عبدالعزيز فرج عزو جريمة السرقة من كبائر الإثم والذنوب والعدوان والتي حرمها الله تعالي في دين الإسلام وكل الشرائع السماوية السابقة فجرائم السرقة تشمل سرقة الأبحاث والكتب والمقالات العلمية والثقافية والأدبية والاقتصادية والفلسفية والدينية والزراعية والتاريخية والفنية والسياسية وغيرهما وكذلك سرقة الأموال من البنوك وأموال الناس العامة والخاصة وسرقة الميراث والسيارات والعقارات والأراضي الزراعية والفضاء وسرقة الدقيق المدعم والتكسب من وراءه الملايين وأكل أصحاب الأعمال والشركات حقوق العمال والموظفين في الشركات وهم العمال الذين يخلصون ويتقنون في عملهم ويراعون الله في كل شئ يطلب منهم ويعطوهم الفتات وعدم التأمين عليهم إلا بطلوع الروح أو طردهم من العمال ظلما دون ذنب عملوه وكذلك من يسرقون ويخطفون البشرمن الطرقات والمدن ويقومون بعد ذلك بسرقة أعضاء أو أجهزة أجسامهم سواء كانت كلية أوعين أو شئ أخر ويقومون ببيعها في السر لمن يدفع الآلاف أو الملايين من الجنيهات لهم من المحتاجين لها ليعيشوا علي حساب أعضاء أجسام الآخرين ويقوموا بالتخلص منهم بعد نقل أعضائهم سواء كانوا علي قيد الحياة أو ماتوا. أو يقوم اللصوص بقتل الأنفس البريئة وسرقة ممتلكاته وغير ذلك من فنون السرقة التي حرمها الله تعالي علي الإنسان في الدنيا فالإنسان لم يخلق في الدنيا عبثا قال تعالي في كتابه الكريم [أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ] سورة المؤمنون الآيات 115 و116 والمعني ( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا ) أي الناس أفظننتم أنكم مخلوقون عبثا بلا قصد ولا إرادة منكم ولا حكمة لنا ( وأنكم إلينا لا ترجعون ) أي لا تعودون في الدار الآخرة ، كما قال : ( أيحسب الإنسان أن يترك سدى ) سورة القيامة الآية 36 قال المفسرون والظاهر أن الآية تعم الناس أي ليس يترك في هذه الدنيا مهملا لا يؤمر ولا ينهى ولا يترك في قبره سدى لا يبعث أي يبعث الله تعالي الخلائق من قبورها بعد أن يرد أرواحهم لكي يقوموا للحساب أمام الله رب العالمين ليحاسبهم. والمقصود هنا أيضا إثبات المعاد، والرد على من أنكره من أهل الفساد والجهل في الدنيا . وللأسف كثير من الناس تأكل الحرام في الميراث والأموال وكل شئ وأولادهم شاهدين علي ذلك السرقات أو علموا بها ثم بعد موت أبائهم يقومون باستحلال هذا الميراث الحرام الذين ورثوه علي أبائهم أو أقاربهم ويقوم الأولاد بتقسيم هذا الميراث الحرام علي بعض اخواتهم ولا يردون الحقوق لأصحابها الأصليين والتي سرقها أبائهم قبل أن يموتوا منهم وتورثوها بعد موت أبائهم وعندما يخبرهم الناس برد الحقوق لأصحابها من أرض أو أموال أو عقارات أو شئ يقول الأولاد الورثة أحنا ورثنا عن أبائنا أملاكنا فليس لكم عندنا شئ أو يقولوا لهم اشربوا من البحر هذا ميراثنا ونحن أصحابه. أو يقولوا لهم لقد أختلف الأقارب والمعارف مع أبائنا وماتوا فليس لكم شئ عندنا ويستحلون الحرام ويورثوه لأولادهم فيما بعد وهكذا دون وازع من ضمير أو دين. وهكذا يستحل هؤلاء السارقين حقوق الناس بحجة عدم وجود أوراق تدل علي ذلك أو وجود أوراق تثبت ذلك ويقولون ورق مزور أمامكم القسم أو المحكمة أذهبوا واشتكونا فلن تأخذوا جنيه واحد منا ويستحلون الحرام ويتمتعون به وكأن شيء لم يحدث. هكذا يفعل كثير من الناس ولا يتذكرون الله الحق ولا يفكرون في شئ ولا في حساب يوم القيامة وللأسف كثير من هؤلاء الناس يقوم بأداء الصلوات وقتها جماعة ويحجون ويعتمرون أكثر من مرة في السنة الواحدة ويقومون بالتسبيح ليلا ونهار ويتظاهرون بالتقوى وعمل البر أمام الناس ولكن الله تعالي لا يغفل ولا ينام ولا تخفي عليه خافية في الأرض ولا في السماء ولذلك يقول الله تعالي في كتابه الكريم بسم الله الرحمن الرحيم ( وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ۖ وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا ۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ ) سورة الأنبياء الآية 47 يقول الشيخ الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر السابق رحمه الله تعالي في كتابه تفسير الوسيط في تفسير هذه الآية ما نصه ::- أي يقوم الله سبحانه وتعالي بإحضار الموازين العادلة لمحاسبة الناس على أعمالهم يوم القيامة ولإعطاء كل واحد منهم ما يستحقه من ثواب أو عقاب ، دون أن يظلم ربك أحداً من خلقه . وقوله ( وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وكفى بِنَا حَاسِبِينَ ) أي وإن كانت الأعمال التي عملها الإنسان في الدنيا في نهاية الحقارة والقلة ، أتينا بها في صحيفة عمله لتوزن ، وكفى بنا عادِّين ومحصين على الناس أعمالهم ، إذ لا يخفى علينا شىء منها سواء أكان قليلا أم كثيراً . ويقول الإمام القرطبي في كتابه الجامع لأحكام القرآن في تفسير هذه الآية السابقة أيضا ما يلي::- ( كلمة الموازين جمع ميزان فقيل : إنه يدل بظاهرة على أن لكل مكلف ميزانا توزن به أعماله ، فتوضع الحسنات فى كفة ، والسيئات فى كفة. وقيل : يجوز أن يكون هناك موازين للعامل الواحد ، يوزن بكل ميزان منها صنف من أعماله . . . وقيل : ذِكْر الميزان مثَل وليس ثَمَّ ميزان وإنما هو العدل ، والذي وردت به الأخبار ، وعليه السواد الأعظم القول الأول . (و القسط ) صفة الموازين. واللام في قوله تعالي ( لِيَوْمِ القيامة ) قيل للتوقيت أي للدلالة على الوقت كقولهم ( جاء فلان لخمس ليال بقين من الشهر) وقيل هى لام كى ، أى : لأجل يوم القيامة ، أو بمعنى فى أي (في يوم القيامة) وقوله تعالي ( فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً ) بيان للعدل الإلهي ، وأنه تعالي لا يظلم أحدا شيئا مما له أو عليه أي : فلا تظلم نفس شيئا من الظلم لا قليلا ولا كثيراً . وقوله ( وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا ) تصوير لدقة الحساب ، وعدم مغادرته لشىء من أعمال الناس إذ الخردل حب فى غاية الصغر والدقة . ومثقال الشىء ( وزنه ) وأنث الضمير فى قوله ( بها ) وهو راجع إلى المضاف الذي هو ( حبة من خردل ) وقوله تعالي ( وكفى بِنَا حَاسِبِينَ ) بيان لإحاطة الله تعالى بعلم كل شىء . كما قال تعالى أيضا( إِنَّ الله لاَ يخفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأرض وَلاَ فِي السماء ) سورة ال عمران الآية 5 وفى معنى هذه الآية وردت آيات كثيرة منها قوله تعالى ( إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً ) سورة النساء الآية رقم 40 والمراد من قوله تعالي إن الله لا يظلم مثقال ذرة أي لا يبخسهم ولا ينقصهم من ثواب عملهم وزن ذرة بل يجازيهم بها ويثيبهم عليها والمراد من الكلام أن الله تعالى لا يظلم قليلا ولا كثيرا والمراد أيضا من قوله تعالى : ( وإن تك حسنة يضاعفها ) أي يكثر الله تعالي ثوابها ويقول صاحب كتاب تفسير (جامع البيان في تأويل القرآن ) المعروف ب تفسير الطبري للإمام محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الشهير بالإمام أبو جعفر الطبري، (224 ه-310 ه / 839-923م) في تفسير الاية السابقة أيضا مايلي::- ( وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا ۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ) يقول تعالى جل ذكره ( وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ ) أي العدل وهو (القِسْطَ) وجعل القسط وهو موحد من نعت الموازين، وهو جمع لأنه في مذهب عدل ورضا ونظر. وقوله ( لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ) يقول لأهل يوم القيامة، ومن ورد على الله في ذلك اليوم من خلقه وقد كان بعض أهل