنقطع يوما عن الكتابة، اكتب فهم لا يريدون كتابتك، اكتب فكلماتك فاضحة لزيفهم، اكتب فحروفك كاشفة لأهوائهم، اكتب فعباراتك ناطقة بدناءة أخلاقهم، اكتب في حلك وترحالك، اكتب عن: أحزانك، ومشاعرك وأحاسيسك، وآلامك وأوجاعك، وذكرياتك وأفراحك، اكتب، فالكتابة حياة لك، وتسلية لك من أوجاعك، وقلمك نفس لك، يريدون فشلك فاكتب لتثبت نجاحك، اكتب فستكون عباراتك يوما ما محفوظة ومنقولة، اكتب لتبعث الأمل في قلوب أحبابك، اكتب لتلهم طلابك الطموح والتميز، اكتب لتثبت أنك قادر على الرفعة والعلو، اكتب فعباراتك وجملك سترددها الأجيال القادمة، لا تستصغر نفسك واكتب وأرسل كتابتك لطلابك وأحبابك وأصحابك، اكتب فلعل الله ينفع بكلماتك، ستراهم يركزون في أفعالك، ويتصيدون عثراتك، ويبحثون عن زلاتك، فلا تلتفت إليهم، فاكتب ولا تختف، فأنت أقوى بأخلاقك، بتميزك، بطموحك، بآمالك، بإنجازاتك، بحب طلابك، بكثرة أتباعك، بكريم فضلك وإحسانك. وأخيراً: كن شامخا إيجابيا، واقرأ واكتب .. فنبوغك في العلم والكتابة يؤذيهم.