العربية يوجه معنى ذلك إلى ( في) كأن معناه عنده ونضع الموازين القسط في يوم القيامة، وقوله ( فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ) يقول فلا يظلم الله نفسا ممن ورد عليه منهم شيئا بأن يعاقبه بذنب لم يعمله أو يبخسه ثواب عمل عمله، وطاعة أطاعه بها، ولكن يجازي المحسن بإحسانه، ولا يعاقب مسيئا إلا بإساءته. ويقول الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تعالي في تفسيره أو خواطره في الآية السابقة أيصا الآتي وكلمة (موازين) جمع: ميزان، وهو آلة نُقدِّر بها الأشياء من حيث كثافتها، لأن التقدير يقع على عدة أشياء: على الكثافة بالوزن، وعلى المسافات بالقياس.. الخ، وقد جعلوا لهذه المعايير ثوابت، فمثلاً: المتر صنعوه من البلاتين حتى لا يتآكل، وهو موضوع الآن - تقريباً - في باريس، وكذلك الياردة. وجعلوا للوزن معايير من الحديد: الكيلو والرطل..إلخ. وقديماً كانوا يَزِنُون قطعةً من الحجارة تساوي كيلو مثلاً، ويستعملونها في الوزن؛ لأن لها مرجعاً، لكن هذه القطعة تتآكل من كثرة الاستعمال، فلا بُدَّ من تغييرها. وهنا تكلَّم عن الشيء الذي يَوزَن، ولم يذكر المعايير الأخرى، قالوا: لأن الأشياء التي لها كثافة هي الأكثر، وكاوا يختبرون الأولاد يقولون: كيلو الحديد أثقل، أم كيلو القطن؟ فالولد ينظر إلى القطن فيراه هَشَّاً مُنتفِشاً فيقول: القطن، والقطن أزيد من الحديد في الحجم، لكن كثافته يمكن أن تستطرق، فنُرقّق القطن إلى أن يتحول إلى مساحة طول وعرض. إذن: العُمْدة في التقدير: الثقل. وفي موضع آخر قال تعالى [وَ0لسَّمَآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ 0لْمِيزَانَ] سورة الرحمن الآية 7 فهل هي موازين متعددة، أم هو ميزان واحد. فالخَلْق جميعاً سيُحاسبون مرة واحدة، فلن يقفوا طابوراً ينتظر كل منهم دَوْره، بل في وقت واحد؛ لذلك لما سُئِل الإمام على - كرَّم الله وجهه: كيف يُحاسب الله الخَلْق جميعاً في وقت واحد؟ قال: كما يرزقهم جميعاً في وقت واحد. فالمسألة صعبة بالنسبة لك، إنما سهلة ميسورة للحق سبحانه. والقِسْط: صفة للموازين، وهي مصدر بمعنى عدل، كما تقول في مدح القاضي: هذا قاضٍ عادل. أي: موصوف بالعدل، فإذا أردتَ المبالغة تقول: هذا قاضٍ عَدْل، كأنه هو نفسه عَدْل أي (معجون بالعدل)؛ لذلك نقول في أسماء الحق سبحانه: الحكم العدل. ولا نقول: العادل. وهذه المادة (قسط) لها دور في اللغة، فهي من الكلمات المشتركة التي تحمل المعنى وضده، مثل (الزوج) تُطلق على الرجل والمرأة و (العَيْن) تطلق على العين: العين الباصرة، وعلى عين الماء، وعلى الجاسوس، وعلى الذهب والفضة. كذلك (القِسْط) نقول: القِسْط بالكسر مثل: حِمْل بمعنى العدل من قَسَط قِسْطَاً. ومنه قوله تعالى: { إِنَّ 0للَّهَ يُحِبُّ 0لْمُقْسِطِينَ } [المائدة: 42] ونقول: القَسْط بالفتح يعني: الظلم من قسط قُسوطاً وقَسْطاً، ومنه قوله تعالى: {وَأَمَّا 0لْقَاسِطُونَ فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً } [الجن: 15] أي: الجائرون الظالمون.والقِسْط بمعنى العدل إذا حكم بالعدل أولاً وبداية، لكن أقسط يعني كان هناك حكم جائر فعدَّله إلى حكم بالعدل في الاستئناف لو علم الظالمون والسارقون مدي ما يقترفوه من ظلم وسرقة وافتراء علي الناس وارتكاب الكبائر وعلموا أن دعوات المظلومين عليهم دون تجاوز لردوا لحقوق كلها إلي المظلومين وتابوا إلي الله توبة نصوح وتذكروا الموت في أي لحظة وعرفوا يوم الحساب لأنصلح الحال للجميع. فالله تعالي يقول في كتابه الكريم ::- [وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ] سورة إبراهيم الاية 42 نسأل الله تعالي السلامة والعمل الصالح والثبات الحق وعمل الخير لوجه الله الكريم ------------ بقلم/ عبد العزيز فرج عزو كاتب وباحث مصري